محمد صادق أمين - الخليج أونلاين-
دعا تقرير صادر عن معهد واشنطن لتحليل السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط، إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للاستفادة من "الدور المؤثر لدولة قطر في الشرق الأوسط"، الذي تمتعت به من خلال "القوة الاستراتيجية الناعمة طويلة الأمد التي تمتلكها الدوحة".
وأشار التقرير، الصادر يوم 19 نوفمبر 2018، إلى أن قطر استطاعت أن تؤدي دوراً مؤثراً في المنطقة، حتى في ظل الحصار المستمر عليها منذ أكثر من عام، من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر.
ولعل لجوء حكومة جمهورية فيجي إلى الوساطة القطرية لحل أزمة احتجاز جنودها العاملين تحت مظلة الأمم المتحدة كقوة مراقبة فض الاشتباك في مرتفعات الجولان السوري المحتل (أوندوف) عام 2014، من أهم ما يمكن الاستدلال به على هذا التأثير.
فعلى الرغم من وجود دول كبيرة بالمقاس الجغرافي والديمغرافي والاقتصادي في المنطقة، فإن فيجي ومعها الأمم المتحدة لم تجدا مخرجاً للأزمة غير الوساطة القطرية، التي نجحت بإطلاق سراح الجنود دون خسائر.
وعلى ذات النسق عملت الدبلوماسية القطرية في ملفات الشرق الأوسط المختلفة، فتحولت إلى عنصر فاعل في مجريات الأحداث.
- هزيمة الحصار
فاعلية الدوحة بالشرق الأوسط أكسبتها ثقلاً دولياً، وفي ذات الوقت أثارت ضدها سخط الدول المحيطة بها، التي تمتلك مقومات استراتيجية كبيرة من دون أن يكون لها أي فاعلية سياسية.
ويعتبر المراقبون هـذه القضية من أهم العوامل المسببة لأزمة الحصار التي فككت مجلس التعاون الخليجي.
ففي الرابع والعشرين من مايو 2017، أفاقت المنطقة العربية على وقع أزمة خليجية غير مسبوقة، تمثلت في إعلان السعودية والإمارات والبحرين، ومعهم مصر، حصار دولة قطر، براً وجواً بدعوى دعم "الإرهاب"، فارضة 13 شرطاً لرفع إجراءاتها العقابية، وهو ما رفضته الدوحة، معتبرةً المسألة سعياً للهيمنة على استقلالها وسيادتها الوطنية، متحديةً دول الحصار بتقديم ما يدل على صدق ادعاءاتها.
فيما أعلنت الأمم المتحدة وأمريكا ودول فاعلة في الاتحاد الأوربي أن قطر شريك استراتيجي في مواجهة المجتمع الدولي لظاهرة "الإرهاب".
وقد اختارت الدبلوماسية القطرية القوة الناعمة في مواجه تداعيات الحصار الذي سعى بأسلوب "الترويع والصدمة" لسحب البساط من تحت أقدامها.
وقد نجحت قطر في توظيف علاقات حسن الجوار الإقليمي لكسر الحصار والقفز على العقبات الجغرافية التي راهنت عليها دول الحصار، فأوجدت من خلال شراكات مع تركيا وإيران وباكستان والهند والصين، خطوطاً بحرية استعاضت بها عن قطع الخطوط البرية.
وفي ذات المسار نجحت بتوظيف الشراكات السياسية الدولية لإلحاق هزيمة سياسية بالحصار، برزت للعيان واضحة عقب أزمة اغتيال الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي بقنصلية بلاده في مدينة إسطنبول يوم 2 أكتوبر 2018.
- دعم حق الشعوب في الحرية
معهد واشنطن لتحليل السياسات الأمريكية قال في تقريره، إن قطر استطاعت أن تؤدي دوراً مؤثراً في المنطقة، حتى في ظل الحصار المستمر عليها منذ أكثر من عام، وهي تمتلك اليوم رصيداً إقليمياً مهماً؛ لدعمها ثورات الربيع العربي، إذ تعد الحركات المتجذرة مجتمعياً، والتي شكلت النواة لتلك الثورات، أحد أهم عوامل القوة الناعمة بيد الدوحة.
وأضاف أن "كثيرين يدركون أن قطر تدعم التيارات الليبرالية إلى جانب الإسلامية".
