د. ماجد محمد الأنصاري- الشرق القطرية-
الدبلوماسية القطرية نجحت في تحييد ممارسات دول الحصار لتشويه قطر.
المنطقة بصدد استحقاقات عديدة على مستوى علاقات قطر الدولية والإقليمية.
علينا أن نصل إلى مرحلة نمتنع فيها عن عبارة "رغم الحصار"!
مرت الذكرى الثانية لحصار قطر ولم يعد هناك مجال للشك في أن قطر تجاوزت الأزمة بأبهى حلة، ولكن بعد عامين تبدو صورة قطر والمنطقة مختلفة بواقع جديد فرض عليها، له استحقاقات عديدة على مستوى علاقات قطر الدولية والإقليمية ووضعها المحلي.
وبالنسبة لنا في قطر نعيش الآن لحظة تاريخية تحتم علينا حكومة وشعبا إعادة التفكير في واقعنا وكيفية التعامل معه على كافة المستويات، لا يكفي أن نقول إننا تجاوزنا الأزمة فحسب، بل علينا أن نتلمس طريق قطر نحو المستقبل.
على المستوى الدولي صبغت تحركات قطر خلال العامين الماضيين بصبغة تحييد ممارسات دول الحصار لتشويه قطر في الخارج، ونجحت الدبلوماسية القطرية في إعادة التموضع بما يتناسب مع ذلك من خلال تعزيز العلاقات مع اللاعبين الدوليين وعلى رأسهم الولايات المتحدة ومواجهة الحملة لتلطيخ سمعة قطر عبر إجراءات سريعة ومحددة وجولات دبلوماسية مكثفة.
وتبقى مشكلة قطر في علاقاتها الدولية اليوم هي أن الحملة مستمرة دون هوادة، وبالتالي تحتاج قطر إلى خطين في علاقاتها الخارجية:
- الأول يتعامل مع استمرار الضغط الذي تمارسه دول الحصار عبر تحييد أثره،
- الثاني لتأسيس موقع جديد لقطر يبنى على الرؤية بعيدة المدى للصورة التي تريد قطر أن تعكسها عن نفسها في الخارج وموضع قطر دوليا كدولة صغيرة مؤثرة.
لكنها ليست منضوية تحت تأثير محور إقليمي، بالإضافة إلى تعزيز موقع قطر في الملفات الدولية بما يحصنها عبر جعلها مهمة للقوى الدولية بما يحقق التوازن في العلاقات الخارجية.
على المستوى الإقليمي لا يمكن تجاهل أن هناك تصعيدا أكبر وأزمات متنوعة تعصف بالمنطقة وليس أي منها مرشحا للحل في ظل السياسة المتهورة التي تقود المشهد.
وربما كان هناك توجه لفترة أن تخفف قطر بعد نجاح الثورات المضادة من جهودها الإقليمية لصالح السعودية وغيرها من اللاعبين الإقليميين، اليوم هذا الخيار غير وارد بطبيعة الحال لذا أمام قطر خياران: إما الانكماش أو العودة إلى مساحة التأثير والمنافسة.
في الحقيقة ليس الانكماش خيارا واقعيا في ظل أنه لا يشكل حماية للأمن الوطني القطري. فمحور السعودية والإمارات يتعامل مع أي تراجع قطري باعتباره فرصة لتهديد السيادة القطرية، وعليه لا بد لقطر من دور إقليمي يجعلها رقما صعبا في المعادلة ويشكل رادعا لبقية اللاعبين إقليميا، هذا الدور يجب أن يحقق ثلاثة معايير:
- الأول هو ألا يمثل تحديا في علاقة قطر مع اللاعبين الدوليين الكبار،
- الثاني هو أن يجعل من قطر لاعبا لا يمكن تجاوزه في الملفات الإقليمية الأساسية،
- الثالث هو أن تتوفر معه مساحة آمنة للدور القطري بعيدا عن تبعات لا يمكن استيعابها لاحقا.
محليا كان هناك العديد من المكتسبات التي تحققت خلال الحصار ينبغي الحفاظ عليها وتعزيزها، مثل تنشيط الاقتصاد المحلي خاصة في القطاع الصناعي، وتنويع أسواق الاستيراد والتصدير، واللحمة الوطنية وتعزيز دور الكوادر الوطنية.
لكن هناك تحديات نشأت بسبب الحصار ينبغي الآن وبعد تجاوز مرحلة الضرورة إعادة النظر في مسبباتها، من أهم هذه التحديات هو انخفاض سقف الحوار المجتمعي.
اليوم لم يعد سهلا فتح حوار ناقد حول القضايا المحلية يكون الحديث فيه شفافا على مستوى الإعلام المحلي والأقنية المختلفة لتبادل الآراء، السبب الرئيسي لذلك هو ممارسات دول الحصار في تحويل كل شأن داخلي قطري إلى وسيلة لضرب سمعة قطر في الخارج وتصوير أن هناك شرخا اجتماعيا فيها؟
ولكن يجب ألا يتحول ذلك إلى إعادة ترسيم للمجتمع حتى يصبح نسخة كربونية من المجتمعات المجاورة من حيث المبالغة في تمجيد الإنجازات وعدم مناقشة التحديات التي يواجهها المجتمع.
علينا أن نصل إلى مرحلة لا يتبع فيها إعلان أي إنجاز عبارة «رغم الحصار» ولا أن يتم الرد على كل نقد موضوعيا كان أو غير ذلك بعبارة «الوقت ليس مناسبا» فنحن بحاجة إلى التركيز على تطوير بلادنا ومجتمعنا وليفعلوا هم ما يريدون.
في مقابل ذلك لا بد أن يكون هناك وعي دائم بما يتم ممارسته ضد قطر في الخارج والتهديدات التي تواجه البلاد سياسيا واقتصاديا وإعلاميا. فالتوقف عن الحديث عن هذه التهديدات ومواجهتها هو ضرب آخر من دفن الرؤوس في التراب.
فالوعي المجتمعي ضرورة للمحافظة على الجبهة الداخلية، كما ينبغي أن يتم ذلك بشفافية عالية حتى يعرف المواطن كيف يتم استهدافه وما الذي يتم لمواجهة هذا الاستهداف.
بعد عامين باتت قطر أفضل بكل تأكيد لكن المشوار ما زال مستمرا لبناء هذا البلد والارتقاء به ليكون نموذجا للعالم، علينا أن ننظر بعين فاحصة إلى واقعنا وبتفاؤل نحو مستقبلنا.
لا ينبغي أن نسمح لكائن من كان سواء أنظمة الحصار أو غيرها بأن يحاصروا طموحنا وكل ما يؤدي إلى تحقيقه من حراك مجتمعي وتضافر الرسمي مع الشعبي والمراجعة الدائمة لاستراتيجياتنا الوطنية.