حنين ياسين - الخليج أونلاين-
تواصل قطر سلسلة تفوقها الاقتصادي إقليمياً ودولياً رغم مرور نحو عام ونصف على فرض السعودية والإمارات والبحرين حصاراً شاملاً عليها، محطمة بذلك خطط الثلاثي الخليجي.
وفضلاً عن أن المؤشرات الاقتصادية تثبت نجاح الدوحة في هزيمة دول الحصار بقوة وتمكنها من تجاوز كل إجراءاتها؛ فإنها تثبت أيضاً تحقيق قطر مراكز عالمية متقدمة على قائمة الدول الأكثر نمواً، بحسب العديد من التقارير الدولية.
وظهرت آخر تلك المؤشرات مساء الخميس (13 ديسمبر 2018)؛ بإقرار أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، اعتماد الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2019.
هذه الموازنة جاءت وسط توقعات بوجود فائض بقيمة 4.3 مليارات ريال (نحو 1.2 مليار دولار)، وارتفاع الإنفاق 1.7% عن خطة موازنة العام الحالي، وفق وزارة المالية القطرية.
وأكّدت وكالة الأنباء القطرية (قنا)، أن القانون قضى بتنفيذ قرار أمير البلاد، والعمل به من أول يناير 2019، ونشره في الجريدة الرسمية.
وأرجعت وزارة المالية الفائض في تقديرات الموازنة العامة إلى ارتفاع أسعار الطاقة في الأسواق العالمية، وزيادة الإيرادات الأخرى (غير النفطية).
وتركز موازنة قطر 2019 على توفير المخصصات لتطوير أراضي المواطنين، ودعم مشاريع الأمن الغذائي، وتطوير البنية التحتية في المناطق الحرة والاقتصادية والصناعية واللوجستية.
- نمو اقتصادي تجاوز الأزمة
ويأتي الإعلان عن الموازنة بعد أيام من تأكيد محافظ مصرف قطر المركزي الشيخ عبد الله بن سعود آل ثاني، الاثنين 10 ديسمبر، أن اقتصاد البلاد تجاوز الحصار وأصبح أقوى من السابق.
وأعلن آل ثاني، خلال مؤتمر مالي في الدوحة، أن احتياطات البنوك في بلاده نمت 5% في الأرباع الثلاثة الأولى من العام الحالي، وقال: "تجاوزنا هذه الأزمة، بل أصبحنا أقوى من قبل".
وأضاف أن "الاحتياطيات الدولية والسيولة بالعملة الأجنبية- التي انخفضت 20% في الأشهر القليلة الأولى بعد الحصار- عادت الآن إلى مستوياتها الطبيعية، ووصلت إلى 46.5 مليار دولار في نهاية سبتمبر الماضي".
وذكر محافظ مصرف قطر المركزي أن إجمالي احتياطيات البنوك التجارية في البلاد زاد 5% خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي مقارنة بمستواه خلال الفترة ذاتها من العام الماضي.
وأوضح أن الإجراءات الوقائية التي اتخذتها البنوك القطرية حسنت متانة النظام المصرفي، مشيراً إلى أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي القطري نما بنسبة 2.5% في النصف الأول من 2018.
وهذا النمو زاد عن توقعات صندوق النقد الدولي، الذي قال في تقرير نشره بنوفمبر الماضي، إن اقتصاد قطر سينمو بنسبة 2.4% في 2018.
- موازنة تعكس قوة الاقتصاد
في تحليله للمشهد القطري وبيانات الموازنة الجديدة للعام 2019، قال المحلل الاقتصادي، عبد الرحمن العساف: إن "الإعلان عن الموازنة القطرية مع توقعات بوجود فائض بالإيرادات يزيد على مليار دولار أمريكي يعكس مدى القوة والمتانة التي يتمتع بها الاقتصاد القطري، ونجاحه الحقيقي في مواجهة إجراءات حصار كانت تهدف لتدميره".
وأضاف العساف لـ"الخليج أونلاين" أن "إيرادات الموازنة القطرية ارتفعت بدعم من زيادة أسعار الطاقة ونمو الاقتصاد القطري غير النفطي أيضاً، فقد تجاوزت مساهمة القطاع غير النفطي بالموازنة القطرية الـ52%".
وكشف تقرير لغرفة تجارة قطر، في 30 مايو الماضي، أن الصادرات "غير النفطية" للدولة نمت بنسبة 71% على أساس سنوي.
ولفت المحلل الاقتصادي إلى أن قطر تعد اليوم من أهم وأكبر مصدري الغاز في العالم، وقد تمكنت من تطوير قطاع الطاقة لديها وإيصال صادراتها من الغاز للعالم، رغم محاولة دول الحصار عرقلة حركة الصادرات والواردات القطرية، بإغلاق كل خطوطها البرية وكذلك الجوية والبحرية.
