ميدل إيست آي -
مثّل إعلان كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين، مشاركة فرقهم الوطنية لكرة القدم في كأس الخليج "خليجي 24" التي ستُقام في قطر نهاية الشهر، مفاجأة للكثيرين.
وكانت الدول الثلاث، قد قطعت علاقاتها مع الدوحة منذ صيف عام 2017، وفرضت حصارا على الإمارة الصغيرة في محاولة لإحداث تغيير في نهج قطر أو في نظامها.
وعلى الرغم من أن الأزمة وصلت إلى طريق مسدود منذ أكثر من عامين، إلا أن دول الحصار الثلاث دخلت في حرب روايات مع قطر منذ ذلك الحين، أو ما قد نسميه بصدام في مجال المعلومات، وهو ما يبدو أنه قد بدأ في التراجع الآن.
حرب الروايات
وفي الأسبوع الماضي، قال مسؤول سعودي مجهول لـ "بلومبرج"، إن قطر "تتخذ خطوات لحل التوترات"، وهو تصريح رددته صحيفة "جلف نيوز" ومقرها في دبي.
ويقول "أندرياس كريج" في مقالة الذي ترجمه "الخليج الجديد" عن موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، إنه يبدو للوهلة الأولى ملاحظة جانبية لشخص غير مطلع هو في الواقع تحول رائع للغاية لأي شخص يتابع الهجمة المضللة ضد قطر من البلدان المجاورة، منذ بدء الحصار في يونيو/حزيران 2017.
وبدلا من مواصلة نهجها رمي الدوحة باستمرار بروايات تصف الإمارة بأنها "الراعي الرئيسي للإرهاب في العالم"، ظلت معظم وسائل الإعلام التي ترعاها الحكومة في السعودية والإمارات والبحرين صامتة بشأن قطر في الأسابيع الأخيرة.
وقد يكون أحد الأسباب، أن القادة في الرياض وأبوظبي أدركوا أن نهج الروايات المضللة فشل في تحقيق أي نتائج مرجوة، حيث تبدو قطر اقتصاديا هي الدولة الأكثر مرونة في الخليج عام 2019، ولا يزال ارتباطها بالغرب - وواشنطن بشكل خاص - قويا، وبقيت سمعتها دون تأثّر كبير على نطاق واسع.
وتمكنت الدوحة من التكيف في فترة ما بعد بدء الحصار، حيث استطاعت شرح وتبرير استراتيجياتها وسياساتها، وأبقت على موقفها من الربيع العربي، بينما أجابت علانية على الأسئلة الانتقادية المبررة من الصحفيين والشركاء والحلفاء.
وفي الوقت نفسه، تسببت دوامة التضليل التي انبعثت من دول الحصار في إلحاق المزيد من الضرر بسمعة هذه الدول ومصداقيتها، لاسيما في الغرب.
خيبة أمل واسعة النطاق
والأهم من ذلك، يجب فهم التلاشي الواضح للتوترات الخليجية في سياق خيبة الأمل واسعة النطاق من قبل الرياض وأبوظبي في الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، الذي كانت إدارته هي الجمهور الرئيسي لحرب الروايات ضد قطر.
ووعد الرئيس حلفاء أمريكا في الخليج خلال الأسابيع الأولى لتنصيبه عام 2017، بدعم المزيد من سياساتهم في المنطقة ودعمهم بوضوح ضد إيران؛ لكن "ترامب" لم يحقق وعوده.
وعلى الرغم من أن طهران قد دفعت بالمنطقة إلى حدود جديدة من التصعيد عبر شن هجمات عدائية طوال فصل الصيف، إلا أن واشنطن ظلت صامتة.
وأكد الانسحاب الأمريكي المتعجل وغير المنظم من سوريا، أن واشنطن ليس لديها شهية للدفاع عن مصالحها في المنطقة بقوة شديدة.
انسحاب الولايات المتحدة
وأصبح الخوف من انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة حقيقيا مرة أخرى في الرياض وأبوظبي؛ ما تسبب في إعادة التفكير في كيفية التعامل مع العديد من المخاطر والتهديدات المحيطة.
وكان تحول الإمارات من المشاركة المباشرة إلى غير المباشرة في اليمن عبر الوكلاء؛ نتاج عملية إعادة التفكير هذه إلى حد كبير، وكذلك كان القرار السعودي بالانفتاح على فكرة الوصول لاتفاق لتقاسم السلطة مع الحوثيين لإنهاء الحرب في اليمن.
وفي الوقت نفسه، أعادت كل من الرياض وأبوظبي العمل من جديد مع طهران، بعد أن أدركت العاصمتان الخليجيتان أن واشنطن لن تسمح لدول الخليج بمحاربة إيران حتى آخر أمريكي (في إشارة للقوات الأمريكية هناك)، وأن دول الخليج ستتحمل العبء وحدها حال نشبت الحرب.
وفي ظل هذه الخلفية، ليس من المستغرب أن الرياض قررت أخيرا منح الوساطة الكويتية فرصة لحل النزاع الخليجي. ويبدو أن هناك إدراكا متأخرا في العاصمة السعودية مفاده أن الصدع في مجلس التعاون الخليجي يأتي بنتائج عكسية، وأن الخليج سيكون أقوى في حالة الوحدة، خاصة وأن المملكة تكافح للعثور على مستثمرين أجانب حقيقيين في أعقاب قضية مقتل الصحفي "جمال خاشقجي".
ومن المتوقع أن تحقق الدوحة فائضا كبيرا هذا العام على الرغم من الحصار، وقد توفر الدعم المالي والثقة للاقتصاد المتعثر نسبيا في المملكة.
سلام بارد
ولكن حتى الآن، لم تشهد المحادثات منخفضة المستوى بين السعودية وقطر تقدما كبيرا. وتظل المظالم على كلا الجانبين قائمة، وسيتعين على قطر، التي تم إهانتها من قبل جيرانها في عام 2017، منح الرياض تدابير تنقذ ماء وجهها لإنهاء النزاع، بينما من المفهوم أنها غير مستعدة على الإطلاق للتنازل عن سيادتها الوطنية وسياستها الخارجية واستقلالها النسبي.
وبالنسبة لقطر، كان الحصار "نعمة مغلفة"، حيث أتاح بها اتخاذ قرارات أكثر استقلالية في الداخل والخارج، وأصبح بإمكان الدوحة المضي قدما في الإصلاحات دون الاضطرار إلى النظر إلى جيرانها.
ومع ذلك، ترى الدوحة إمكانية للتوصل إلى مصالحة باردة مع المملكة، وربما مع البحرين أيضا؛ لكن يبدو أن الفجوة مع أبوظبي واسعة للغاية بحيث لا يمكن سدها في هذه المرحلة.
ويرغب القطريون في رفع الحظر المفروض على السفر لزيارة أقاربهم في الدول المجاورة، والسفر مباشرة إلى الحج.
وإذا منحت السعودية حقوق الطيران للخطوط الجوية القطرية، فستكون أكبر مظالم قطر قد تم معالجتها على الأرجح.
ومع ذلك، لا تزال الفكرة القائلة بأن أمير قطر الشيخ "تميم بن حمد" وولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" سيتصافحان لإبرام صفقة تصالحية في المستقبل القريب تبدو مثالية في هذه المرحلة.
ومع ذلك، سوف يكون السلام البارد بين الدوحة والرياض الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح للمصالحة.