وقد شكل الدعم القطري رافعة اجتماعية للحركات الشبابية التي طالبت بالحرية في بلدانها، واستمر الدعم لدول تلك الحركات، دون شرط، وبغض النظر عن التقلبات السياسية فيها، وأهم ملامح ذلك الدعم تجسد في:
- دعم الاقتصاد المصري بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك، من خلال وضع وديعة نقدية في البنك المصري، ورغم انقلاب الجيش في 3 يوليو 2013، ومجاهرته بمعاداة قطر، فإن الأخيرة لم توقف دعمها لاقتصاد القاهرة، ولم تبادر بسحب وديعتها، وهو ما أقدمت عليه سلطة الانقلاب قبل أن تنضم إلى دول الحصار.
- دعم تونس شكل أولوية لدى الدوحة؛ وفي أول مؤتمر للاستثمار عام 2016، وحضره 2000 شخص يمثلون 14 بعثة من الأمم المتحدة وحكومات أجنبية، بجانب ممثلين عن مصارف عالمية ورجال أعمال؛ ذكر القائمون عليه أن الدعم المالي والسياسي الأكبر جاء من الدوحة، بإعلان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، منح بلاده دعماً مالياً لتونس بقيمة 1.250 مليار دولار، مشيراً إلى أن الدوحة ستواصل دعم وتقديم المساعدات اللازمة لتونس، من أجل إنجاح تجربتها الديمقراطية.
ورغم التقلبات السياسية، وتغيير خارطة التحالفات، فإن الدوحة استمرت على ذات النهج، ولم يغير تحالف حزب نداء تونس (ليبرالي) مع حركة النهضة (إسلامي) في حكم البلاد من الدعم القطري للاقتصاد التونسي.
- دعم صمود الشعب الفلسطيني؛ حيث عانت السلطة خلال السنوات الخمس الماضية بشدة، بسبب تراجع المنح الخارجية، والحاجة إلى السيولة اللازمة لإعادة إعمار غزة التي تعرضت في 10 سنوات لثلاث حروب إسرائيلية.
وأظهرت بيانات رسمية فلسطينية أن إجمالي الدعم المالي الذي قدمته قطر ما بين 2012 - 2017 بلغ مليار دولار.
وأشارت الأرقام إلى أنها دعمت فلسطين بأكثر من 100 مشروع لإعادة إعمار غزة، إضافة إلى المساعدات الإغاثية التي قدمتها مؤسسات الهلال الأحمر القطري وجمعية قطر الخيرية ومؤسسة "تيكا".
- حل النزاعات ونزع فتيل الأزمات
لم يكن غريباً أن يدشن رأس الدبلوماسية القطرية، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" في مارس 2016، بتغريدة بالعربية والإنكليزية قال فيها: "هدفنا تحقيق خارطة الطريق التي وضعها سيدي صاحب السمو (الأمير تميم بن حمد) للدبلوماسية القطرية، لا سيما المتعلقة بالدور القطري في الوساطة وحل النزاعات".
حيث نجحت هذه الرؤية في نزع فتيل العديد من الأزمات الدبلوماسية والسياسية في دول العالم؛ خصوصاً في القارة الأفريقية، حيث النزاعات التاريخية المستحكمة، التي تتعمد القوى الكبرى إدارتها بدل حلها، لتحقيق المكاسب الاقتصادية والسياسية.
وعلى سبيل المثال نجحت قطر في تخفيف التوتر بين السودان وتشاد، حتى وصلت به إلى مرحلة المصالحة الكاملة والعمل المشترك.
وقادت وساطة بين إريتريا وجيبوتي حتى نجحت في إبرام اتفاقية سلام لتسوية النزاع الحدودي بين البلدين.
كما سعت الدبلوماسية القطرية إلى تجسير العلاقات بين الفرقاء الصوماليين، بناءً على دعوة الحكومة الصومالية قطر للتوسط، أثناء زيارة الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو للدوحة في 2017.
كما كان لها دور أساسي في الاتفاق الذي وُقّع بين قبائل التبّو والطوارق في ليبيا عام 2015، ما أدى إلى وقف إطلاق النار، وإنهاء الأزمة التي استعصت على الحل طوال عامين.
وقبل ذلك، وعلى مدار 14 شهراً نجحت بالإفراج عن الجنود اللبنانيين الستة عشر الذين أسرتهم جبهة النصرة في أغسطس 2014، بطلب من الحكومة اللبنانية.
ولعل طلب الولايات المتحدة، القوة الأكثر فاعلية في العالم، من الدوحة استضافة المكتب السياسي لحركة طالبان، لتسهيل الحوار معها، دلالة واضحة على الاعتراف الدولي بفاعلية الدبلوماسية القطرية. وفي أغسطس 2018، أشاد الرئيس الأفغاني بجهود دولة قطر في الوساطة بين الأطراف الأفغانية، وسعيها لتحقيق السلام في أفغانستان.