مبارك الفقيه- خاص راصد الخليج-
فوجئ وزير الدولة للشؤون الخارجية القطرية سلطان بن سعد المريخي باتصال من الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي يطلب موعداً للأمين العام عبد اللطيف بن راشد الزياني بزيارة الدوحة. كان الهدف تسليم قطر رسالة خطّية من الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، تتضمّن دعوة لحضور لحضور أعمال القمة الـ 39 التي ستعقد يوم الأحد 9 كانون الأول/ ديسمبر الجاري في الرياض.. سرعان ما استعاد المريخي الأجواء المشحونة قبل عام حين عقدت القمة بالكويت في ظل حمأة الخلافات الخليجية مع قطر التي اندلعت في 5 يونيو / حزيران 2017، ولم يحضرها آنذاك من القادة الخليجيين سوى الأميرين القطري والكويتي، بينما أرسلت السعودية والإمارات والبحرين وعُمان وفوداً على مستوى الوزراء ونواب رؤساء الوزراء، وجاء الرد القطري بتكليف ممثلها الدائم لدى الجامعة العربية بتمثيلها في القمة العربية التي انعقدت في الرياض في أبريل/نيسان الماضي.
خلفيات الدعوة
تفسيرات كثيرة أحاطت بالدعوة السعودية المفاجئة لقطر، فمنها ما اعتبرها إجراءًا إدارياً روتينياً لا خلفيات سياسية له ولن يكون له مفاعيل مستقبلية إزاء العلاقات بين البلدين وعلى مستوى ترتيب البيت الخليجي، ومنها ما أعطاها أبعاداً تتّصل بتداعيات الأزمة التي ترافق قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي، وما تواجهه الرياض حالياً من حملة شعواء متنامية على خلفية هذه القضية مستهدفة شخص ولي العهد محمد بن سلمان، ومنها ما تربطه بالموقف التركي الذي يتّخذ موقفاً صلباً في هذه القضية بدون مهادنة، بالتوازي مع دعم سياسي وعسكري واقتصادي كلّي لقطر، لا ينفصل في خلفيته عن لعب أنقرة في الملعب الخلفي للرياض بغية إضعاف الدور السعودي في الريادة لمصلحة تعاظم الموقع التركي على مستوى تسيّد وقيادة العالمين العربي والإسلامي.
هل تراجعت الرياض؟
أما وأن قطر قد دُعيت لتطأ أقدام أعضاء وفدها أرض الرياض لحضور أعمال القمة الخليجية، فهذا يعني أن الدوحة لا تزال تحجز مكانها في مجلس التعاون الخليجي، فأين أصبحت الدعوات السابقة لمحوها عن الخارطة الخليجية؟ وهل ما زالت مخططات فصلها بإزالة معبر سلوى قائمة؟ وأين أصبحت خطط الاجتياح العسكري السعودي لأراضيها وضمّ آبارها النفطية وحقولها الغاية إلى الموارد السعودية باعتبارها "ثروات قومية تاريخية" يجب أن تعود إلى المملكة؟! الأجوبة على هذه الأسئلة الرئيسية أصبحت مع التطوّر الجديد مغيّبة، لا سيما أن جدول أعمال القمة المطروح يستعيد عناوين قديمة – مستمرة تتصّل بالتعاون الاقتصادي والعلاقات بين أعضاء المجلس فضلاً عن العنوان الدائم الذي يطغى على سياسة هذه الدول وهو مكافحة الإرهاب، وهي التهمة الرئيسية التي تطلقها السعودية على قطر بأنها ترعى الإرهاب، وجعلت تخلّي الدوحة عن دعم الإرهاب شرطاً لفك الحصار والعودة إلى الحضن الخليجي.
هل يلتقي تميم بابن سلمان؟
وفي الوقت الذي أطلق الناشطون السعوديون حملة توهين باتجاه قطر، بأنها ستعود صاغرة إلى الحظيرة السعودية، برزت شكوك كبيرة في احتمال عدم مشاركة الأمير القطري في أعمال القمة، لأن "القطريين لا يحبّذون أن يذهب أميرهم" إلى الرياض خصوصاً أنه سيضطر إلى مواجهة ومصافحة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، مع ترجيح أن يقود وزير الدولة للشؤون الخارجية سلطان بن سعد المريخي الوفد القطري في القمة، ولكن ماذا سيكون الموقف القطري مما سيتم بحثه وإعلانه في هذه القمة الملتبسة في ظروف انعقادها وتوقيته، في ظلّ الإرباك الحاصل نتيجة ملف جريمة خاشقجي؟ فهل ستلتزم الدوحة الاجماع الخليجي أم أنها ستجدها فرصة للتنمّر في لحظة الوهن السعودي على مستوى الدولي والأمريكي على وجه الخصوص؟
قنبلة قطر
ما يثير الانتباه في هذا السياق ما ذكرته وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية أن قطر قد تقدم على خطوة ربما تثير حفيظة المملكة العربية السعودية وتحرجها أمام العالم، ورجّحت الوكالة أن "القرار القطري المُفاجئ بالإنسحاب من منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، أثار تساؤلات حتمية حول ما إذا كانت قطر تمهّد للانسحاب من مجلس التعاون الخليجي"، معتبرة أن "التبريرات التي قدمتها قطر للانسحاب من أوبك اعتبارًا من الأول من كانون الثاني / يناير 2019، بعد 57 عامًا من عضويتها بالمنظمة، يُمكن بسهولة استخدامها - على نحو أكثر إقناعا - لتبرير خروجها من مجلس التعاون الخليجي"، وما يدعّم هذا الاحتمال الموقف الذي أطلقه أمير قطر تميم قبل حوالي شهر أن "استمرار الأزمة الخليجية يبرهن على إخفاق مجلس التعاون في تحقيق أهدافه"، وهذا يعني أنه لم يعد هناك ما يشجّع الدوحة في الاستمرار كعضو في المجلس، لا سيما مع استمرار الحصار عليها منذ 18 شهراً.