ملفات » الخلافات القطرية الخليجية

بعد عام ونصف من الحصار...قطر توسع قاعدة علاقاتها الدولية والمُحاصِرون يتقلصون

في 2018/12/20

الخليج أونلاين-

في الخامس من ديسمبر 2018، يكون قد مر على حصار قطر عام ونصف العام، هذا الحصار الذي فرضته كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، بدعوى دعم الدوحة للإرهاب.

ومع مرور عام ونصف العام، فإن قراءة في علاقات دول الحصار مع المجتمع الدولي، وعلاقات قطر معه، تؤكد أن المُحاصر وسع قاعدته، في حين أن رباعي الحصار يعاني اليوم من تقلص نفوذه وعلاقاته الدولية.

ومرد ذلك- بحسب الباحث إحسان سعيد، من مركز الدراسات الاستراتيجية في بغداد- إلى الحجج الواهية التي ساقتها دول الحصار أولاً، وثانياً الأخطاء التي ارتكبتها تلك الدول، وعلى رأسها السعودية، ليس مع قطر وحسب وإنما مع العديد من دول العالم، كما حصل مع كندا، وكما حصل في احتجاز سعد الحريري رئيس وزراء لبنان في نوفمبر الماضي، وأخيراً وليس آخراً ما أقدمت عليه القيادة السعودية من جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي في مبنى قنصلية السعودية في إسطنبول، والتي تؤكد الوقائع أنها كانت بأوامر عليا من ولي العهد محمد بن سلمان.

بالمقابل- يقول سعيد- واصلت قطر تعزيز علاقاتها مع دول العالم، إذ عقدت العديد من الاتفاقيات المشتركة مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، بالإضافة إلى توسيع قاعدة علاقاتها إلى الجوار العربي القريب، كالعراق، الذي بات اليوم على علاقة متميزة مع قطر. كل هذا وغيره يؤكد أن قطر تعزز حضورها الدولي، والآخرون يتقلصون.

الخط الدبلوماسي المتصاعد لقطر عقب الحصار شكل مفاجأة بالنسبة للعديد من المتابعين، وخاصة مع وجود وزير خارجية شاب وهو الشيخ محمد بن عبد الرحمن، الذي نجح- رغم قصر تجربته- في أن يكون وجه قطر الدبلوماسي الأكثر مقبولية ومصداقية.

بالإضافة إلى أن أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، قام بالعديد من الجولات الخارجية الناجحة رغم الحصار، والتي أثمرت عن اتفاقيات مهمة، عززت من مكانة قطر الدولية، وأسهمت في إيصال رسالة قطر إلى العالم.

يقول الكاتب والمحلل السياسي، إياد الدليمي، إن قطر تمتلك خزيناً كبيراً من العلاقات الدولية التي عززتها بعد الحصار، ولم تكن وليدة الحصار نفسه.

ويتابع، في حديثه لـ "الخليج أونلاين": "قطر قدمت نفسها للعالم منذ عقدين من الزمن على أنها شريك موثوق به، فهي أولاً قادت العديد من مبادرات المصالحة في المنطقة، كما أنها كانت صاحبة مبادرات كبيرة على مستوى العالم، ومنها على سبيل المثال مبادرة "علّم طفلاً"، التي حظيت باهتمام ورعاية من الأمم المتحدة لتفردها ورسالتها السامية، فضلاً عن أن قطر كانت شريكاً تجارياً واقتصادياً مهماً، فهي لم تُخِلَّ باتفاقاتها مع دول العالم لأي سبب كان، ولعلي هنا أضرب مثلاً باستمرار تزويد قطر لأبوظبي بالغاز رغم الحصار، يضاف إلى كل هذا وذاك أن قطر لديها باع طويل في التعامل المرن مع مختلف التحديات في المنطقة والعالم. قطر ليست دولة نزقة، إنها دولة ذات تاريخ في التعامل الدبلوماسي".

ويؤكد الدليمي أن قطر اليوم أكثر نضجاً على الصعيد الدبلوماسي، كما أنها قدمت أنموذجاً في التعامل حتى مع الخصوم، مضيفاً: "قطر بقيت متمسكة بالدعوة للحوار على الرغم من كل ما تعرضت له، هذا بحد ذاته يؤكد مصداقية قطر وموقفها، قطر لا تخشى شيئاً وليس لديها ما تخفيه، إنها تتعامل مع الأمور بمنتهى الشفافية. والسؤال الآن: لماذا لا تقبل الدول الأخرى بالحوار؟".

يقول بنيامين بارت، مراسل صحيفة لوموند الفرنسية المخضرم، في تقرير له بالصحيفة، إن منتدى الدوحة الذي عقد في ديسمبر 2018 بالعاصمة الدوحة، عكس عودة قطر دبلوماسياً من جديد بعد أن نجحت في تجاوز الحصار الذي فرضه عليها جيرانها الخليجيون.

وقال إن النسخة الـ18 من هذا المنتدى تميّزت بحضور رفيع المستوى جعل من هذه المنصّة القطرية المخصصة لمناقشة مشاكل العالم المعاصر حدثاً بارزاً.

بالمقابل- يضيف بارت- فإن دول الحصار تعيش وسط غابة من التخبطات وفقدان الثقة الدولية بها، فالسعودية اليوم تخشى من ردة فعل قوية مع مطلع العام الجديد، ودخول الأعضاء الجدد من الأغلبية الديمقراطية لمجلس النواب، وحزمة القرارات الجديدة المنتظرة التي يتوقع أن تفرض عقوبات على السعودية وحتى على ولي عهدها محمد بن سلمان بسبب مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في مبنى قنصلية بلاده بإسطنبول، في الثاني من أكتوبر الماضي.

كذلك فقد بدأت التحقيقات الإيطالية بقضية مقتل مواطنها جوليو ريجيني في مصر تكشف المزيد عن تورط شخصيات أمنية كبيرة في مصر بتلك القضية، وربما يكون من بينها محمود، نجل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، كما أشارت بعض التقارير.

أما البحرين فيبدو أنها ليست أفضل حالاً من حلفائها، إذ تحدثت تقارير منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش، عن انتهاكات كبيرة يتعرض لها المعتقلون في سجون البحرين، وهو ذات الحال في الإمارات، التي يبدو أن سجلها الإنساني والحقوقي بدأ يأكل من رصيدها الدولي، ويؤثر حتى على علاقاتها مع دول العالم المختلفة.

ليس هذا فحسب، بل إن الاقتصاد الاماراتي وأداء بورصتي دبي وأبوظبي يتراجع، فضلاً عن الركود الكبير في سوق العقار الذي ضرب قطاع العقارات في دبي، مما دفع بالعديد من الشركات العقارية الكبرى، مثل شركة إعمار، إلى عرض العديد من عقاراتها للبيع.

ويرى مراقبون أن استمرار الأداء القطري المتصاعد على مختلف الأصعدة يمكن أن يؤهلها لتتخلص من أي تبعات قد سببها الحصار، خاصة أن دول العالم المختلفة بدأت تتفهم أكثر وأكثر طبيعة الأسباب والدوافع الحقيقية لهذا الحصار، والتي ليس من بينها ذريعة دعم قطر للإرهاب.