ملفات » الخلافات القطرية الخليجية

إزدواجية النظام القطري

في 2018/12/25

د. سالم الكتبي- الأيام البحرينية-

لماذا يهاجم النظام القطري، مجلس التعاون بهذا الضراوة في هذا التوقيت؟ المؤكد أن العبارات التي وردت في كلمتي تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر ووزير خارجيته الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، هي انعكاس واضح للإحباط وخيبة الأمل بعد نجاح القمة التي عقدها قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية مؤخراً في الرياض، وتأكيد القادة تمسكهم بالمجلس وإصرارهم على المضي قدماً في مسيرة التكامل.
غابت قطر وعزلت نفسها عن القمة الأخيرة بعدما وجهت إلى أميرها دعوة رسمية للمشاركة من جانب خادم الحرمين الشريفين، وكانت، حساباتها، كالعادة، خاطئة، وقائمة على رهانات فاشلة، حيث اعتقد النظام القطري أن غيابه سيخلق حالة من الخلاف بين القادة الخليجيين، أو على الأقل سيفرز نوعًا من التوتر الذي سيدفع باتجاه الفشل، ولكن مثل هذه الحسابات بل الأحلام لم تتحقق لسبب بسيط هو انها قائمة على خيالات القوة والوهم التي أصابت النظام القطري بجنون العظمة، فبات يتخيل أنه قادر على إحداث تغيير كبرى في الهياكل الأمنية والسياسية على الصعيدين الإقليمي والدولي!
في منتدى الدوحة الذي عقد مؤخراً، وقف وزير الخارجية القطري يخاطب الحضور قائلاً إن بلاده ما زالت تعول على الكويت وقوى إقليمية أخرى في المساعدة على حل الأزمة الخليجية وإحياء مجلس التعاون الخليجي، وأضاف «يلعب الأمير (أمير الكويت) دورًا قياديًا كبيرًا في تهدئة الموقف وهو أمر تقدره قطر بشدة. ما زلنا نعول على دور الكويت ودول المنطقة لإعادة لم الشمل».
قد يبدو للبعض أن هذا الخطاب ينطوي على قدر من العقلانية والرشادة السياسية، ولكن من يتفحص ويحلل هذا الخطاب بعناية يتوصل إلى قناعة راسخة بأن هذا النظام لا يزال يراوغ ويعاند، رغم أن أزمته تتعمق وعزلته تتزايد وتتفاقم، لذا فهو يحاول تحميل دولة الكويت الشقيقة مسؤولية رأب الصدع، وانهاء الخلاف من دون أن يقدم شيئاً للجهود الكويتية التي بذلت على هذا الصعيد، بل لا ينصاع لإرادة سمو أمير الكويت ورغبته في إيجاد تسوية تنهي الخلاف، وفي نفس اللحظة التي يزعم فيها الرهان على الجهود الكويتية نجده يهاجم وينتقد بلغة لا تليق بوزير خارجية دولة عضو في المنظومة التي ينتقدها، بل هي في حقيقة الأمر لغة مسيئة لأصحاب السمو الملوك والقادة الذين شاركوا في قمة الرياض، ومن بينهم سمو أمير الكويت، حيث قال وزير خارجية قطر إن مجلس التعاون وأمينه العام «بلا حول ولا قوة»، ورغم أن تقدير دقيق يدحض هذا الادعاء الكاذب، فإن هذه اللغة التي تخلو من الاحترام الذي يليق بحديث وزير خارجية عن قادة دول التعاون، لا تتناسب مطلقاً مع فكرة الرهان القطري على «إعادة لم الشمل»، وحديث الوزير القطري وقوله «نعتقد أننا أكثر أهمية كتكتل لهذه الدول لا كفرقاء متشرذمين»، فهل يعتقد الشيخ محمد بن عبدالرحمن أن وجود قطر سيجعل لمجلس التعاون «حول قوة» يفتقدهما في ظل غيابها؟ وهل يضيف الوجود القطري أهمية كبرى لهذا التكتل؟ الجواب أنه لا أحد عاقل يعتقد بذلك، ولكنها أوهام القوة التي تسكن العقل السياسي القطري، وتدفعه للخطأ مرة تلو الأخرى وتبعده تماماً عن رؤية الحقائق وفهم البيئة السياسية المحيطة به ومعطياتها.