وتوقع أن تواصل قطر تطوير قطاع الطاقة ليحقق لها المزيد من الإيرادات، خاصة بعد إعلانها، قبل أيام، الانسحاب من منظمة الدول المنتجة للنفط (أوبك) في بداية العام المقبل، حيث ستتمكن من التحكم بإنتاجها من النفط والغاز.
وكانت قطر قد قررت رفع إنتاجها من الغاز المسال من 77 مليون طن سنوياً إلى نحو 100 مليون طن سنوياً بحلول العام 2023، ما سيعزز السوق العالمية للغاز حيث يتوقع أن يزداد الطلب عليه سنوياً بنحو 1.6% إلى غاية 2040.
وأشار تقرير نشرته وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية، منتصف العام الجاري، إلى سعي دول العالم للحصول على الغاز القطري وتوسعة الإنتاج فيه.
وذكرت الوكالة أن الصفقات والاتفاقيات التجارية مع الكثير من بلدان العالم أثبتت متانة الاقتصاد القطري.
وفي تقرير حديث للبنك الدولي، توقع أن تحقق عائدات الطاقة في قطر ارتفاعاً إلى جانب ازدياد الإنفاق على مشاريع البنية التحتية.
في السياق، أشار العساف إلى أن من أهم النقاط التي أسهمت في تفوق الاقتصاد القطري وإقرار موازنة العام المقبل مع توقعات وجود فائض بالإيرادات، النمو الذي شهدته قطاعات التجارة والسياحة والاستثمارات الأجنبية والمصارف.
ورأى أن قطر ستواصل نموها الاقتصادي ويمكن أن نقول إنها جعلت الحصار وراء ظهرها وتمكنت من هزيمته وإفشال كل خططه.
- نمو بمختلف القطاعات
جدير بالذكر أن دولة قطر حلت في المرتبة الأولى عالمياً في مؤشر الدول المحققة للنمو الاقتصادي خلال 20 عاماً منذ 1997.
وحققت الدوحة متوسط نمو اقتصادي سنوي مركب يبلغ مستوى 10.5%، في حين حلت الصين بالمرتبة الثانية عالمياً بنسبة نمو اقتصادي بلغت 9.1%، وجاءت إثيوبيا في المرتبة الثالثة عالمياً بنمو بلغت نسبته 8%.
وكنتيجة طبيعية لتطور الاقتصاد القطري، تحولت البلاد إلى مركز جذب عالمي للاستثمارات الأجنبية، بالتوازي مع نمو الاستثمارات المحلية.
وقدر حجم الاستثمارات الأجنبية في الدوحة، بحسب مسح أجرته وزارة التخطيط التنموي والإحصاء القطرية بالتعاون مع مصرف قطر المركزي، في فبراير الماضي، بـ665 مليار ريال (نحو 182.69 مليار دولار أمريكي).
وبلغ عدد المنشآت الصناعية القائمة والمقيدة بالسجل الصناعي لدى وزارة الطاقة والصناعة القطرية نحو 730 منشأة صناعية، باستثمارات تزيد على 260 مليار ريال قطري ( نحو 71.4 مليار دولار أمريكي).
كما تطور قطاع السياحة في قطر بشكل متسارع خلال الأشهر الماضية، متجاوزاً إغلاق دول الحصار لخطوطها وحدودها الجوية والبرية والبحرية مع قطر.
وبحسب تقرير للبنك الدولي صدر حديثاً يرصد مؤشرات تنافسية السياحة والسفر، جاءت قطر في المرتبة الـ47 عالمياً من أصل 136 دولة، والثانية على مستوى الدول العربية.
وفي تقرير نشرته صحيفة "الراية" القطرية، في فبراير الماضي، توقّع عددٌ من رجال الأعمال وخبراء السياحة والاقتصاد، في استطلاع أجرته الصحيفة، أن تشهد إيرادات القطاع السياحيّ في البلاد نموّاً كبيراً بمُعدّل 20% خلال العام 2018.
التجارة أيضاً كان لها نصيب من النمو، فبحسب مكتب الاتصال الحكومي في قطر، فقد ارتفع حجم تجارة الدوحة الخارجية بنسبة 16% بالعام 2017 مقارنة مع سنة 2016.
كما دشّنت الدوحة أيضاً خطوط شحن بحري مباشرة مع موانئ في العشرات من دول العالم؛ من أهمها الهند وإيران وتركيا وسلطنة عمان والكويت وباكستان وماليزيا وتايوان، وغيرها الكثير من البلدان الأخرى، بحسب تقرير نشره موقع "فاليو ووك" الأمريكي (تابع لمؤسّسة "ماولدين" لبحوث الاقتصاد) في مايو الماضي.
وبحسب أرقام رسمية، فقد سجلت صادرات دولة قطر ارتفاعاً بنسبة 18% مسجلة 67 مليار دولار في 2017، مقارنة بـ 57 مليار دولار في 2016.