ملفات » الخلافات القطرية الخليجية

قطر تعيد تموضعها الاستراتيجي خارج هيمنة السعودية على أوبك

في 2018/12/04

الخليج الجديد-

"الكثير من الأعضاء في (أوبك) يشعرون بخيبة أمل من اتخاذ اللجنة الوزارية المشتركة للمراقبة قرارات الإنتاج بصورة منفردة ومن دون توافق مسبق"..

بهذه الكلمات عبر مندوب إيران في منظمة الدول المصدرة للبترول "حسين كاظم بور أردبيلي" عن "تفهمه" لإعلان قطر، الإثنين، الانسحاب من عضوية المنظمة، ما سلط الضوء على السبب الحقيقي وراء قرار الدوحة، رغم إعلانها أنه "فني وليس سياسي".

فتخفيضات الإمدادات النفطية يجب أن تأتي فقط من الدول التي زادت إنتاجها، بحسب "أردبيلي"، لكن الاتفاق الذي أبرمته السعودية (رأس أوبك) مع روسيا يقضي بتخفيض دول أوبك جميعا لحصص إنتاجها، بما فيها تلك التي لم تشارك في زيادة المعروض، ما يعني أن العديد من الدول الأعضاء بالمنظمة تدفع ثمن قرارات لم تكن جزءا من ترتيبها، من وجهة النظر القطرية.

وقد أفاد وزير الدولة القطري لشؤون الطاقة "سعد بن شريدة الكعبي" بذلك تلميحا، حين صرح في مؤتمر إعلان الانسحاب بأن بلاده "لا تقول إنها ستخرج من نشاط النفط، لكن المنظمة التي تسيطر عليه تديرها دولة واحدة" في إشارة إلى السعودية.

بينما صرح رئيس الوزراء القطري السابق "حمد بن جاسم" بما ألمح به "الكعبي"، عندما كتب مغردا عبر "تويتر": "انسحاب دولة قطر من منظمة أوبك هو قرار حكيم، فهذه المنظمة أصبحت عديمة الفائدة ولا تضيف لنا شيء. فهي تُستخدم فقط لأغراض تضر بمصلحتنا الوطنية".

قرار سياسي

قرار الانسحاب سياسي بالأساس إذن، وهو ما أكده العديد من المراقبين الذين ربطوا بين نفوذ السعودية القوي في "أوبك" واتجاهها لتخفيض أسعار النفط بضغط من الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، الذي يربط بدوره بين دعمه لولي عهد المملكة الأمير "محمد بن سلمان" على خلفية أزمة اغتيال الكاتب الصحفي "جمال خاشقجي" وبين إبقاء أسعار النفط مخفضة، وهو ما لا يمثل مصلحة لباقي الدول الأعضاء بالمنظمة.

وبإضافة أن تحتل قطر المرتبة 11 عالميا بسوق النفط في "أوبك"، بما يمثل أقل من 2% من إجمالي إنتاج المنظمة، يمكن استبعاد ترجيح الدوافع "الفنية" التي تحدث عنها "الكعبي" بشأن قرار الانسحاب، ولذا وصفت كبيرة المحللين الاستراتيجيين للسلع في شركة "آر بي سي كابيتال ماركتس"، والمحللة سابقة بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "هيليما كروفت" القرار القطري بأنه "ذو رمزية جيوساسية عميقة"، وفقا لما نقلته وكالة "بلومبرغ". 

لكن كيف يؤثر انسحاب منتج صغير بشكل عميق؟ الإجابة تعود إلى عوامل عدة، بحسب "كروفت"، منها تاريخ أوبك الذي لعبت فيه قطر دورا كبيرا، إذ كانت أولى الدول انضماما للمنظمة بعد دول التأسيس الخمس (السعودية والعراق وإيران والكويت وفنزويلا)، ما يعني أن انسحاب الإمارة الصغيرة يحمل دلالة مهمة لباقي دول المنظمة.

تأثر "أوبك"

وإذا كان تصريح مندوب إيران لدى "أوبك" حول "تفهم" الموقف القطري  ينم عن هكذا تأثر، فإن المدى المتوقع لتأثر دول أقل تأثيرا وأحدث عضوية بالمنظمة سيكون أكبر على الأرجح.

ثمة عامل آخر لحجم التأثير الكبير لقرار الإمارة الصغيرة، وهو أن انسحابها يكسر عرفا تاريخيا في "أوبك" يتمثل في فصل السياسة عن مصالح التجارة، الأمر الذي طالما التزمت به الدول الأعضاء، حتى في ذروة التوترات السياسية فيما بينها، بما في ذلك الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات، وغزو "صدام حسين" للكويت عام 1991.

