أحمد شوقي- خاص راصد الخليج-
القمة العربية في تونس تشهد ملفات كبرى مطروحة على العرب في ظل وضع غير مسبوق من الاستخفاف الذي وجهته أمريكا لأنظمتها بقرار الاعتراف بالسيادة الصهيونية على الجولان، بعد استخفاف أكبر بنقل السفارة للقدس، وما سيتبع هذه القرارات من تداعيات على استقرار المنطقة، إضافة إلى أزمات اليمن وليبيا وسوريا، والأزمة الخليجية، والمفارقة أنها على جانب آخر، تشهد ملابسات غير عادية تثير العديد من التساؤلات.
وأول هذه الملابسات هو الإعلان الذي سبق القمة بساعات عن غياب قادة أطراف رئيسية وهذا الغياب لا يتسق مع أهمية القمة وتوقيتها وخطورتها، فلربما هناك قمم سابقة يمكن أن يكون الغياب بها مرادفا للحضور، ولكن هذه القمة تحديدا تستدعي حضورا كاملا للخروج بموقف موحد يحفظ على الأقل ماء الوجه العربي!
وهو ما يثير تساؤلات عن أسرار الإعلان عن الغياب ولا سيما من قبل قطب عربي رئيسي كمصر، وقطب خليجي لا يستهان به مثل الإمارات العربية المتحدة، وبالمقابل يستدعي الحضور المفاجئ في اللحظات الأخيرة للرئيس المصري ومغادرة امير قطر قبل القاء كلمته تساؤلات مضافة!
كما تضفي زيارة محمد بن زايد لمصر قبيل القمة، مزيدا من علامات الاستفهام، فهي توحي بتنسيق اماراتي مصري بخصوص شئ ما أو موقف ما.
كذلك الحضور المبكر للملك سلمان، وإعلان حضور الأمير تميم قد فتح شهية وسائل الإعلام والمحللين والمتكهنين، بأن أمرا ما يتعلق بالمصالحة الخليجية، قد يتم تناوله أو السعي فيه، فهل الغياب المصري الإماراتي هو نوع من الاعتراض على توجه ما يتم التدشين له؟
وهل مغادرة أمير قطر تشي بأن محاولات قد تمت ثم فشلت؟
كلها تساؤلات تفرض نفسها في وقت ينبغي أن تتوجه التساؤلات لقضية أخرى محددة، وهي "ما هو الرد العربي" وكيف يتسق مع الاستهانة والاستخفاف الأمريكي، وخاصة الاستخفاف بالخليج، باعتبار أن الخليج قدم لترامب وكوشنر كل ما يطمحان إليه من تنازلات علنية لصالح العدو الإسرائيلي، وباعتبار أن المبادرة العربية للسلام مع (اسرائيل) خرجت بالأساس من الخليج وتحديدا من السعودية.
المفارقة أن ترامب وجه الدعوة للرئيس المصري بزيارة أمريكا، وقد قبلها الرئيس المصري، على الرغم من أن الاعتذار عن قبول الدعوة يعد موقفا في حد ذاته أمام التطاول الأمريكي، فهل قبول الدعوة له علاقة بالاعتذار الذي تم تسريبه قبيل القمة، باعتبار الخطوتين متناقضتين؟ وهل لزيارة أمريكا علاقة بالأزمة الخليجية؟
إنه تساؤل جديد أيضا يضاف لسلة التساؤلات السابقة والتي تضفي على المشهد مزيدا من الضبابية.
هل يمكن إحالة هذه الملابسات على الارتباك العربي وعدم القدرة على بلورة موقف متسق مع ما يحدث من اجراءات غير مسبوقة، أم تحال الملابسات على تفسخ جديد بتحالفات كانت راسخة، وهو ما ينبئ بخرائط جديدة للتحالفات؟
هل نحن أمام انقسام خليجي جديد وتغير في خريطة الأزمة بتصالح بعض أطراف معسكر الخلاف مع قطر معها، وتحول البعض الآخر لخصوم مع من تصالح، أم أنها مجرد ارتباكات ناتجة عن انفجار إقليمي حول الدول لأشلاء متناثرة كل باتجاه دون ترتيب واتفاق؟ أم تفشل جميع المحاولات بفعل تعنت داخل المعسكرات أو بفعل ضغط خارجي يريد ابقاء الأزمة؟
إن هذه الضبابية وهذه العلامات للاستفهام وهذا الارتباك، هو محصلة رؤية عربية مفقودة، ووحدة وتنسيق غائبين، وانعكاسات هذا الوضع على الخليج هي الأشد خطرا لأنها انكشاف استراتيجي، حيث الرؤية الخاصة للأمن الخليجي التي تبلورت في غياب رؤية للأمن العربي، تعتمد بالأساس على أمريكا.
قمة تونس كانت فرصة للم شمل الفرقاء العرب ومنهم فرقاء الخليج، واتخاذ موقف قوي يجبر أمريكا على عدم التجبر والاستهانة بالعرب، عبر اجراءات عملية تضع المصالح الأمريكية في كفة مقابلة لكفة الحقوق والكرامة العربية.
ولكن الظاهر من الملابسات، أن القمة العربية ربما ستشهد مزيدا من الارتباك والتشرذم، وفي أفضل الاحتمالات ستؤكد العجز العربي عن مواجهة المخاطر الجدية عبر بيانات إدانة جوفاء دون أي إجراء عملي، وهو ما سيسمح بمزيد من الانتهاك والاستخفاف وتآكل الأمن وأوضاع جديدة أشد خطورة من الأوضاع الراهنة.
ان عدم إقدام الخليج على سحب المبادرة (بحكم المنشأ) أو اتخاذ خطوات اقتصادية رادعة (بحكم التشابك مع المصالح الأمريكية) سيلقى بمزيد من مسؤولية التدهور العربي على الخليج، كما أن الخليج سيفقد أوراق الضغط إن لم تستخدم في وقتها، حيث تعمل أمريكا بسياسة الأمر الواقع، وكل أمر واقع جديد يضيق الخناق على أوراق القوة، ولنا في تموضع (اسرائيل) في البحر الأحمر بعد التنازلات المصرية الخليجية عبرة ومؤشر لما يحاك في المستقبل من فتح المجال لتوسع صهيوني على حساب الأمن الخليجي والعربي ككل.