ملفات » الخلافات القطرية الخليجية

وسط فوضى السياسة الخارجية لترامب.. بومبيو يزور الشرق الأوسط

في 2019/01/08

لوس أنجلوس تايمز- ترجمة علي النجار -

بالنسبة للدبلوماسي الأبرز بالولايات المتحدة الأمريكية، ستكون لديه مهمة لا مثيل لها، حيث يسعي إلى بناء ائتلاف بين حلفاء أمريكا ضد إيران، بينما يدافع فى الوقت ذاته عن فك ارتباط تاريخي محتمل لواشنطن عن الشرق الأوسط.

وسيبدأ وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" ابتداء من هذا الأسبوع، فى التحول ما بين 8 بلدان على الأقل، فى غضون أسبوع، وسيشمل ذلك مصر والسعودية ومعظم دول الخليج؛ في محاولة لتصوير أمريكا كقوة تعمل من أجل الخير فى المنطقة، حسبما أكد مسؤول رفيع المستوي فى وزارة الخارجية.

وتعد رحلة "بومبيو" واحدة من بين رحلتين لمسؤولين أمريكيين رفيعي المستوي، إلي المنطقة منذ أن أعلن "ترامب" بشكل مفاجئ سحب القوات الأمريكية من سوريا فى 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي.

فمع توجه "بومبيو" إلي العواصم العربية، توجد مهمة موازيه يجريها مستشار الأمن القومي فى الإدارة الأمريكية "جون بولتون"، الذي سافر إلي (إسرائيل) وتركيا، فيما قضي "ترامب" نفسه حوالي 3 ساعات ونص بقاعدة جوية أمريكية قرب بغداد، خلال زيارة للقوات الأمريكية فى اليوم التالي لعيد الميلاد.

وأثار الانسحاب من سوريا الذي أمر به "ترامب" على عكس نصيحة مساعديه ودون تحذير حلفائه، جزع كل من (إسرائيل) وحلفاء الولايات المتحدة فى الخليج، الذين بموجب حث الولايات المتحدة الأمريكية لهم اتخذوا خطوات للتوحد فى حملة لممارسة أقصي قدر من الضغط ضد إيران.

ومن المرجح أن تؤدي خطوة سحب القوات الأمريكية من سوريا إلى تحسين موقف إيران، وتمهيد الطريق أمامها لتوسيع تأثير الميليشيات التي تدعهما، لكي تصبح على مسافة قريبة من حدود (إسرائيل).

ويتفق الخبراء الأمريكيون والأجانب، أن المستفيدين الآخرين المحتملين من الانسحاب الأمريكي هم روسيا والرئيس "بشار الأسد"، الذي كانت الإطاحة به من السلطة هدفا رئيسيا للقوات الغربية، بالإنخراط فى حرب أهلية دامت 8 أعوام فى البلاد.

وبدا أن "ترامب" يرسخ لعزمه على فك الارتباط عن المنطقة، عندما قال إن الإيرانيين يمكنهم فعل ما يريدون فى سوريا، التي وصفها بأنها بلد "الرمل والموت".

وقال منتقدون من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ومسؤولون سابقون وحاليون للرئيس الأمريكي، إن مثل هذه التعليقات تؤكد ميل "ترامب" لتقديم ادعاءات جريئة وقوية، ولكن بعد ذلك لا يظهر رغبة فى دعمها أو العمل عليها، أو القيام بالاستثمار اللازم لتحقيقها.

وقال "كولين كال" وهو خبير أمني دولي فى جامعة ستانفورد، ومسؤول سابق بإدارة الرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما"، إن "ترامب" يحاول تحقيق أهداف قصوي بحد أدنى من الاستثمار.

وأشار "كال" إلى أن "ترامب" يرغب في إبقاء إيران تحت السيطرة حتى فى الوقت الذي يقوم فيه بتقليص قوة الولايات المتحدة الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط.

وهذا الأمر يعقد مهمة "بومبيو" لشرح نوايا الولايات المتحدة الأمريكية، لحلفاء واشنطن، وطمأنتهم حول مدي التزامها بتحدي إيران.

وقال مسؤول رفيع فى وزارة الخارجية الأمريكية "إن الولايات المتحدة لن تغادر الشرق الأوسط، ووصف تلك الروايات بالكاذبة".

وذكر المسؤول -وهو واحد من العديد من الذين أحاطوا الصحفيين بمعلومات قبل رحلة بومبيو التي تبدأ الإثنين- "نحن لن نغادر إلى مكان.. سياسة الحد الأقصى من الضغط على إيران لم تتغير".

ومع ذلك فإن الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها الإدارة، وخاصة إجراءات "ترامب" تدعو إلي التشكك.

وقال "تشارلز ستيفنسون" المدير المساعد لبرنامج السياسة الخارجية فى كلية "جونز هوبكنز"  للدراسات المتقدمة: "لا أفهم كيف يمكن لأي حكومة أو زعيم أجنبي، أن يصدق أي شيء يقوله أي من مرؤوسي ترامب".

وتواكب رغبة "ترامب" فى تخليص الولايات المتحدة عن الصراعات فى الخارج، إلى جانب ازدرائها للمؤسسات متعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة والمعاهدات الدولية التي تخلى عنها، عقيدته الأوسع المتمثلة في "أمريكا أولا".

وقد نفي مسؤولو الإدارة الأمريكية مرارا وتكرار أن الشعار يعني "أمريكا وحدها"، إلا أن نفيهم كان ضروريا؛ لأن عدد  من المسؤولين الأجانب -فضلا عن النقاد المحليين- يرونه كذلك "أمريكا وحدها" على وجه التحديد.

