صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية- ترجمة منال حميد -
أكدت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن دولة قطر نجحت في تجاوز تداعيات الحصار الذي فرضته السعودية والإمارات والبحرين عليها، وتمكنت من الانتقال لمرحلة جديدة، من خلال اعتمادها على ثروتها الكبيرة في تعزيز قوتها العسكرية، وإحداث تنقلات نوعية في اقتصادها.
ونقلت الصحيفة، في تقرير لموفدها في الدوحة، بين هربرت، اليوم الأربعاء، أن قطر انتقلت لمرحة ما بعد الحصار، فعززت من قواتها العسكرية، وبنت علاقات أعمق مع جيرانها، وباتت الجزيرة- أهم قناة قطرية- تكشف المزيد من فضائح دول الحصار.
وقال موفد "نيويورك تايمز": "لست بحاجة إلى عناء كبير لمعرفة كيف نجحت قطر في التغلب على حصار الجيران، فيمكن أن تذهب إلى أقرب جمعية من جمعيات الميرة المنتشرة بها لتدرك ذلك، فهنا كل شيء إنتاج قطري، حتى الخضراوات باتت تزرع داخلها، حيث يخبرك المشرف على الجمعية أن المنتج القطري هو الطاغي على معروضاته".
وكان وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، قال في منتدى الدوحة الذي عقد قبل أيام: إن "بلادنا تجاوزت الحصار، وحققت نقلات في اقتصادها وحياتها، ورغم ذلك فإننا ما زلنا نأمل في المصالحة، لكن يبقى الحصار جرحاً عميقاً يصعب شفاؤه".
وتوضح الصحيفة في تقريرها أن قطر استفادت من ثروتها الكبيرة في تلافي تداعيات الحصار، ونجحت في إقامة شراكات تجارية جديدة، وبناء صناعات محلية، وفي بعض الأحيان إنشاء شراكات من الصفر.
وأعلنت قطر خلال هذا الشهر انسحابها من منظمة الدول المنتجة للنفط (أوبك) التي تهيمن عليها السعودية، على الرغم من أنها ما زالت عضواً في مجلس التعاون الخليجي.
وتقول الصحيفة: "لا تتوقع الدوحة كثيراً من مجلس التعاون، حيث رفض أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، حضور اجتماع القمة الخليجية الذي عقد بالسعودية هذا الشهر".
بدوره يقول أندرياس كريغ، الأستاذ المساعد في الدراسات الأمنية في كلية كينغز بلندن: إن "القطريين، حكومةً وشعباً، يريدون حل الأزمة، لكن فرص الحل تتضاءل".
ويضيف كريغ: "قطر تأمل في أن تحقق خرقاً للحصار في بعض الملفات، ومنها استعمال المجال الجوي لجيرانها، وتخفيف القيود المفروضة على الأسر التي تشتتت بسبب الأزمة".
وفي اجتماع مع محرري الصحيفة، أكد وزير الخارجية القطري أن بلاده لم تعد تنفق من احتياطاتها للتكيف مع الحصار والواقع الجديد الذي خلفه، متابعاً: "قرار الحصار كان قراراً طائشاً، لكنه دفع قطر لفتح أسواق جديدة، وتجاوزه".
المشاكل الذاتية للسعودية والإمارات منحت قطر ساقاً أخرى للحركة، كما تقول الصحيفة، فالرياض تعيش اليوم واقعاً صعباً في ظل تداعيات مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول.
كذلك، تورطت الإمارات مع الباحث البريطاني ماثيو هيدجز، الذي اعتُقل بتهمة التجسس، وحكم عليه بالسجن المؤبد قبل الإفراج عنه بعفو خاص.
وتقول الصحيفة إن هذه الأحداث دفعت وزير الخارجية القطري للقول إن العالم بدأ يشهد ما شهدته وعاشته قطر من تلك الدول خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية.
قناة الجزيرة
قناة "الجزيرة" كانت من بين المطالب التي تقدمت بها دول الحصار، حيث طالبت تلك الدول قطر بإغلاق القناة التي وقفت إلى جانب الثورات العربية، ودعمت الأحزاب والتيارات الإسلامية، ولكن هذا الطلب أيضاً رفضت قطر الاستجابة له، وفق الصحيفة.
وتنقل عن عبد الله النجار، المدير التنفيذي للقناة، إن الجزيرة تواصل عملها بشكل طبيعي، مبيناً أن دول الحصار حظرت القناة حتى على منصات التواصل الرقمية، لكنها لا تزال مشاهدة في العالم العربي وفي تلك البلدان التي حظرتها.
وبيّن النجار أن القناة تتكلم عن الحق في السلطة، وهو ما يجعل معظم حكومات الشرق الأوسط لا ترغبها.
استثمار في الجيش
الاحتياطات الأمنية القطرية دفعت بها إلى زيادة الاستثمار في الجيش، فمددت الخدمة العسكرية إلى سنة واحدة، وسمحت للنساء لأول مرة بالتطوع، وتم شراء طائرات مقاتلة حديثة من الولايات المتحدة، وبدأت بتوسيع قاعدة العديد، وهي أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، وفق "نيويورك تايمز".
وترى الصحيفة أن أبرز المشاكل التي تواجه القطريين من جراء الحصار المتواصل هو شعورهم بأنهم "تحولوا لأعداء في نظر جيرانهم الخليجيين".
ويقول حزام القحطاني، وهو طالب قانون: إن "الضرر الأكبر الذي لحق بنا من جراء الحصار هو عدم رؤية أقاربنا في تلك الدول، فجميعهم قطعوا حتى الاتصالات معنا خشية من اتهامهم بالخيانة من سلطات بلادهم، إنهم يخافون الاتصال بنا".
ويضيف القحطاني: "عمي مواطن سعودي، توفي مؤخراً في السعودية، لم أتمكن أنا وإخوتي من حضور جنازته".
ونقلت الصحيفة شكوى عن قطريين آخرين من عدم قدرتهم على الذهاب للأماكن المقدسة في مكة والمدينة المنورة، أو الذهاب إلى دبي كما كانوا يفعلون سابقاً، في حين يعاني البعض من فصله من جامعته في الإمارات.