ثيودور كاراسيك - إنسايد أرابيا-
تنتج المملكة العربية السعودية والكويت -اللتان تقعان في المرتبة الثانية والعاشرة بين أكبر البلدان المنتجة للنفط في العالم على الترتيب- نحو 15 مليون برميل يوميا معا. لكن على الرغم من الرقم المثير للإعجاب، إلا أن هذا الرقم كان من الممكن أن يكون أعلى إذا توصلت الدولتان العضوتان في مجلس التعاون الخليجي إلى اتفاق حول استغلال المنطقة المحايدة، التي تقع على الحدود الجنوبية للكويت مع السعودية، حيث يمكنها إنتاج ما يصل إلى 500 ألف برميل يوميا. وبالنظر إلى القرب التاريخي بين السعودية والكويت، من اللافت للنظر أن الدولتين الخليجيتين لم يستطيعا إعادة تشغيل الإنتاج في حقولهما النفطية المشتركة منذ توقف الإنتاج عام 2015 بسبب "الخلاف" على امتياز الطاقة الذي منحته السعودية لشركة "شيفرون".
ويبدو أن الكويت غير راغبة في تقديم تنازلات، وهو ما قد يكون مؤشرا لطموح الكويت على أن تكون جهة أكثر استقلالا في المنطقة. وكدولة صغيرة نسبيا محاطة بالعملاقين الإقليميين، إيران والسعودية، وبعد المعاناة من وطأة الاحتلال العراقي في عامي 1990 و1991، كانت الكويت، والأمير الحالي "صباح الأحمد الجابر الصباح" على وجه الخصوص، تمارس حماية شديدة لسيادة الإمارة واستقلالها. وبالنظر إلى أهمية السيادة الكويتية، يمكن للمرء أن يتخيل الانزعاج عندما اكتشفت الكويت عام 2007 أن الأرض التي خططت لبناء مصفاة نفط بها قد تم منحها بالفعل لـ"شيفرون" من قبل السعوديين.
لذلك، لا ينبغي أن يكون من المفاجئ أن تشعر الكويت بالغضب عندما قررت السعودية، من جانب واحد، تجديد امتياز شركة "شيفرون" للعمل في حقل نفط "الوفرة" المشترك عام 2009. ومن غير المفاجئ كذلك أن الكويت بدأت في جعل الحياة صعبة على "شيفرون"، لدرجة أن التشغيل في "الوفرة" أصبح شبه مستحيل. وعلى الرغم من أن الكويت تحججت بالصيانة كسبب لإغلاق حقل النفط في مايو/أيار 2015، يزعم البعض أنه كان في الواقع بسبب عجز شركة "شيفرون" عن الحصول على الإمدادات والتصاريح المناسبة من الحكومة الكويتية. وقد تم إغلاق حقل النفط البحري المشترك في المنطقة، "الخفجي"، من قبل السعوديين قبل عام حيث زعموا أن العمليات هناك لا تلتزم بالمعايير البيئية.
وقد تم استئناف النقاش حول قضية المنطقة المحايدة، في نهاية سبتمبر/أيلول 2018. بدافع من الحصار القادم على إيران وتأُيره المحتمل المتمثل في تقليل تدفق النفط إلى السوق، حيث حثت الولايات المتحدة أعضاء أوبك على زيادة إنتاجهم من النفط، من أجل منع حدوث ارتفاع كبير في الأسعار. وعلى الرغم من أن الكويت لم تكن راغبة في الاستجابة لدعوة "دونالد ترامب" بزيادة إنتاجها النفطي، إلا أنها واجهت صعوبات في تجاهل ذلك. وبالنظر إلى أن معظم حقول النفط في الكويت تعمل بالفعل بقدرة قصوى أو أقل قليلا، كانت الطريقة الوحيدة التي تمكنها من زيادة إنتاجها اليومي بشكل ملحوظ هي أن تعيد فتح حقول النفط المشتركة مع السعودية. ورغم أن المفاوضات بشأن استئناف الإنتاج قد تعثرت لأعوام، إلا أن كلا البلدين بدا متفائلا، حيث كان وزير الطاقة الكويتي يتطلع إلى إعادة فتح الحقول في أوائل عام 2019.
وفي سبتمبر/أيلول 2018، ظهرت فرصة فريدة. فقد كان ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" بصدد زيارة إلى الكويت في ما كان من المفترض أن يكون مظهرا على العلاقات الأخوية بين البلدين، وأساسا لمزيد من التعاون. ومع ذلك، لم تكن الزيارة كما هو متوقع. فعلى الرغم من أن وسائل الإعلام التي تقودها الدولة، في كلا البلدين، قد سارعت إلى الإعلان عن النجاحات الكبيرة التي تحققت أثناء زيارة ولي العهد، إلا أن التقارير سرعان ما أظهرت أن الاجتماع بين "بن سلمان" والأمير "الصباح" لم يكن ناجحا.
