الخليج أونلاين-
تكتسي القمة الخليجية، التي تستضيفها العاصمة السعودية الرياض في العاشر من ديسمبر الجاري، أهمية كبيرة في ظل الآمال الكبيرة المُعلقة عليها لوضع حد للأزمة التي عصفت بمجلس دول التعاون الخليجي وهزت أركانه بشدة.
وتُمني الشعوب الخليجية النفس بأن تسفر القمة في دورتها الـ40، عن حل للأزمة التي بدأتها السعودية والإمارات والبحرين إلى جانب مصر بمقاطعة قطر، وفرض حصار جائر عليها بمزاعم أثبتت الوقائع عدم صحتها على أرض الواقع.
ولطالما أبدت الدوحة في أكثر من مناسبة استعدادها التام لحل الأزمة الخليجية، من خلال الجلوس على طاولة الحوار "بعيداً عن فرض شروط مسبقة"، في إشارة منها إلى مطالب دور الحصار الـ13، ومن بينها إغلاق قناة "الجزيرة"، وإنهاء اتفاقية الدفاع المشترك بين قطر وتركيا وما ترتب عنها من تشييد قاعدة عسكرية تركية في الدوحة.
هل يكون الحل في قمة الرياض؟
تطورات متسارعة، ومؤشرات لا تُخطئها العين، تشير بوضوح إلى أن شيئاً ما يُطبخ على نار هادئة فيما يتعلق بأزمة الخليج، التي اندلعت في 5 يونيو 2017، واستمرت تداعياتها لأكثر من عامين ونصف العام.
ولعل من أبرز المؤشرات التي تؤكد ذلك قرار نقل مكان انعقاد القمة الخليجية من العاصمة الإماراتية أبوظبي إلى نظيرتها السعودية الرياض، على أن يسبقها بيوم واحد اجتماع وزاري تحضيري، ما يُعيد إلى الأذهان ما رفعته دول الحصار في شهور الأزمة بأن "حل الأزمة في الرياض".
وفي 3 ديسمبر الجاري، تلقى أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، دعوة خطيَّة من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، لحضور القمة المرتقبة، بعدما تسلمها نائب رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، لدى استقباله الأمين العام لمجلس التعاون عبد اللطيف الزياني.
وتختلف الدعوة للقمة المقبلة عن سابقتها؛ إذ قدّم "الزياني" الدعوة بشكل مباشر إلى قطر في القمة الماضية، في حين نقل هذه المرة دعوة مباشرة من الملك السعودي، وهو ما يحمل إشارات وملامح حول انفراجة مرتقبة للأزمة الخليجية.
ولم تُعلن قطر مستوى التمثيل في القمة المرتقبة، لكن التوقعات تشير إلى أنه سيكون أرفع من تمثيل القمة الـ39، التي انعقدت أيضاً في الرياض أيضاً (ديسمبر 2018)، والتي عرفت مشاركة وزير الدولة للشؤون الخارجية القطري، سلطان بن سعد المريخي.
ورفعت الدوحة من مستوى تمثيلها في القمتين الطارئتين؛ الخليجية والعربية، في مكة المكرمة، أواخر مايو المنصرم، وذلك من خلال مشاركة رئيس وزرائها، الشيخ عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني، وما عرفته تلك القمتان من مصافحات بينه وبين عدد من زعماء دول الحصار.
في السياق ذاته، زادت الكويت من منسوب الآمال الموضوعة على القمة الخليجية المقبلة؛ عندما قال رئيس الوزراء الكويتي الشيخ صباح الخالد الصباح، إن القمة ستكون "محطة مهمة جداً للمصالحة الخليجية"، وهو تصريح يراه مراقبون بأنه يجب أخذه "في الحسبان" و"على محمل الجد"؛ لكون الكويت هي من تكفلت بملف الوساطة وحلحلة الأزمة الخليجية.
