ملفات » الخلافات القطرية الخليجية

طنين "الذباب الإلكتروني" يصمت مجدداً.. فضائح تلاحق دول حصار قطر

في 2019/08/02

الخليج أونلاين-

ضربة جديدة وجهتها شركة "فيسبوك" لدول حصار قطر، من خلال إغلاق وحذف حسابات وهمية في السعودية والإمارات ومصر، كانت تعمل على صناعة وتسويق الأزمات في عدة دول عربية وغربية، أبرزها الإساءة لدولة قطر وقناة "الجزيرة" التي تبث من الدوحة.

وخلف ستار الأزمة الخليجية نظمت لأول مرة بوضوح هجمات متزامنة من حسابات إلكترونية سعودية، ضد من تعتبرهم خصوماً للمملكة، قبل أن يتسع الأمر ويتحول تدريجياً إلى مساس بالحلفاء، وتدمير ممنهج للعلاقات مع عدة دول ومنظمات دولية متى دعت الحاجة.

وبات مصطلح "الذباب الإلكتروني" مقترناً بالأزمة التي تطورت إلى فرض السعودية والإمارات ومصر والبحرين حصاراً على دولة قطر في الخامس من يونيو 2017، ولا يزال مستمراً حتى اليوم.

فيسبوك وحسابات وهمية

في 2 أغسطس الجاري، أعلنت شركة فيسبوك إغلاق حسابات "مضللة" استهدفت عدة دول بالمنطقة، قائلة إنها وجدت عمليتين منفصلتين؛ واحدة نشأت في الإمارات ومصر وأخرى في السعودية، وكلتاهما أنشأت حسابات عبر منصتي "فيسبوك" و"إنستغرام"؛ لتضليل المستخدمين.

وأوضحت الشركة أنها أغلقت 259 حساباً و102 صفحة و5 مجموعات و4 أحداث على "فيسبوك"، بخلاف إغلاق 17 حساباً عبر تطبيق "إنستغرام"، في الإمارات ومصر.

كما ذكرت أنها أغلقت أيضاً 217 حساباً و144 صفحة و5 مجموعات على "فيسبوك"، و31 حساباً عبر "إنستغرام"، قالت إنها "شاركت في سلوك غير منسق صادر من السعودية".

النشاط المضلل لهذه الشبكات ركز على عدد من بلدان المنطقة، خاصة في الشرق الأوسط، وبعضها في شمال أفريقيا وشرقها.

عدة نماذج للمحتوى نشرته بعض هذه الصفحات، بينها "الزعم بسيطرة اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر على ليبيا"، و"دعم مزعوم للجماعات الإرهابية من قبل قطر وتركيا"، وكذلك "نشاط إيران في اليمن"، و"نجاح التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن"، و"استقلال أرض الصومال"، و"التشكيك في مصداقية شبكة أخبار الجزيرة (القطرية) ومنظمة العفو الدولية".

ارتباط سعودي

مدير سياسة الأمن الإلكتروني في فيسبوك، ناثانيال جليتشر، قال: "بالنسبة لهذه العملية، استطاع محققونا التأكد من أن الأشخاص الذين يقفون وراءها مرتبطون بالحكومة السعودية".

واستخدمت الحملة حسابات مزيفة تتظاهر بأنها من مواطني تلك الدول، كما صممت صفحات لتبدو مثل مواقع إخبارية محلية، وقالت فيسبوك إن أكثر من 100 ألف دولار أنفقت على الإعلانات.

وقال جليتشر، بحسب البيان: "عادة ما ينشرون بالعربية عن أخبار المنطقة والقضايا السياسية، ويتحدثون عن أمور مثل ولي العهد محمد بن سلمان وخطته للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، ونجاحات القوات المسلحة السعودية لا سيما في حرب اليمن".

وأضاف أن 90% من المحتوى باللغة العربية، وأن بعض الحسابات تعمل بشكل أساسي كصفحات للحكومة والجيش السعوديين.

وسوم بمبالغ مالية!

