ملفات » الخلافات القطرية الخليجية

اسمعوا كلام الحكيم... قبل فوات الأوان!

في 2018/12/24

حمد العصيدان- الراي الكويتية-

في التاسع من الشهر الجاري عقدت القمة الدورية لقادة دول مجلس التعاون الخليجي، وسط ظروف حساسة لم تخفَ على أحد، لاسيما في ملف العلاقات الخليجية - الخليجية التي وصلت إلى مرحلة مؤسفة من التصعيد السياسي والإعلامي. ولعل ما لفت في تلك القمة كلمة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد، التي شخّصت المشكلة ووضعت لها العلاج، وهي كلمة كانت جامعة مانعة، أدت إلى اقتصار كلمة ممثل عمان في القمة بالثناء على ما جاء فيها وتبنيه، إضافة إلى إشادة كل دول المجلس بمضمون الكلمة وأهدافها.
وأبرز ما جاء في كلمة سمو الأمير، ضمن المساعي لاحتواء الأزمة الخليجية، دعوته لوقف التصعيد والحملات التي رأى سموه أنها تتهدد وحدة الخليج وتماسك مجلسه، مشدداً على أهمية الاستجابة لدعوته بوقف الحملات الإعلامية، ليكون ذلك منطلقا نحو تعزيز فرص احتواء الخلاف.
وأما مناسبة تذكيرنا بالدعوة السامية، ما نراه ونتابعه من تصعيد إعلامي خطير بين الدول في صورة لا تعكس مطلقا روابط الأخوة والجوار ووحدة المصير والعقيدة، فقد بلغت الحملات الإعلامية مستوى غير مسبوق من التصعيد والحدة، تهدد باستحالة العودة إلى حالة الوفاق السابقة.
ولعل أخطر ما يمكن رصده في هذا المجال أن التصعيد الإعلامي اتخذ منحى شعبياً غير مسبوق، عندما أحدثت الأزمة شرخاً كبيراً في (الخليجي)، وأصبح الفضاء الإلكتروني يشهد حربا شعبية، أقل ما يمكن وصفها به أنها «حرب قذرة» وصلت إلى مستويات من التخلي عن القيم والأعراف ودخلت بالطعن في الأعراض، حتى ليخيل لمَنْ يتابع مواقع التواصل أن ما يجري ربما بين أمتين مختلفتين في العقيدة واللغة والسياسة،  فقد استخدمت في الحرب الإعلامية بين الأشقاء كل الأسلحة، المشروعة وغير المشروعة والأخلاقية والبعيدة عن الأخلاق، تغذيها شخصيات لها نفوذها الإلكتروني وتدفع نحو مزيد من التصعيد.
وحقيقة لا أحد يلوم شعباً على الالتفاف حول قيادته والدفاع عنها، وإظهار الولاء لها، وهذه ظاهرة محمودة وتحسب لأبناء الخليج عامة، ولكن يجب أن يتوقف الأمر عند هذا الحد، وتترك أمور الخلاف السياسية للقنوت الرسمية التي تتعامل بعقلانية وبعد نظر مع القضية، أما أن يصبح إظهار الولاء لأولي الأمر في أي دولة يتم بمهاجمة قادة الدولة الأخرى والحط من قدرهم، فهذا أمر غير مقبول ولا يمكن أن يرضى به أولو الأمر أنفسهم، فقد تابعنا الخصومة الشعبية في الأزمة الخليجية التي وصلت إلى مرحلة «الفجور» التي لا تعبر مطلقاً عن قيم المجتمع الخليجي العربي المسلم، وتبرز حجم التردي الاجتماعي الذي نعاني منه، ولا سيما لمن يقودون هذه الحرب القذرة من بعض مشاهير (السوشيال ميديا)، الذين يتابعهم مئات الآلاف من جمهور يقتدي بهم ويقتفي اثرهم، وتحدثنا في مقالنا السابق عن تأثيرهم الاجتماعي وكيف استغلوا للإثراء على حساب البسطاء والسذّج، ولكن هنا نقصد مشاهير السوشيال ميديا الذين يتعاطون السياسة، فإذا غرد تغريدة في طعن بقائد هذه الدولة أو تلك، طارت تغريدته في الآفاق وبدأ المتابعون يعيدون تغريدها ويتبنون مضمونها، حتى لو كان المضمون «منحطّاً» وفيه إساءة لأحد قادة دول المجلس، ويحدث الهجوم المضاد من الفريق الآخر، لتصبح سمعة هذا القائد أو ذلك عرضة لانتهاك في أشبع الصور، وهي ظاهرة وصلنا لها للأسف الشديد في ظل الحرب المتبادلة بين أطراف الأزمة.
 وهنا لا أعفي الإعلام الرسمي في دول مجلس التعاون من تغذية حالة الانقسام الشعبي، وتعزيز الانشقاق الاجتماعي، فهي تسهم بشكل ممنهج في الإساءة «المدروسة» التي لا يفهم مقاصدها عامة الشعب، فينطلقون في إساءات لا تقف عند حد. ولعل الجديد حاليا أن الإساءة للكويت دخلت على الخط من بعض الجهات، وكأن هناك من يريد جر الكويت بإعلامها الرسمي والشعبي إلى هذا المستنقع، ليصبح الأمر مرشحاً إلى مزيد من الأخذ والرد، ما لم يتنبه العقلاء من جميع دول المجلس لوقف هذه المهزلة، ووضع دعوة سمو الأمير بوقف التصعيد الإعلامي موضع التنفيذ، طالما أن الوقت مازال فيه متسع قبل فوات الأوان. ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد.