الخليج الجديد-
إن كانت أزمة حصار قطر، من قبل السعودية والإمارات والبحرين، هي المهيمنة على سطح العلاقات الخليجية، فإن 2018 شهد خلافات أخرى مأزومة بين دول الخليج، في ظل تعثر مجلس التعاون عن أداء دور حقيقي، منذ يونيو/حزيران 2017.
أزمة حدود تثيرها الإمارات مع سلطنة عمان حول مسندم، وأزمة للمنطقة المقسومة بين السعودية والكويت، تصدرت هي الأخرى أزمات الخليج، لكن بادرة أمل للتعاون بين هذه البلدان، اتضح في دعم سعودي إماراتي كويتي للبحرين في أزمتها الاقتصادية.
الأزمة الخليجية
وعلى الرغم من أن الأزمة الخليجية لم تشهد تطورا في الحل، لكن المشهد المرتبط بها، تغير داخليا وخارجيا خلال 2018.
الحصار قائم، والتصريحات المهاجمة تارة، واللينة تارة أخرى، تظهر بين حين وآخر، لكن انقلب في الأزمة السحر على الساحر، واستطاعت قطر تجاوز الأزمة، وبات أمام الرأي العام العالمي، أن الحصار جزء من سياسات التهور والانفلات لولي العهد السعودي "محمد بن سلمان".
2018، شهد اختلافا في نبرة الخطاب بشأن الأزمة على الجانبين؛ السعودي والقطري، وإن بقي على حاله لدى الإمارات والبحرين.
ففي 9 ديسمبر/كانون الأول الجاري، قال وزير الخارجية السعودي "عادل الجبير"، إن "الخلاف بين دول مجلس التعاون الخليجي أمر طبيعي قد يحدث داخل الأسرة الواحدة"، وهو الموقف الذي كرره في مؤتمر صحفي أعقب اجتماع الدورة 39 للمجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي، الذي احتضنته مدينة الرياض والتي شهدت تقديم دعوة رسمية لأمير قطر الشيخ "تميم بن حمد آل ثاني"، وحينها قال "الجبير": "الاختلاف مع الأشقاء في قطر ليس كما يصوره البعض".
جاء ذلك بعد أقل من 3 أشهر، على تبني وزير الخارجية السعودي لهجة شديدة الحدة إزاء قطر، عندما أكد، خلال ندوة نظمها مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن، أن بلاده "لا تريد أن يكون لها أي تعامل مع قطر التي تدعم الإرهاب منذ التسعينات"، على حد قوله.
ولم تكن نبرة "الجبير" الجديدة، سوى انعكاس لتراجع أبداه "بن سلمان" للمرة الأولى في مؤتمر الاستثمار السعودي (دافوس في الصحراء)، الذي عقد بالرياض بعد أيام من اغتيال الصحفي "جمال خاشقجي"، قائلا: "المملكة العربية السعودية وفي 5 سنوات قادمة ستكون مختلفة تماما، والبحرين ستكون مختلفة تماما والكويت، وحتى قطر، رغم خلافنا معها، لديها اقتصاد قوي وستكون مختلفة تماما بعد 5 سنوات".
لكن كلا من قطر والإمارات لم تبديا في المقابل، تغيرا في نبرة خطابهما إزاء الأزمة، خاصة أن الأولى تجاوزت آثار الحصار كليا، بينما لا تعاني الثانية من ذات الضغوط الدولية التي تواجهها السعودية.
الأمر نفسه، ينطبق على البحرين، التي واصلت عبر وزير خارجيتها "خالد بن أحمد آل خليفة"، هجوما هو الأعنف على قطر، في وقت ألغت الحكم بتبرئة المعارض البارز الشيخ "علي سلمان" الأمين العام لجمعية "الوفاق" المعارضة، و2 آخرين، وجددت الاتهامات الموجهة لهم بـ"إفشائهم معلومات حساسة وتلقيهم دعما ماليا من قطر".
ويعتقد المسؤولون الأمريكيون أن "أطر التسوية الخليجية لا تزال على حالها، وأن هذه التسوية، التي يطلق عليها اسم (الحل الكويتي) نسبة إلى الرؤية التي قدمتها الكويت للتسوية منذ الأيام الأولى لاندلاع الأزمة، لا تزال تتطلب الخطوات نفسها، والقاضية بضرورة وقف التراشق الإعلامي بين الجانبين"، وهو ما أكد عليه أمير الكويت الشيخ "صباح الأحمد" في قمة الرياض الخليجية.
بيد أن وزير الخارجية القطري الشيخ "محمد بن عبدالرحمن آل ثاني"، أكد قبل أسبوع، أنه لا بوادر لحل الأزمة الخليجية القائمة منذ أكثر من عام ونصف، متهما دول الحصار (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) بتعطيل النقاش.
مسندم
الخلافات بين الإمارات وسلطنة عمان، تعد قديمة حديثة، تظهر على السطح بين حين وآخر، غالبا ما تكون أبوظبي فيها سببا للتصعيد، عبر انتهاك سيادة مسقط.
2018 أبرز هذا التصعيد أكثر من مرة، عبر تشويه الخرائط العمانية، وضم أراضي تابعة لمسقط، إلى أبوظبي، خاصة ولاية مسندم الحدودية.
ففي يناير/كانون الثاني 2018، وضعت الإمارات خريطة "مشوهة" في متحف "لوفر أبوظبي"، ضمت فيها محافظة "مسندم" العمانية إلى حدودها.
وفي مارس/آذار من ذات العام، أظهر مقطع فيديو لإعلان ترويجي لشركة "الفطيم" الإماراتية، استيلاء أبوظبي على أراض عمانية.
الأمر لم يقتصر على "مسندم" فقط، بل تداول ناشطون عمانيون على مواقع التواصل الاجتماعي، في مطلع العام، صورة قالوا إنها مأخوذة من أحد كتب المنهج الإماراتي، ادعت أن حضارة "مجان" إماراتية، وليست عمانية.
وردا على الغضب العماني، شن ناشطون إماراتيون، هجوما لاذعا على السلطنة، زاعمين أن مسقط ستصبح عبئا على دول الخليج الغنية.
وبعد 3 أشهر من الحادثة الأخيرة، ضبطت الجهات الرسمية في أحد المراكز التجارية المعروفة في مسقط، بعض الدفاتر المدرسية التي طُبع على غلافها خارطة سلطنة عمان، والتي أُزيل منها محافظة مسندم، واتضح أن الدفاتر طُبعت في الإمارات.
كان أشد أنواع هذا الهجوم، ما كتبه الصحفي الإماراتي "حميد المنصوري"، حين قال إن "الحالة الاقتصادية التي تعيشها السلطنة ليست جيدة، فـ40%-60% من الناتج القومي الإجمالي لعمان يعتمد على النفط، مقللا من كفاءة العامل العماني".
وانتقد "المنصوري" المذهب "الأباضي"، واصفا إياه بـ"فرقة من الخوارج"، زاعما بأن هناك "رمادا لصراع قادم" بينه وبين المذهب السني.
وخلال العام، ومع افتتاح حاكم الشارقة "سلطان محمد القاسمي"، معرض "الشارقة الدولي للكتاب 2018"، قال المسؤول الإماراتي، إن البحار التاريخي المعروف "أحمد بن ماجد"، أصله إماراتي، وهو ما أثار غضب العمانيين.
كان آخر مظاهر الصراع، ظهر عندما غادر وزير الخارجية الإماراتي "عبدالله بن زايد"، من سفارة السلطنة، في بلاده، خلال حفلٍ اليوم الوطني لعمان، بشكل مفاجئ، ما أثار حالة من الجدل، بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعيّ.
وحينها، أرجع مغردون تصرف "بن زايد" إلى غضبه من سماع كلمات (من ظفار إلى مسندم … للكبير و للصغير).
المنطقة المقسومة
أزمة أخرى، تصدرت العلاقت الخليجية في 2018، تحت عنوان "المنطقة المقسومة"، وهي منطقة الحقول المشتركة بين الكويت والسعودية، والمتوقف العمل فيها.
وعلى الرغم من التصريحات المتبادلة من الجانبين، المعبرة عن التفاؤل من قرب التوصل إلى اتفاق، والحديث المتصاعد عن وساطة أمريكية لحل الخلاف القائم بين البلدين، لكن الأزمة لا تزال قائمة.
كانت آخر مساعي حل الخلاف، زيارة وزير النفط والكهرباء الكويتي "بخيت الرشيدي"، قبل أيام إلى السعودية، لحل الأزمة، لكن النتيجة كانت استقالة الوزير، عقب العودة.
وكشفت وكالة "بلومبرغ" الأمريكية، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن "خلافا حول طبيعة دور شركة النفط الأمريكية العملاقة شيفرون، أدّى إلى تعطيل محادثات بين السعودية والكويت".