الحقيقة التي غابت عن حديث وزير الخارجية القطري وردت على لسان أمير البلاد في حديثه للمنتدى ذاته، حيث أعلن تمسك بلاده بموقفها الرافض لمطالب دول المقاطعة، وقال إن موقف الدوحة لم يتغير من حل الأزمة الخليجية ومعارضتها التدخل بشؤونها الداخلية، وكأن مطالبة الدول الأربعة الداعية لمكافحة الإرهاب تتدخل في الشأن القطري وليس العكس!
يعرف الجميع أن قطر هي من تدعم تنظيمات الإرهاب وهي من توفر لأبواقه منصات إعلامية تقوم من خلالها بالتحريض ليل نهار ضد الأمن والاستقرار في هذه الدول، ومع ذلك يحاول أمير قطر لي ذراع الحقائق ويتحدث عن رفض اتدخل في شؤون بلاده! هل المطالبة بوقف التحريض تدخل في الشأن القطري؟! وهل المطالبة بعدم إيواء رموز الإرهاب وقادته تدخل في الشأن القطري؟!
يتحدث أمير قطر عن الحوار كمدخل لحل الأزمة، ولكنه ينكر ثوابت الحوار ومفاتيح نجاحه، ومن بينها المرونة والانفتاح على البدائل، وامتلاك إرادة الحل وليس التمترس وراء موقف متغطرس، فالقول بأن موقف قطر «لم يتغير قيد أنملة من حل الأزمة الخليجية» لا يتماشى مطلقاً مع القول بأن «الحوار ورفع الحصار هو الذي يكسر الهوة بين الفرقاء مهما اشتدت الخلافات»، فكيف للدول الداعية لمكافحة الإرهاب أن تنهي عزلة قطر في حين تتمسك الأخيرة بمجمل مواقفها؟! وما هو الداعي إذن لتقديم تنازلات تنهي عزلة هذا النظام الذي يتحالف مع أعداء هذه الدول ويعمل ضد مصالحها؟ ألهذا الحد يعيش النظام القطري وهم القوة وغرورها ويتصور أن هناك ما يدفع الدول الأربع لإنهاء المقاطعة من دون تحقق شروط المصالحة؟.
ثم أي مصالحة مع رأس نظام يوجه هجومًا لا يليق لدول المجلس دون أن يسميها، فأمير قطر قال في كلمته إن «النزعات الإقصائية والشمولية أنتجت أنظمة لا تعترف بحقوق الإنسان»، وقال إن «التطور التكنولوجي والفضاءات المفتوحة جعلت من الصعب تكميم الأفواه واحتكار الكلمة»، وأضاف، إن «القمع والاستبداد وازدواجية المعايير وانتهاك حقوق الإنسان تمثل تهديدا للإنسانية «، هنا من حقنا كباحثين أن نتساءل: عن أي انتهاك لحقوق الانسان يتحدث أمير قطر؟ أليس الأحرى به أن يقرأ ما يتعلق ببلده في تقارير المنظمات الحقوقية؟ ألم يأخذ بالاعتبار أن حلفائه الإيرانيين الذي شارك وزير خارجيتهم ظريف في المنتدى يمكن أن يغضبوا ويتحسسوا من هذا الكلام الذي يمس قطر ويمس إيران قبل أن يمس أي دولة أخرى احتفظ بها في عقله الباطن؟! ثم ألا يدرك أنه بذلك يثير سخرية بعض الحضور من الغربيين؟!
إنها أوهام القوة والغطرسة التي تعمي العيون والأبصار وتجعل من الصعب رؤية الحقائق وفهم ما يدور حول قطر ونظامها.