ملفات » الخلافات القطرية الخليجية

بعد 600 يوم.. ماذا كسبت قطر من الحصار؟

في 2019/01/25

الخليج أونلاين-

منذ اليوم الأول لفرض الدول الأربع (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) حصاراً برياً وجوياً وبحرياً على قطر، في يونيو 2017؛ بزعم "دعمها للإرهاب"، لم تقدّم تلك الدول دليلاً واحداً للعالم يؤكد مزاعمها، رغم مرور 600 يوم على الحصار، في حين تواصل رفض الجلوس على طاولة الحوار لإنهاء الأزمة المفتعلة.

وعملت دول حصار قطر منذ بدء الأزمة على حشد عدد من الدول لضمّها إلى موقفها من الدوحة في الأيام الأولى؛ لإعطائه صبغة أكثر دولية، ولكن سرعان ما تراجعت تلك الدول واتخذت موقفاً مخالفاً وضع دول الحصار بحالة إحراج أمام العالم.

كما لم تحقّق السعودية والإمارات والبحرين ومصر أياً من أهدافها خلال الأيام الأولى للحصار، إذ سخّرت وسائلها الإعلامية المختلفة لإظهار وجود أزمة اقتصادية ونقص شديد بالأغذية، وخاصة الحليب والألبان، في الأسواق القطرية، وهو ما عوّضته الدوحة بإيجاد بدائل تجارية.

واستخدمت الوسائل الإعلامية المختلفة أسلوب التضليل واختلاق الروايات غير الدقيقة عن آثار الحصار المتوقّعة على دولة قطر ومواطنيها، إضافة إلى تلفيق تهم "الإرهاب" ودعم جماعات مسلّحة، دون قرائن يراها الناس.

وداخل الأراضي القطرية كان الأمر مختلفاً؛ إذ سيطرت الدولة على الحالة السياسية والاقتصادية، ووفّرت جميع السلع الأساسية لمواطنيها والوافدين، وواجهت حالة التضليل المتواصلة من قبل إعلام دول الحصار.

وطوال أيام الحصار الـ600، عزّزت قطر رسالة واحدة لدول الحصار وللعالم؛ بأنها ملتزمة بالحل عبر الحوار وإنهاء الأزمة، مع ضمان سيادتها واستقلاليّتها، ورفض أي إملاءات عليها من قبل أي جهة، وعدم التدخّل في شؤونها.

وعلى الجهة الأخرى كانت دول الحصار تواجه أسئلة العالم حول مدى مصداقية التهم التي وجّهتها لقطر، وتقديم أدلة على مزاعمها حول دعمها "للإرهاب"، ولكنها لم تقنع العالم، أو حتى عدداً من حلفائها، بصحّة ما قالته.

ورغم ذلك كانت دولة قطر منفتحة على جميع المبادرات التي تُقدَّم من أجل حل الأزمة، وخاصة الكويتية منها، إلا أن دول الحصار واصلت تعنّتها، ورفضت الجلوس للحل وإنهاء الحصار المفروض.

ولم ترفض قطر أي مبادرة لحل الأزمة، وكانت آخر تصريحات لوزير خارجيتها ونائب رئيس الوزراء، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني؛ إذ أكّد أن الدوحة خَطَت منذ بداية الحصار إلى الأمام في محاولة لحل الأزمة الخليجية، لكن الدول المحاصِرة أبت حتى الجلوس للتحاور.

وقال آل ثاني خلال حديثه لـشبكة بلومبيرغ الأمريكية، الخميس (25 يناير): إن "الأزمة الخليجية تراوح مكانها، ولم تحدث أي خطوة أو تحرّك منذ قمّة دول مجلس التعاون الخليجي، والتي كان من المتوقّع أن تُحدث بعض الانفراج".

انتصار على المحاصِرين

وكالة "بلومبيرغ" أفادت، الأسبوع الماضي، بأن قطر تفوّقت على نظيراتها من دول الخليج على صعيد أداء أسواقها المالية، رغم ظروف الحصار، في حين دفعت الدول التي انحازت إلى موقف السعودية ثمن تعثّر سياسات الرياض الاقتصادية والاستراتيجية والعسكرية.

وفقاً للوكالة، فإنه على الرغم من الحصار المفروض على قطر، منذ الخامس من يونيو 2017، فإنّ أصولها المالية كانت الأفضل أداء في العام 2018، مقارنة بباقي دول الخليج الأخرى.

"بلومبيرغ" أشارت إلى أن قطر استطاعت تعويض آثار الحصار؛ حيث تراجعت مخاطر الائتمان، وأقبل المستثمرون الأجانب على الأسهم القطرية بوتيرة هي الأسرع منذ 2016 على الأقل.