أولا، في حين كان من المقرر أن تستغرق الرحلة عدة أيام، بقي "بن سلمان" في الكويت لبضع ساعات فقط. ثانيا، تزعم بعض المصادر أنه عندما طرح "بن سلمان" قضية حقول النفط المشتركة، سارع الكويتيون إلى توضيح أن أي صفقة لن تشمل السماح لشركة "شيفرون" العاملة في الكويت بموجب شروط سعودية. وبطبيعة الحال، كان هذا غير مقبول للسعوديين. كما كشفت الزيارة عن وجود المزيد من التوترات بين البلدين، من بينها إحجام الكويتيين عن المشاركة بشكل كبير في نزاع اليمن، وجهود الإمارة المتواصلة في الوساطة بين قطر من جهة والسعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة من جهة أخرى.
وعلى الرغم من أن "بن سلمان" قد زعم أن الوضع سوف يتم حله قريبا، إلا أن التفاؤل الذي أحاط بإعادة فتح حقل النفط قد اختفى، مثل اختفاء الثلج تحت شمس الكويت الحارة. وأصبح احتمال استئناف الإنتاج "ميتا" بعد أسبوعين فقط من ولادته. وفي ديسمبر/كانون الأول 2018، سافر وزير النفط الكويتي، والمدير التنفيذي لشركة البترول الكويتية، إلى المملكة العربية السعودية؛ لمواصلة النقاش حول هذا الموضوع، لكن يبدو أن هذه المحادثات لم تسفر عن أي نتائج ملموسة هي الأخرى. ومع ذلك، عبرت القيادة السعودية عن أنها تسعى إلى اتفاق مع الكويت حول المنطقة المحايدة في عام 2019. وفي 20 فبراير/شباط، أعلن وزير الطاقة في المملكة، "خالد الفالح"، أنه "واثق" حول خروج قرار هذا العام.
أخوة غير مستقرة
ويتجاوز صراع الكويت من أجل استقلال قرارها مجرد مقاومة المحاولات السعودية لزيادة نفوذها على المنطقة المحايدة. وفي الواقع، خلال الأعوام الأخيرة، أصبح اتجاه الكويتيين واضحا نحو اتخاذ مواقف مختلفة عن مواقف السعودية والإمارات والبحرين في القضايا المثيرة للجدل. على سبيل المثال، استفادت الكويت من عضويتها في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لإعادة تأكيد التزامها بفكرة الدولة الفلسطينية ومعارضتها لـ(إسرائيل). وفي الوقت الذي كانت الولايات المتحدة تعمل فيه على تقريب دول مجلس التعاون الخليجي من تل أبيب، دعت الكويت (إسرائيل) إلى إيقاف عملياتها في لبنان، واعتبرت الكويت أعمال (إسرائيل) انتهاكا لسيادة لبنان.
وفي حين تتبع الكويت موقفا متشددا ضد (إسرائيل)، يبدو أنها أكثر حيادا إلى حد ما تجاه إيران. وعلى الرغم من أنها امتثلت لإعادة الولايات المتحدة فرض العقوبات على إيران، إلا أنها لا تزال تبحث عن سبل يمكن من خلالها تعزيز التعاون الاقتصادي مع الجمهورية الإسلامية. كما دعمت الإمارة حق إيران في برنامج نووي سلمي في الماضي، وأعربت عن خيبة أملها عندما سحب "ترامب" واشنطن من خطة العمل المشتركة الشاملة.
علاوة على ذلك، في حين شاركت الكويت إلى جانب السعوديين خلال الحرب الأهلية في اليمن، فقد كانت مشاركتها فيها ضئيلة، ويبدو أن الدعم كان ذا طبيعة أدبية أكثر من كونه ذا طبيعة مادية. وبأخذ هذا في الاعتبار، من المرجح ألا تكون الكويت راضية عن التصريحات الأخيرة من قبل السعوديين والبحرينيين في قمة وارسو، التي بدت تهون من أهمية مواجهة (إسرائيل) والقضية الفلسطينية، حيث دعت إلى أن يكون التركيز الوحيد في مجلس التعاون الخليجي على كيفية مواجهة إيران، وليس الموقف من (إسرائيل).
بالإضافة إلى ذلك، بما أن أمير الكويت كان أحد الآباء المؤسسين لمجلس التعاون الخليجي، فهو لا يزال ملتزما بشدة بالمنظمة متعددة الأطراف، كوسيلة لحل المشكلات الإقليمية. ومع ذلك، اختار السعوديون والبحرينيون والإماراتيون الالتفاف على المجلس الخليجي بالكامل، عندما قرروا مقاطعة عضو في المنظمة، وهو قطر. وأصبح احتقارهم للمنظمة أكثر وضوحا عندما اختارت الدول الثلاث عدم إرسال أي دبلوماسي رفيع المستوى، أو حتى عضو من العائلة المالكة، إلى القمة التي تم عقدها في الكويت عام 2017.
