احمد شوقي- راصد الخليج-
تطورات الاحداث والتحالفات والتوازنات تدفعنا دفعا للحديث عن أمن الخليج مجددا، وما نراه من انكشاف استراتيجي يلوح في الافق وتداعيات ذلك المتمثلة في التحالف الصريح مع العدو الاسرائيلي، والاندفاع نحو التطبيع معه يستدعي القاء الضوء على خطورة هذه الخطوات، ولا سيما انها متزامنة مع مخاطر اخرى متمثلة فيما يجري من اهدار للأمن عبر الجبهات الرئيسية والتي تشكل مفاتيح امن الخليج والامن القومي العربي ككل، في اليمن وسوريا والعراق.
وهنا لا بد من التذكير ببعض الجوانب لمفهوم الامن وكيف تحدث انقلابات مأساوية بها:
من التعريفات الهامة والمرجعية للأمن القومي، والتي شكلت اسسا لمجالس الامن القومي الدولية، التعريف الذي طرحه والتر ليبمان عن الأمن القومي بأنه ( قدرة الدولة على تحقيق أمنها بحيث لا تضطر إلى التضحية بمصالحها المشروعة لتفادي الحرب، والقدرة على حماية تلك المصالح إذا ما اضطرت عن طريق الحرب).
وتتعدد مفاهيم ومجالات الامن القومي، ولا تقتصر على التسليح، فهناك اتفاق بين خبراء الأمن القومي ان اختزال مفهوم الامن في تكديس السلاح، هو رؤية ضيقة.
والأكثر من ذلك، وفقا للخبراء، فإن مثل تلك الرؤية قد تجعل المرء يعتقد بأن أفضل طريق لزيادة الأمن هو زيادة القوة العسكرية، وعلى الرغم من أن القوة العسكرية هي مكون مهم جداً في الأمن، فإنها تُعد جانباً واحداً من جوانب الأمن، والتاريخ ملئ بأمثلة لسباقات تسلح تسببت في إضعاف الأمن وليس في تقويته.
وفي الجانب العسكري، فما حدث خليجيا، هو تكديس لترسانة اسلحة وصفقات ابرم معظمها كعلاقات عامة وترضية للغرب لضمان المساندة الدولية والصمت عن الانتهاكات الحقوقية والسياسية وانتهاك القانون الدولي (اليمن نموذجا).
والاهانات التي وجهها ترامب للسعودية والمتمثلة في تصريحاته المتكررة عن عدم استطاعة السعودية حماية نفسها وعرشها، خير دليل على فشل تكديس الاسلحة دون اعتماد استراتيجية للأمن تكفل الاستقلالية في ادارة الأمور الفنية والتقنية، ووجود عقيدة قتالية راسخة ووطنية.
كما ان هناك اتفاق على ان الامن القومي له عناصر متعددة منها ما هو جيوبولوتيكي يتعلق بالموقع والمحيط وما به من تجاذبات ، ومنها ما هو ديموغرافي يتعلق بالسكان وتركيبتهم وتوزيعهم الجغرافي وفئاتهم العمرية، ومنها ما هو سياسي واقتصادي وعسكري الخ.
والملاحظ ان سياسات الخليج وممارساته، والتي تمثلت في مجلس التعاون الخليجي والذي في طريقه الواضح للتفكك والاستبدال بعلاقات ثنائية او ثلاثية، كان يركز على الجانب العسكري وبالطريقة الخاطئة المشار اليها، والاقتصادي بشكل خاطئ ايضا يعتمد على مفهوم النمو بدلا من التنمية، وعلى احصاءات الناتج المحلي بدلا من الناتج القومي، وهي فروق يعرفها الاقتصاديون جيدا، وملخصها هو الاعتماد على تنمية مستقلة انتاجية تنعكس عائداتها على المواطن، وليس مجرد ريع ورفاه مؤقت يمكن افتقاده عند زوال مصدر الريع، لانعدام وجود بنية اقتصادية انتاجية تنظم وتقوم بتأمين علاقات الانتاج وتوزيع المكاسب.
كما غفلت دول الخليج العامل الجيوبولوتيكي وتلاقي مصالحها مع الجوار، بل استحدثت سياسات عدائية تخدم القوى الطامعة في ثروات الخليج، واصرت على اتفاقيات حماية من اعداء وهميين عملت على ابتزاز الخليج وثرواته.
فبينما دول الجوار هي امتداد طبيعي يمكن التكامل الاقتصادي والثقافي والحضاري، بل والحماية والامن المشترك معه، نجد حربا مع اليمن وتعريض امنه وامن المضائق الاستراتيجية ومداخل البحر الاحمر للخطر والاحتلال من قبل القوى الكبرى الطامعة والتي تحمل فغي حقائبها امن العدو الاسرائيلي، والتي تستغل سيطرتها وتوظفها لمزيد من الابتزاز.
كما غفلت دول الخليج عن العامل الديموجرافي ولم تحقق التنمية البشرية المطلوبة، كما اهملت الجانب السياسي، ولم توفر شروط التماسك السياسي الداخلي ولم تقنع الشعوب بديناميكيات السياسة وكفاءة القيادة، اعتمادا على مسكنات وضعت للكتلة الحرجة من السكان مفادها بعض الرفاه في المعيشة، وهو ما في طريقه للتراجع، حيث يتوقع ان يتناقص هذا الرفاه لتلتحق قطاعات شعبية تمتعت به مع القطاعات الفقيرة لتتحول اتجاهات الكتلة الحركة باتجاه عكسي تجاه الانظمة الحاكمة.
كما اهمل الخليج ابجديات الامن القومي العربي ومفهوم بواباته الشرقية والغربية، فنرى دولا خليجية سعت بكل جهدها ومالها في الحاق الضرر ومحاولة اسقاط الانظمة في سوريا، ونشر الارهاب في العراق، وغربا نرى توترات للعلاقات مع المغرب، فأي طريق يسير فيه الخليج؟
كل ما سبق يمكن ان يندرج تحت عنوان الاخطاء التي يمكن تداركها، ولكن الجديد الخطير والمستحدث، هو التحالف مع العدو الاسرائيلي، وعمل انقلاب مفهومي للامن القومي بتحالف مع العدو.
وهو وان كان جريمة اخلاقية وقيمية، فإنه من منظور الامن القومي، ايضا جريمة وانتحار امني.
فالصراع مع العدو الاسرائيلي، صراع وجودي، وفلسفة قيام دولة الكيان من الاساس تتناقض مع فلسفة الامن العربي بما فيه الخليجي، والعدو الاسرائيلي هو مهدد لكل عناصر الامن القومي مجتمعة، سواء جيوبولوتيكيا، او ديموغرافيا او سياسيا واقتصاديا وعسكريا.ونزع الخليج من هويته مع وجوده الراسخ في موقعه وامته هو بمثابة تحويل الخليج لكيان مشابه للكيان الاسرائيلي، حيث الهوية المتناقضة مع الموقع والمحيط.
هل ترضى شعوب الخليج بهذه العزلة وهذا التحول التاريخي الذي يقود اليه بعض الامراء الطامحين للسلطة، وسط ردود افعال ضعيفة وسلبية من بقية الدول الخليجية ووسط صمت شعبي غير لائق؟
لابد من موقف شعبي وموقف سياسي لبعض النخب انقاذا لما تبقى من امن الخليج.