الخليج أونلاين-
تكتسب الجولة الثانية من الحوار الاستراتيجي القطري - الأمريكي أهمية كبيرة في العلاقات بين البلدين، خاصة في وقت تجاوزت فيه قطر آثار الحصار المفروض عليها منذ صيف عام 2017، ووصول الجهود الكويتية-الأمريكية لحل الأزمة إلى طريق شبه مسدود.
قطر والولايات المتحدة أكدتا في الجولة الثانية من الحوار الاستراتيجي بالدوحة، الأحد 13 يناير 2019، ضرورة تعزيزهما مسارات العلاقات الثنائية، والشراكة في مجال محاربة الإرهاب، والتنسيق السياسي في مختلف القضايا.
وقال الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وزير الخارجية القطري: "إن الدورة الثانية للحوار الاستراتيجي القطري - الأمريكي فرصة لاستكمال ما تم إنجازه بين البلدين"، مؤكداً أن الاتفاقيات ومذكرات التفاهم مع أمريكا تعزز مسار العلاقات في السنوات القادمة"، وأن "التعاون العسكري القطري-الأمريكي إحدى الركائز الأساسية لعلاقات الدولتين".
وأوضح وزير الخارجية القطري أن "هناك جهوداً قطرية - أمريكية مشتركة لدعم عملية السلام بالشرق الأوسط والوساطة بين الفرقاء في أفغانستان".
وتتبادل قطر مع أمريكا وجهات النظر بشأن الأزمات الراهنة بالمنطقة والأوضاع في سوريا والعراق ومكافحة الإرهاب، بحسب الوزير القطري، الذي أكد تمسك بلاده بمواصلة الحوار بما يحقق الأهداف والمصالح القطرية الأمريكية.
من جهته أكد وزير الخارجية الأمريكي بومبيو، أن قطر وأمريكا شركاء في معالجة القضايا الإقليمية، وأن العلاقات التجارية ومحاربة الإرهاب بين البلدين تستمر في الازدهار.
- عام مثمر
الشراكة بين الدوحة وواشنطن اتسعت خلال عام تبع الحوار الاستراتيجي، لتشمل التكاتف في مواجهة أي عدوان خارجي على قطر، حيث اتفق البلدان على العمل المشترك لحماية الدوحة من التهديدات الخارجية، وهو ما ينسف طموحات دول حصار قطر بالتفكير في التصعيد عسكرياً ضد جارتهم، حيث كُشف تخطيطها لذلك عقب بدء الأزمة.
وفي خطوة تعكس متانة واستراتيجية العلاقات بينهما، كانت أبرز اتفاقيات الحوار الاستراتيجي الجديدة، تلك التي تتعلق بتوسيع قاعدة العديد الجوية، والتي تعتبر من أكبر القواعد الأمريكية في منطقة الخليج، إضافة إلى توقيع اتفاقيات أخرى تتعلق بالشؤون الثقافية والتعليمية وتبادل الخبرات.
تضاف هذه الاتفاقيات إلى ما وقّعه البلدان في يناير من العام الماضي، والتي كانت ثلاث مذكرات تفاهُم؛ الأولى لترسيخ الحوار، ووثيقة مشتركة للتعاون الأمني، ومذكرة تفاهم لمكافحة الاتجار في البشر، وذلك ضمن الحوار الاستراتيجي بين البلدين، المنعقد في واشنطن.
وتشير وثيقة التعاون بوضوح إلى أن الولايات المتحدة ستكون مجبَرة على تفعيل "عقيدة كارتر" للدفاع عن قطر في حال تعرُّضها لأي خطر عسكري خارجي، كما فعلت عند غزو الكويت عام 1990 لتحريرها وحماية الحدود السعودية.
و"عقيدة كارتر" هي سياسة أمريكية أعلنها الرئيس الأمريكي السابق، جيمي كارتر، خلال خطاب حالة الاتحاد السنوي في 23 يناير 1980، وتنص على السماح للولايات المتحدة باستخدام القوة العسكرية للدفاع عن مصالحها في منطقة الخليج العربي.
كانت العقيدة رداً على غزو الاتحاد السوفييتي لأفغانستان في عام 1979؛ إذ ذكر كارتر أن القوات السوفييتية في أفغانستان "تشكل تهديداً خطيراً لحرية حركة نفط الشرق الأوسط".
- صديق رائع
وشهد البلدان، خلال عام منذ توقيع الاتفاقية، تطورات ملحوظة في العلاقات بينهما؛ كان أبرزها لقاء هام بين أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في أبريل الماضي، أثنى خلالها ترامب على أمير دولة قطر قائلاً: "الأمير صديق رائع لي، ونعمل بشكل جيد، والأمور تسير بشكل ممتاز مع قطر".
من جانبه قال الشيخ تميم حينها: إن "العلاقات مع أمريكا تعود إلى أكثر من 40 عاماً وشراكتنا الاقتصادية تبلغ أكثر من 125 ملياراً، وهدفنا مضاعفة هذا الرقم خلال السنوات القادمة، وتعاوننا العسكري قوي".
وعقب هذا اللقاء بثلاثة أشهر أُعلِن رسمياً تطوير قاعدة العديد الأمريكية الاستراتيجية بالخليج.