في مارس من العام الماضي، كشف تحقيق أجراه موقع "بي بي سي"، عن إنشاء بعض الشركات في السعودية  حسابات وهمية بهدف الترويج لوسوم مقابل مبالغ مالية.

ورغم وجود وسوم (هاشتاغات) ناجحة يطلقها نشطاء سعوديون معارضون، لمناقشة القضايا الوطنية، فإن النظام السعودي يغرق الوسوم بأخرى لا أهمية لها.

وبيّن التحقيق ترويج بعض هذه الشركات الغامضة التي لها حسابات وهمية، لوسم معيّن بضع ساعات مقابل نحو 150 جنيهاً إسترلينياً، أي ما يعادل 200 دولار أمريكي.

هاشتاغات

واللافت أن هذه الوسوم غالباً ما تكون غريبة، وتثير تعجب البعض من السبب الكامن وراء انتشارها بهذه الطريقة السريعة، ففي مطلع ديسمبر 2017 مثلاً، تصدرت عبارة "الخروف_مشوي_المجمر" قائمة "الترند" في المملكة، وقد حصلت هذه الجملة على نحو 17 ألف تغريدة، كانت بمعظمها تروّج لمطعم واحد وتذكر رقم هاتفه.

الذباب السعودي

ولا يذكر الذباب الإلكتروني إلا ويذكر "الذباب السعودي"، والذي يعمل على الحسابات الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة تويتر الأكثر انتشاراً في الخليج، وتدار بشكل آلي من قبل مبرمجين مرتبطين بأجهزة حكومية وأمنية.

ونشرت هذه الحسابات مئات آلاف التغريدات تأييداً لوجهة نظر دول حصار قطر إبان الأزمة الخليجية وحتى اليوم، ونشراً لأخبار مفبركة وإشاعات وصلت إلى حد النيل من المحرمات الخليجية، ولا سيما التطاول على الأعراض، في نهج بدا مفاجئاً لمجتمعات معروفة بمحافظتها الشديدة.

وفي أكتوبر 2018 أعلنت شركة "تويتر" إغلاق مئات الحسابات التي تعمل بشكل آلي ويعتقد أنها "روبوتات الويب"، استخدمت لإعادة تغريدات تؤيد موقف السعودية في حادثة اختفاء الصحفي جمال خاشقجي.

ونشرت قناة "NBC" الإخبارية الأمريكية قائمة لمئات من هذه الحسابات، التي أعادت تغريد مواقف نشرتها حسابات موالية للحكومة السعودية، حسب موقع "هافينغتون بوست" الإخباري الأمريكي.

وطالبت المشاركات التي أعادت تغريدها الحسابات الوهمية، بالتشكيك في التقارير الإخبارية التي تقول إن خاشقجي "قتل" داخل سفارة بلاده في إسطنبول، مستخدمة وسم "#We_all_trust_Mohammad_Bin_Salman" (جميعنا نثق بمحمد بن سلمان) لدعم ولي العهد السعودي.

وحسب المعلومات التي شملها التقرير فمعظم هذه الحسابات أنشئت عام 2012 بفارق دقائق بعضها عن بعض، ما يعزز نظرية أنها حسابات وهمية يستخدمها ما يسمى بـ "الذباب الإلكتروني" في حرب الأرقام على منصات التواصل الاجتماعي.

و"روبوتات الويب" عبارة عن برامج تنفذ مهام تلقائية على الإنترنت، ويستخدمها ما يعرف بـ "الذباب الإلكتروني"، لإعادة التغريد آلياً لمساندة أو مهاجمة قضية ما على منصات التواصل الاجتماعي.

وعن ممارسات الذباب الإلكتروني السعودي، قال مؤسس منصة "جمهرة" الرقمية، أحمد حذيفة: إن "الذباب الإلكتروني مكون من 3 فاعلين أو فئات، أولاً: من يظهرون بأسمائهم وصفاتهم الحقيقية، كصحفيين ومسؤولين مثل سعود القحطاني"، المقال عقب أزمة قتل الصحفي جمال خاشقجي، والذي هاجم قطر على الدوام.

