وكالات-
يبدو أن منطقة البحر الأحمر تدخل مرحلة جديدة من الصراع بين قوى خليجية وأخرى أفريقية، وخلف الستار نفوذ إقليمي ودولي كبير يحمي مصالحه في الممر المائي الهام الذي يربط القارات الثلاث "آسيا وإفريقيا وأوروبا".
وعلى وقع الصراع في اليمن، تُلقي الرياض بثقلها خلف تكتل جديد يحمل اسم "كيان البحر الأحمر"، يضم كلا من السعودية ومصر والسودان وجيبوتي واليمن والصومال والأردن.
وفي دلالة لافتة، غابت الإمارات الحليف الأول للرياض في حربها ضد تمدد النفوذ الإيراني في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن، وكذلك غابت إريتريا التي تحتضن قاعدة إماراتية، في ما يبدو إعادة ترتيب للدور السعودي في تلك المنطقة، لحماية مصالحها التجارية والاستراتيجية.
ويقف وراء التحرك السعودي، عدة أهداف تتجاوز المعلن، إلى وجود صراع خفي بين قوى إقليمية ودولية على البحث عن موطئ قدم قرب البحر الأحمر، وسط مخاوف من تحركات إيرانية تركية، وأخرى صينية أمريكية للسيطرة على الممر المائي الذي يحتضن واحدا من أهم المضايق الاستراتيجية "باب المندب".
المعلن والخفي
علنا، أرجع وزير الخارجية السعودي، "عادل الجبير"، إنشاء "كيان في البحر الأحمر"؛ للتعاون في الأمور الاقتصادية والبيئية والأمنية، دون أن يحدد طبيعة وتفاصيل هذا الكيان.
وفي كلمته أمام وزراء خارجية الدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن بالرياض، عدد "الجبير" أهدافا للكيان، قائلا: "نعتقد أن هذا الكيان سيعزز الاستقرار والأمن والتجارة والاقتصاد بالمنطقة، ويساهم في إيجاد تناغم في هذه المنطقة الحساسة، ومنع أي قوى خارجية من لعب دور سلبي"، دون أن يسمها.
وربما يريد "الجبير" بهذه التصريحات، الإشارة، وفق صحف مصرية، إلى القلق من عدم استقرار الأوضاع الأمنية في مضيق باب المندب جراء الحرب في اليمن، وتحركات محور "قطر، تركيا، إيران" في منطقة البحر الأحمر، وعدم وجود منظومة أمنية حقيقية لضمان حماية تلك المنطقة.
الكيان المعلن عنه ليس وليد اللحظة؛ ففي العام الماضي، بحث "الجبير" مع نظيره المصري "سامح شكري"، تطورات الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي وأمن البحر الأحمر باعتباره امتدادا للأمن القومي العربي.
وتخشى الرياض، والقاهرة تحديدا، التحرك التركي لتطوير جزيرة "سواكن" السودانية، التي كانت مركزا للدولة العثمانية في البحر الأحمر، وهي الاتفاقية التي سمحت من خلالها الخرطوم لأنقرة بإدارة وإعادة تأهيل الجزيرة وذلك لمدة غير محددة.
قواعد عسكرية
وخلال الأعوام القليلة الماضية، تحول البحر الأحمر إلى ساحة سباق محموم ومركز يستقطب القواعد العسكرية لصالح قوى بعينها، تريد الاحتفاظ بثقل في ممر يعبر من خلاله نحو 3.3 ملايين برميل من النفط يوميا، كما أنه يشكل المعبر الرئيس للتجارة بين دول شرق آسيا، ولا سيما الصين والهند واليابان مع أوروبا.
وتشهد قواعد النفوذ في البحر الأحمر تغيرا لافتا، بداية من وجود تركي عبر جزيرة "سواكن"، التي تعد أقرب الموانئ السودانية إلى ميناء جدة الإستراتيجي السعودي.
وثانيا دخول الإمارات الملفت، رغم أنها لا تعد ضمن دول نطاق البحر الأحمر؛ حيث أنشأت قاعدة عسكرية في بربرة عاصمة ما تعرف بجمهورية أرض الصومال، وتمتلك أيضا قاعدة عسكرية في إريتريا، كما تتهمها قوى يمنية بالسعي للسيطرة على موانئ على البحر الأحمر.
وتظهر إيران في المشهد عبر سيطرة جماعة "الحوثي" على عدد من موانئ اليمن الغربية، ضمن محاولات إيران للتواجد القوي في البحر الأحمر.
وهناك تواجد سعودي طرأ على المشهد بعد تنازل مصر عن جزيرتي "تيران وصنافير" للسعودية، وسعي الرياض كذلك للسيطرة على موانئ يمنية قرب البحر الأحمر.
خطوة استباقية
التعجيل بإعلان التكتل الجديد، ربما جاء كخطوة استباقية من قبل الرياض في حال التوصل لأي تسويات لإنهاء الأزمة اليمنية الراهنة.
ومن المقرر ضمن آليات التكتل تشكيل قوة عسكرية سوف تقوم بحماية التجارة المارة بالبحر الأحمر، وتأمين مصالح البلدان السبعة.
ويتصدر مهام التكتل تحجيم النفوذ الإيراني، سواء عن طريق الحوثيين باليمن، أو نتيجة التهديدات الصريحة لطهران بأنها ستمنع تصدير النفط لباقي دول المنطقة إذا تم منعها من تصدير نفطها.
ويهدف التحالف الجديد، كذلك، إلى حماية المشاريع السعودية مثل "نيوم" ومشروع "البحر الأحمر"، وكذلك طريق "الحرير" الجديد، المشروع الصيني الضخم لإعادة رسم خريطة التجارة العالمية.
وتمر من خلال البحر الأحمر سنويا بضائع وسلع بنحو 2.5 تريليون دولار تمثل نحو 13% من التجارة العالمية.
الخلاصة، أن التكتل الجديد "كيان البحر الأحمر" أولوية سعودية مصرية، في مواجهة نفوذ إيراني تركي، وأن أهدافه الأمنية والاستراتيجية تفوق منافعه الاقتصادية، وأن الكيان خطوة استباقية لترتيب المشهد في الممر المائي في مرحلة ما بعد حرب اليمن.