وقال وزير الدفاع القطري خالد العطية، في مقابلة مع صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية في يوليو الماضي، إن بلاده "ستنفق 1.8 مليار دولار لتطوير قاعدة العديد، التي تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية في عملياتها العسكرية لمكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط، ونأمل في نهاية المطاف أن تعلن واشنطن قاعدة العديد منشأة أمريكية دائمة".
كما تعتبر قطر أحد العملاء الرئيسين لصناعة الدفاع الأمريكية؛ إذ اشترت في العام الماضي طائرات إف 15 بقيمة 12 مليار دولار.
وقال العطية حينها: "لقد اشترينا الكثير من المعدات العسكرية من الولايات المتحدة. لذلك يمكننا الطيران جنباً إلى جنب مع شركائنا".
وقاعدة العديد هي إحدى أهم ركائز العلاقات بين الولايات المتحدة وقطر، التي تضم عشرات الطائرات، من بينها طائرات مقاتلة وقاذفات وطائرات استطلاع.
وتوسعت العلاقات العسكرية الأمريكية مع قطر بسرعة في التسعينيات، حيث بنى الجانب القطري "العديد" وشجع الولايات المتحدة على استخدامها.
ونقل البنتاغون مركز عملياته الجوية إلى هناك من المملكة العربية السعودية في عام 2003، وينظر إلى تعاون قطر مع أمريكا والسماح لها باستخدامها كقاعدة انطلاق على أنه أمر ذو أهمية خاصة.
وخلال الملتقى الثاني للعلاقات أشاد بومبيو باستضافة الدوحة لقاعدة العديد، ولدورها في محاربة تنظيم "داعش"، مضيفاً: "قطر صديق عظيم للولايات المتحدة، ونحن نقدر ذلك".
- حليف موثوق
ولا تزال الأزمة الخليجية تلقي بظلالها على أي خطوة أمنية استراتيجية في الخليج، خاصة مع تعنت دول الحصار الثلاثة (السعودية - الإمارات - البحرين)، وهو ما أفضى إلى استقالة المبعوث الأمريكي الخاص لحل الأزمة، أنتوني زيني، قبل أيام، من منصبه، وهو ما يقلق واشنطن.
بومبيو خلال الجولة الثانية من الحوار الاستراتيجي أشار إلى أن استقالة زيني لا تشكل أي تغيير في سياسة الولايات المتحدة إزاء الأزمة الخليجية ومساعي حلها، لكنه سبق أن انتقد في بيان له، يوم 12 يناير، عقب مغادرته الإمارات، استمرارها وتأثيرها على جهود التصدي لطهران في المنطقة.
كما شدد بومبيو خلال الملتقى على ضرورة وحدة مجلس التعاون الخليجي في الأيام القادمة لمواجهة إيران، وذلك تأكيداً لما قاله في بيان 12 يناير.
فالأزمة لم يكن تأثيرها فقط على تدمير الوحدة الخليجية، بل امتدت لتطال المصالح الأمريكية، خاصة رغبة الرئيس ترامب في إنشاء "ناتو عربي"، أو ما أطلق عليه "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي"، الذي يضم الدول الخليجية والأردن ومصر لمحاربة الإرهاب وإيران.
إذ قال زيني صراحة، في أول تصريح عقب استقالته، إنه لم يعد لطرح المشروع أي معنى في ظل استمرار الأزمة، وهو الذي سبق أن وصفه متحدث باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض، في أغسطس الماضي، بأنه "سيشكل حصناً في مواجهة العدوان والإرهاب والتطرف الإيراني، وسوف يرسي السلام بالشرق الأوسط"، كما كانت الإدارة الأمريكية تنوي إعلانه في أكتوبر الماضي.
ويبدو أن بومبيو يسعى خلال جولته هذه على إقناع أطراف الأزمة إلى الذهاب لمؤتمر بولندا، في فبراير المقبل، الذي سيضع أسساً استراتيجية لمواجهة طهران، ومعه حدٌّ أدنى من "الوحدة الخليجية" التي تضمن أنها لن تعرقل الجهود الأمريكية.
وتشير التحركات والتصريحات القادمة من واشنطن إلى قوة الحضور القطري في خارطة العمل الأمريكية كحليف استراتيجي موثوق، فواشنطن ومنذ الأيام الأولى للأزمة اعتبرتها صراحة "تؤثر على الحرب على الإرهاب".
كما تجلى رهان الدوحة على علاقات متينة مع الولايات المتحدة عندما منعت الأخيرة عملاً عسكرياً عدائياً سعودياً - إماراتياً مشتركاً ضدها، وهو ما أكده أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالبيت الأبيض، في سبتمبر 2017، عندما قال: "المهم أننا أوقفنا عملاً عسكرياً".
كلام أمير الكويت أكدته لاحقاً صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، في يناير 2018 وصحيفة "فورين بوليسي"، في نوفمبر 2018، حيث كشفتا عن تحذير شخصي وجَّهه وزير الخارجية الأمريكي السابق، ريكس تيلرسون، إلى الإمارات والسعودية، من مغبة القيام بأي عمل عسكري ضد قطر، على خلفية الأزمة، وهو ما كرره لاحقاً ترامب في اتصال مع القادة السعوديين.