بيانات "بلومبيرغ" أظهرت أن بورصة قطر استطاعت جذب مليارين و470 مليون دولار من الاستثمارات الخارجية، مقابل 794 مليوناً للسعودية، و506 ملايين لأبوظبي فقط، في حين شهدت دبي خروج 245 مليوناً.

البيانات أظهرت أن مؤشر بورصة قطر كان الأفضل أداء؛ حيث صعد بـنسبة 21% خلال العام 2018 الماضي، مقابل 9.5% لبورصة أبوظبي، و7% للبورصة السعودية، في حين تهاوى مؤشر سوق دبي المالي بأكثر من 25%.

الاكتفاء الذاتي

داخلياً عملت قطر على تنويع مصادر غذائها، واعتمدت بشكل أساسي على منتجاتها الوطنية كمصدر دائم لسكانها؛ فشهد الإنتاج الزراعي والحيواني قفزات كبيرة منذ الأيام الأولى وحتى 600 يوم من الحصار، وتضاعف الإنتاج ثلاثة أضعاف.

وعملت قطر على إعادة تأهيل واستصلاح كثير من المزارع وتحويلها إلى مزارع مُنتجة، حيث تجاوز عدد المزارع المُنتجة أكثر من 500 مزرعة، في حين تضاعف إنتاج الألبان أكثر من 300%، وفق إحصائيات رسمية.

بدوره أكد الشيخ عبد الباري بن عبد الله بن خالد آل ثاني، مدير مشروع مزارع الشمال لإنتاج الدواجن في قطر، أن مشاريع الأمن الغذائي تسير على الطريق الصحيح لتحقيق الاكتفاء الذاتي، خلال عامين، في ظل الدعم اللامحدود الذي تقدّمه القيادة لمشاريع الأمن الغذائي.

وقال في حديث سابق لصحيفة "الراية" القطرية: "الحصار علّمنا الاعتماد على أنفسنا دون الحاجة إلى الآخرين في إنتاج غذائنا، وهذا ما عملت عليه الدولة بخطوات ثابتة وواثقة طيلة الفترة الماضية، خاصة أن قطاع الدواجن أحد ركائز منظومة الأمن الغذائي".

واستطرد آل ثاني بالقول: "قطر تستحق من الجميع بذل المزيد من الجهد والعمل لزيادة الإنتاج لتحقيق الاكتفاء الذاتي في كافة القطاعات الغذائية الحيوية والاستراتيجية، خاصة في مجالات الزراعة والثروة الحيوانية والألبان".

تعايش تحت الحصار

بدوره يقول الكاتب الأمريكي دومنيك دادلي: "إنه رغم عدم وجود مؤشرات على تخفيف دول الحصار من عدائها للدوحة، فإن قطر -وباتفاق الجميع- تمكّنت من التعايش بشكل طبيعي تحت الحصار الإقليمي".

ويبيّن الكاتب، في مقال سابق له نُشر في مجلة "فوربس" الأمريكية، أن هناك مزيداً من الضغوط من قبل رباعي الحصار على قطر لتبرير سياستها في عزل قطر، أو إجبارها على الاستسلام.

ويوضح دادلي أنه رغم تأثير الحصار على بعض القطاعات؛ مثل الخطوط الجوية القطرية، التي مُنعت من المرور عبر 18 ممراً جوياً فوق الإمارات، والسعودية، والبحرين، ومصر، فإن قطاعات أخرى في الاقتصاد القطري تحسّنت بشكل كبير، بحسب شهادات من صندوق النقد الدولي.

ويشير إلى أن قطر سارعت عقب الأزمة إلى فتح خطوط تجارية جديدة مع عُمان، وتركيا، وإيران، كما تكيّف النظام المصرفي أيضاً مع الحصار؛ عبر رفع الودائع الحكومية لديه.

ويُذكر أن النزاع الخليجي دفع السلطات القطرية لإجراء إصلاحات مفيدة لم تكن لتفعلها لولاه؛ مثل تخفيف القيود على التأشيرات لتشجيع مزيد من الزائرين، وتنويع شركائها التجاريين، إضافة إلى أن صندوق النقد أوضح، في مارس الماضي، أن النزاع الدبلوماسي عمل كمحفّز لقطر لتعزيز إنتاج الغذاء محلياً وخفض الاعتماد على مجموعة صغيرة من الدول.

ونقل الكاتب عن عدة خبراء قولهم إن دولة قطر تكيّفت مع ما كان يمكن أن يكون أزمة مُضعِفة لها.

ويرى أليستير ويلسون، المدير الإداري لوكالة تصنيف "موديز"، أن الاقتصاد القطري شهد مرونة، ما خفّف كثيراً من وقع الحصار، على عكس ما كان يعتقد.