واندلعت التوترات بشأن الحقول المشتركة بين الكويت والرياض منذ العقد الماضي، بسبب قرار سعودي بتمديد امتياز "شيفرون" في حقل "الوفرة"، حتى عام 2039 دون استشارة الكويت.
وزار ولي العهد السعودي، "محمد بن سلمان"، الكويت في سبتمبر/أيلول الماضي، لبحث استئناف إنتاج النفط من المنطقة، لكن المحادثات فشلت في تقريب البلدين أكثر من التوصل إلى اتفاق.
ويقع حقلا "الخفجي" و"الوفرة" في المنطقة المحايدة بين الكويت والسعودية، ويتراوح إنتاجهما بين 500 و600 ألف برميل نفط يوميا، مناصفة بين الدولتين.
وتشغل حقل "الوفرة" الشركة الكويتية لنفط الخليج التي تديرها الحكومة وشركة "شيفرون" نيابة عن السعودية، فيما يدار حقل "الخفجي" من قبل شركة "أرامكو" السعودية والشركة الكويتية لنفط الخليج.
مجلس التعاون
على الرغم من أن التصريحات الصادرة عن الدول جميعا، تدعو إلى وحدة مجلس التعاون، والحفاظ عليه، لكن الواقع يشير إلى جمود في أنشطة المجلس ودوره وتأثيره.
حتى أن مراقبين قالوا إن كلمة أمير الكويت الشيخ "صباح الأحمد"، في قمة الرياض، "جاءت من قلب آلام المنطقة، وطرحت بوضوح الخلاف الخليجي بصفته عملا يهدد الكيان، ويدمر كل صرح تم إنشاؤه".
هذه القمة، التي لم تناقش الأزمة الأبرز التي تواجه الكيان، وهي الأزمة الخليجية، دفعت محللين إلى اعتبار القمة والمجلس بالكامل، كأن لم تكن، وسط توقعات أن تنسحب قطر من المجلس، مثلما فعلت مع "أوبك" عندما انسحبت من المنظمة.
وأمام هذا الموقف، يظهر التباين من المجلس وفعالياته، ففي الوقت الذي تعتبره الإمارات قويا وقادرا على مواجهة التحديات، تطالب قطر من الكويت وقوى إقليمية أخرى المساعدة في إحياء المجلس من جديد.
دعم البحرين
ومع وجود هذه الخلافات، فإن تعاونا بين دول الخليج لا يزال قائما، ظهر بقوة خلال العام، في إعلان السعودية والكويت والإمارات، تقديم 10 مليارات دولار للبحرين، كتمويلات وقروض ميسرة لتمويل برنامج التوازن المالي الذي يستهدف تحقيق استقرار المالية العامة.
هذا الدعم الخليجي، دفع وكالات تصنيف ائتماني عالمية، لتقول إنه سيخفف ضغوط التمويل في الأمد القريب، وتلفت إلى أن التأخير أو عدم الوضوح في شكل الدعم المالي، سيؤثر على الجدارة الائتمانية للمملكة.
وتواجه البحرين مشكلة ديون غير مستقرة، ناجمة عن تراجع أسعار النفط مقارنة بأسعار 2014، والميزانيات الوطنية التوسعية التي ساعدت في السيطرة على السكان، الذين غالبا يظهرون السخط والاضطراب.
درع الخليج
تعاون من نوع آخر، ظهر خلال العام، بين دول الخليج، عندما شاركت جميعها ضمن 25 دولة أخرى، في مناورات "درع الخليج المشترك 1".
و"درع الخليج" كان في الأساس تمرينا تجريه القوات البحرية الملكية السعودية في مياه الخليج العربي ومضيق هرمز وبحر عمان، بشكل دوري، لكنه مؤخرا بات يضم أطرافا أخرى، وتحول اسمع إلى "درع الخليج المشترك".
والتمرين يعد الأكبر من نوعه في المنطقة، سواء من حيث عدد الدول المشاركة، أو نوعية العتاد العسكري النوعي المتطور، والتقنيات المستخدمة في التمرين التي تعد من أحدث النظم العسكرية العالمية، وحظي بمشاركة 4 دول تصنف بأنها ضمن أقوى 10 جيوش في العالم.
وحضر الحفل الختامي الذي أقيم في السعودية قادة دول الخليج، عدا أمير قطر، بسبب الأزمة الخليجية.