ونقلت وكالة "الأناضول" عن حذيفة قوله: "إن الفاعل الثاني هم موظفو السلطة، وهم أشخاص حقيقيون لكن يكتبون دون أسمائهم الحقيقية، ويدورون في فلك ما يؤمنون به، أما الجهة الثالثة فهي حسابات وهمية وخوارزميات تنشأ عبر البرامج، ومهمتها إعادة التغريدات، لتنشئ حالة من التفاعل الوهمي على السوشيال ميديا".

ولفت إلى أن "السلطة لا تلتزم بهم، وتعلن رأياً مخالفاً لهم، من باب التمويه، ولكن بالنهاية معروف من يؤسس ويروج لها، ومن هنا يمكن أن يزداد الشرخ بين الدول والشعوب حتى الحليفة منها".

وشدد حذيفة على أنه "يمكن للذباب الإلكتروني خلق عداء مع دول أخرى حليفة، رغم أن الدولة الموجهة للذباب الإلكتروني لا تعلن هذا العداء، ولا تعترف به، ولكن بالنهاية معروف أن هذا الذباب يمثل هوى الدولة وميولها الداخلية".

"فخ" "انتقاد" محمد بن سلمان

ولم تتوقف الحملات الإلكترونية السعودية الموجهة، عن التعرض للحلفاء مثل الخصوم فقط، لكن المفارقة أنها طالت ـ دون أن تدري ـ ولي العهد ذاته!

ففي سبتمبر 2017، نشرت مجلة "نيوزويك" الأمريكية صورة لولي العهد السعودي في صدر غلافها، وبداخلها مقال ينتقد بقوة سياساته داخل المملكة وخارجها.

وجذبت الصورة عدداً من مؤيدي بن سلمان، وأعاد العشرات نشر المقال على السوشيال ميديا، ترويجاً له، دون أن يدركوا مضمونه المنتقد لابن سلمان، ما وضعهم في حرج لاحقاً .

وكتب الأمير منصور بن سعد آل سعود، الأمين المساعد لمؤسسة الملك فيصل الخيرية، في حسابه "بتويتر": "إعادة العرب إلى مكانتهم العظيمة، عنوان المجلة الذي يحمل صورة سموّ سيدي ولي العهد"، قبل أن يحذف التغريدة، عقب انتقادات لمشاركته مقالا يدين ولي العهد، ظناً منه بالخطأ أنه يكرمه، وهو ما كررته حسابات أخرى، قبل حذفها.

وزير الذباب

ولا يذكر الذباب الإلكتروني إلا ويقترن به اسم الوزير في الديوان الملكي السعودي سعود القحطاني، الذي كشفت معلومات ووثائق عديدة عن إدارته مجموعات من الهكر والمبرمجين الذين كانت مهمتهم صناعة رأي عام مؤيد لوجهة نظر دول حصار قطر.

وإضافة إلى دوره الذي وصفه رئيس التحرير السابق لصحيفة الوئام السعودية، تركي الروقي، قبل الأزمة الخليجية مطلع عام 2017، بـ"وزير الإعلام الخفي"، ليحمل منذ اندلاع الأزمة لقباً جديداً تمثل بـ"وزير الذباب الإلكتروني".

وقصة القحطاني -الذي يعتبر مع الوزير تركي آل الشيخ بمثابة جناحي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان- مع الاختراق ليست جديدة ولم تنشأ مع الأزمة الخليجية.

فقبل أشهر قليلة كشفت حسابات سعودية عما سمتها "فضيحة تجسس" القحطاني الذي اعتاد منتقدوه على إطلاق لقب "دليم" (مصطلح خليجي يطلق على الخادم الذي يقوم بالأعمال الدنيئة) عليه.

فقد كشفت وثائق نشرها موقع "ويكيليكس" عن تواصل القحطاني عام 2012 مع شركة تجسس إيطالية اشترى منها برامج تجسس مع مفاتيح تشفيرها، إضافة إلى عضويته النشطة في مواقع الاختراق المخصصة لبيع خدمات المخترقين.