وهذا النهج فى أشد حالاته فى الشرق الأوسط، فى الوقت الحالي، حيث ظلت السياسية الأمريكية ثابتة خلال العقود السبعة التي تلت الحرب العالمية الثانية، ليس فقط فى السعي لأن تكون بمثابة نفوذ خارجي مهيمن فى المنطقة، مع تفضيل (إسرائيل)، ولكن أيضا في نوبات متقطعة، كانت عازمة على إيجاد حل سلمي للصراع العربي الاسرائيلي، ودولة مستقلة لجيل من الفلسطينين المهجرين.

وقال "مارتن إندك" سفير أمريكا السابق لدى (إسرائيل)، وكان مبعوثا للسلام فى الشرق الأوسط عام 2013، على "توتير" بعد إعلان "ترامب" سحب القوات الأمريكية: "لقد انتهت أيام الهيمنة الأمريكية فى الشرق الأوسط.. فليرحب الجميع ببوتين وأردوغان وخامنئي".

وكان يشير إلى اولئك الذين ينظر إليهم أنه أكثر استفادة من قرار انسحاب "ترامب"، وهم الرئيس "فلاديمير بوتين"، والرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، والذي يتوق إلى مهاجمة المقاتلين الأكراد المدعومين من أمريكا بسوريا، والزعيم الإيراني "علي خامنئي".

كما أعرب آخرون ممن يدعمون العديد من سياسيات "ترامب"، ويظهرون موقفا متشددا تجاه إيران عن قلقهم من إمكانية قيام طهران بالتدخل بسهولة لملء الفراغ الذي خلفه انسحاب القوات الأمريكية بسوريا، فيما خطط "ترامب" أيضا لسحب القوات الأمريكية فى أفغانستان.

وقال "بهنام بن تاليبلو" الباحث المتخصص في الشأن الإيراني لدى مؤسسة "الدفاع عن الديمقراطيات": "خلال فترة تصاعد العزيمة الإيرانية فى الشرق الأوسط، يبدو أن الولايات المتحدة تتسل خلسة وتسحب قواتها وتغلق القنصليات وتزيل الدفاعات الصاروخية.

وأضاف أن هذا يرسل كل الرسائل الخاطئة إلي إيران، والأسوأ من ذلك أن تلك الرسائل تصل أيضا إلى شركاء الولايات المتحدة فى المنطقة، مثل (إسرائيل) ودول مجلس التعاون الخليجي.

وأشاد "تاليبلو" وغيره من المحللين بإعادة فرض الإدارة الأمريكية عقوبات اقتصادية صارمة على إيران.

ورفعت العقوبات من قبل "أوباما" كجزء من الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، وتمت إعادته فى العام الماضي، عندما انسحب "ترامب" بشكل أحادي الجانب من الاتفاق، لكن "تاليبلو" ومحللين آخرين يقولون إن العقوبات ليست كافية لالضغط على إيران.

غير أن مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية، أصروا على أن النهج المتمثل فى "ممارسة أقصي حد من الضغط"، وبالقوة الكاملة من قبل إدارة "ترامب"، لا يزال متواصل بل وكان له أثر كبير على الحكومة الإيرانية واقتصادها.

واستهدفت العقوبات الأمريكية القادة الإيرانيين وعددا من العسكريين، وأيضا الشركات الحكومية والبنك المركزي الإيراني والعديد والعديد من البلدان الأخري التي تحاول التعامل مع إيران.

وقال مسؤول بالخارجية الأمريكية "موقفنا العسكري قد يتغير لكن أهدافنا العامة تبقي كما هي".

وتعد هذه الرحلة الثانية التي يقوم "بومبيو" إلى المملكة العربية السعودية، منذ مقتل الصحفي "جمال خاشقجي"، فى 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بينما خلصت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية إلى أن عملية القتل كانت مدبرة من قبل ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" الفتي المدلل لدي الدائرة الداخلية لـ"ترامب"، هو أيضا الحاكم الفعلي للممكلة.

وخلال الرحلة الأولي إلي الرياض، بعد أسبوعين من مقتل "خاشقجي"، أظهرت صورإخبارية "بومبيو" وهو يضحك ويصافح ولي العهد دون أي ينطق بأي كلمة إدانة، ومنذ ذلك الحين ورغم الكثير من النقد الخارجي، أشار "ترامب" و"بومبيو" إلي أنهما قبلا التوضيحات الرسمية السعودية بأن ولي العهد لم يشارك بهذا القتل البشع.

وقال المسؤول بالخارجية الأمريكية: "لا أعتقد من وجهة نظرنا أن الرواية التي يقدمها السعوديون أو العملية القضائية قد وصلت إلى مستوى المصداقية وتحقيق المساءلة".

وبغض النظر عن ذلك، فإن احترام "ترامب" لولي العهد السعودي، وكذلك قراره بمغادرة قواته لسوريا، كان لهما تأثير فى تعزيز وضع حكام مستبدين فى المنطقة كما يقول المحللون.

فقد عزز ولي العهد -المنبوذ فى كثير من أنحاء العالم بعد مقتل "خاشقجي"- سلطته، أيضا هناك "بشار الأسد" الذي كان يعاني منذ فترة غير بعيدة، من زوال حكمه، كسب حربه بمساعدة من روسيا، ويتم الترحيب به الآن فى المحيط العربي.

وهناك أيضا الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" المنتهك الوحشي لحقوق الإنسان، حيث يحظي أيضا بالنعم الجيدة، من قبل "ترامب" الذي أظهر قدرا كبيرا من الانجذاب إلى أولئك الحكام الذين لا تمثل الديمقراطية بالضرورة أي أولوية قصوي لهم .

وفى محطته الثانية، قال مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية إن "بومبيو" سيلتقي "السيسي" فى القاهرة "لتعزيز واحدة من أطول شراكتنا وأعمقها وأوسعها".