لكن هذا الفصل اعتمد بالأساس على حرص أعضاء "أوبك" على عدم خسارة مصالحها التجارية بإقحامها في حلبة الخلافات السياسية، وهو ما لا ينطبق على الحالة الراهنة، التي ترتبط فيها المصلحة التجارية بهيمنة السعودية على صناعة القرار في "أوبك" بشكل مباشر، من وجهة النظر القطرية.

وإزاء ذلك، كان فصل ظلال الأزمة الخليجية عن استمرار قطر عضوا في "أوبك" أمرا غير ممكن، وهو ما عبر عن "بن جاسم" صراحة في تغريدته.

كما مثلت القراءة الاستراتيجية لمستقبل المخاطر التي تواجه أوبك دافعا ثالثا لقطر باتجاه الانسحاب، فبالإضافة إلى ضغط الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" على الدول الأعضاء لخفض الأسعار، تقوم وزارة العدل الأمريكية بمراجعة التشريعات رسميا بهدف كبح سلطتها وفق مشروع قانون نوبك ( NOPEC).

و"نوبك" هو مُقترح مشروع قانون داخل أروقة الكونغرس، يهدفُ إلى إزالة ما تعتبره الولايات المتحدة احتكارا للنفط من جانب "أوبك"، والضغط على باقي دول العالم للرفع من إمدادات النفط، بما يفضي إلى انخفاض الأسعار بالنهاية.

وعلى الرغم من طرح المشروع بالكونغرس عام 2007، فقد فشلَ أعضاء الكونغرس على تمرير القانون حتى الآن بسبب اختلاف وجهات نظر المُشرعين، لكن اختلاف الظروف السياسية بعد تعرض السعودية لضغوط دولية شديدة بعد اغتيال الكاتب الصحفي "جمال خاشقجي" ربما يعيد احتمال إقراره إلى الواجهة، خاصة في ظل اهتمام "ترامب" الشديد بهذا الملف.

وإذا تم تمرير المشروع، فقد يتعرض أعضاء "أوبك" لهجمات قانونية بموجب "قانون شيرمان" لمكافحة الاحتكار لعام 1890، الذي استخدم في الولايات المتحدة منذ أكثر من قرن لتفكيك إمبراطورية النفط التابعة للملياردير "جون روكفلر".

انسحابات ممكنة

هذا يعني أن "أوبك" فقدت رؤيتها الاستراتيجية مؤخرا لصالح هيمنة القطب السعودي، ولذا لم يستبعد الخبير الاقتصادي "عبدالله الخاطر" أن تشهد المنظمة مزيدا من الانسحابات، خاصة من جانب إيران والدول التي باتت ترى أن قرارها مصادر من قبل السعودية داخل المنظمة، وفقا لما نقلته شبكة "الجزيرة".

وفي حال توالي الانسحابات سيكون تقويض دور "أوبك" قد بدأ فعليا، وهو ما بدا "ترامب" حريصا على قيادة السعودية له عبر سلسلة تغريدات اعتبر في أحدها الهبوط بأسعار النفط "تخفيضا ضريبيا ممتعا" للأمريكيين.

وقد عبر وزير الطاقة الجزائري السابق والرئيس السابق لـ"أوبك"، "شكيب خليل" عن تخوفه من هذا المصير، قائلا إن خروج الدوحة سيكون له "أثر نفسي" بسبب الخلاف مع الرياض، وقد يضرب "مثلا يتبعه أعضاء آخرون في أعقاب القرارات الأحادية للسعودية في الأشهر الأخيرة"، وفق لما نقلته وكالة "رويترز".

وبإضافة تقلص دور "أوبك"، في ظل إنتاجها لنحو 33 مليون برميل نفط مقابل إنتاج عالمي يفوق 90 مليون برميل يضخه منتجون آخرون، على غرار روسيا، إلى حقيقة أن ثروة قطر الحقيقية هي الغاز وليس النفط، باعتبارها أكبر مصدر عالمي، فإن المصير الذي تخوف منه "خليل" قد يكون مرجحا، بحسب الاقتصادي "عبدالرحيم الهور".

وأشار "الهور" إلى أن انسحاب قطر يحررها من الالتزام بقرارات "أوبك"، ويدفعها إلى مزيد من التوسع في إنتاج الغاز، وهو ما يمثل الهدف الاستراتيجي لرؤية اقتصادها، وفقا لما نقلته شبكة "الجزيرة".