وفي محاولة لإنقاذ مجلس التعاون الخليجي، ظلت الكويت تسعى للعمل كوسيط بين الطرفين، على الرغم من عدم قدرتها على التقريب بينهما. واتضح هذا خلال قمة المجلس التي تم عقدها في الرياض في ديسمبر/كانون الأول، حيث قرر الشيخ "تميم بن حمد"، وهو الدبلوماسي الوحيد رفيع المستوى الذي كان حاضرا خلال القمة السابقة، عدم الحضور -وسط مخاوف على سلامته- وبدلا من ذلك قام بإرسال وزير الدولة للشؤون الخارجية القطري في اللحظة الأخيرة. وعلاوة على ذلك، لم يتم ذكر موضوع المقاطعة المستمرة ضد قطر على الإطلاق في البيان الختامي، كما ورد أنه تمت مناقشته لفترة وجيزة فقط وراء الأبواب المغلقة، بإصرار من أمير الكويت.
النظر إلى ما وراء المنطقة المحايدة
ومع بقاء العلاقات مع السعوديين ضعيفة بعض الشيء، قد تحتاج الكويت إلى البحث عن فرص أخرى لزيادة إنتاجها النفطي عند الحاجة. وقد تقع إحدى هذه الفرص شمالا، وليس جنوب الحدود الكويتية. وبدلا من التفاوض مع حليف قديم، يبدو وكأن الكويت قد وجدت صديقا في عدوها القديم، ألا وهو العراق. ومن المفارقات، أن حقول النفط المشتركة ذاتها، التي تسببت في إشعال شرارة حرب الخليج، قد تحمل الآن المفتاح للحفاظ على استقلال الكويت.
وعلى الرغم من أن المحادثات بينهما بشأن الاستغلال المشترك لحقول النفط المشتركة ظلت مستمرة لأعوام، إلا أنه بدا أخيرا أنهما قد يحققان تقدما ملموسا في أغسطس/آب، عندما اتفقا على دراسة الفكرة. وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، كشف وزير النفط العراقي عن اختيار شركة استشارية لإجراء هذه الدراسة، وزعم أن "اللمسات الأخيرة" يجري اتخاذها لاتفاق من شأنه أن يوفر للعراق تصدير الغاز إلى الكويت.
لكن على الرغم من أن النقاشات الجارية حاليا تسير بسلاسة، إلا أن هناك عدة أسباب تجعل الكويت مترددة في النظر إلى الشمال. وأحد هذه الأسباب هو أن البصرة أثبتت أنها منطقة غير مستقرة داخل العراق. على سبيل المثال، كانت الاضطرابات التي استحوذت على البصرة في سبتمبر/ أيلول، والتي هدد خلالها المحتجون بغزو حقول النفط هناك، قد تراجعت، ولكنها لم تستقر بشكل دائم. وقد يجبر الاضطراب المتكرر في المنطقة الكويتيين على أن يصبحوا أكثر استباقية من أجل ضمان حماية مصالحهم الاقتصادية، ولكن من المشكوك فيه ما إذا كانت البلاد مستعدة للقيام بهذا الدور. وبدلا من ذلك، فإن السيناريو الأكثر احتمالا هو أن تستمر الكويت في اختيار الوسائل غير العسكرية للتخفيف من حدة الأزمة، على غرار ما حدث عندما أرسلت 17 مولدا للطاقة إلى البصرة، للتخفيف من آثار انقطاع التيار الكهربائي المستمر هناك في يوليو/تموز. ويبقى أن نرى إلى أي مدى سوف يكون هذا التكتيك فعالا.
وفي النهاية، في حالة كل من حقول النفط المشتركة مع العراق، وكذلك مع المملكة العربية السعودية، سيتم تحديد رغبة جميع الأطراف في تقديم التنازلات في نهاية المطاف وفق سعر النفط. وقد قامت السعودية بتخفيض إنتاجها النفطي، مما يوضح أنها لا تتطلع إلى تقديم أي تنازلات فيما يتعلق بحقول النفط المشتركة في المستقبل القريب. ومن ناحية أخرى، زاد العراق من إنتاجه وتخطى حصته في منظمة أوبك، مما يجعله على الأرجح مستعدا للنظر في شراكة مع الكويت، خاصة بالنظر إلى حقيقة أن العراق سيعتمد على عائدات النفط لتمويل إعادة الإعمار.