"خليجي 24".. التطور الأبرز
ولعل أولى المؤشرات التي هيأت الرأي العام الخليجي والعربي، وحتى الدولي، لمصالحة خليجية مرتقبة؛ هي مشاركة منتخبات السعودية والإمارات والبحرين في بطولة كأس الخليج العربي (خليجي 24)، المقامة حالياً في قطر حتى الثامن من ديسمبر الجاري.
مشاركة دول حصار قطر في البطولة الخليجية شكلت مفاجأة من العيار الثقيل للمتابع للشأن الخليجي؛ بعدما رفضت تلك المنتخبات خوض "خليجي 24" في قطر، وتهيأ الجميع لإقامة بطولة مصغرة من 5 منتخبات (قطر، والكويت، وعُمان، والعراق، واليمن)، حيث أجريت القرعة بالعدد المذكور، قبل أن تعاد بعد تأكد مشاركة جميع المنتخبات.
وكان لافتاً وجود بعض الجماهير السعودية والإماراتية في مباريات فِرقها بالبطولة الخليجية، لكن الإجراء الأكثر قوة تمثل بإعلان الاتحاد البحريني لكرة القدم تسيير طائرتين لنقل جماهيره إلى قطر مباشرة لأول مرة منذ الحصار، مثلما فعل منتخبه الأول إلى جانب نظيره السعودي بوصولهما عبر طيران مباشر إلى مطار حمد الدولي، فيما وصل منتخب الإمارات إلى الدوحة عبر الكويت.
ويأتي السماح للجماهير بعد أن كانت دول حصار قطر قد منعت مواطنيها من السفر إلى الدوحة لأي سبب كان، وهو ما تسبب بتفرقة وتباعد بين العوائل الخليجية المتصاهرة.
وشدد القطريون، قبل انطلاق البطولة وخلال منافساتها، على أنهم لا يخلطون السياسة بالرياضة؛ إذ رفعوا شعار "أهلاً بالجميع في دوحة الجميع"، وهو الشعار الذي قاله أمير قطر خلال كلمة افتتاح "خليجي 24" في استاد خليفة الدولي.
كما اعتبر نائب وزير الخارجية الكويتي، خالد الجار الله، أن مشاركة المنتخبات السعودية والإماراتية والبحرينية في بطولة كأس الخليج تعد "مؤشراً مهماً على وجود تقدم نحو حل الأزمة بين الأشقاء".
وأوضح، في تصريحات أوردتها وكالة الأنباء الكويتية الرسمية، أن "هناك خطوات أخرى ستعقب هذه الخطوة تؤكد أننا نسير في الاتجاه الصحيح للوصول إلى النتائج الإيجابية".
مؤشرات إضافية
وإضافة إلى ذلك، يُمكن أخذ تصريحات الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله، وهو مستشار سابق لولي عهد أبوظبي، عندما قال إن "تطورات مهمة تجري لحل الخلاف الخليجية"، مشدداً على أن صفحة الخلاف الخليجي "ستطوى"، واصفاً ذلك بأنه قرار "استراتيجي لا رجعة فيه".
وفي منتصف نوفمبر الماضي، كشف مصدر حكومي في العاصمة الأمريكية واشنطن لموقع "الحرة"، أن المصالحة الخليجية-الخليجية "بلغت مرحلة متقدمة"، مشيراً إلى أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، كلف سفير بلاده في الرياض، الجنرال المتقاعد جون أبي زيد، ودبلوماسيين آخرين في وزارة الخارجية، ومسؤولين في البيت الأبيض، "تنسيق الأمور بعيداً عن الأضواء وفي شكل سرّي لتحقيق مصالحة خليجية – خليجية".
ومع هذه المؤشرات والإشارات المتلاحقة، تواجه المصالحة الخليجية عقبات عدة؛ من بينها "غياب أي ضمانات لعدم تكرار الأزمة مستقبلاً"، و"وجود أزمة ثقة بين أطراف الأزمة"، و"الشرخ الاجتماعي الذي سببته"، إضافة إلى "مطالب دول الحصار الـ13"، مع الإشارة أيضاً إلى حق قطر في رسم سياساتها الخارجية والإبقاء على قرارها الوطني المستقل.
ماذا ستبحث القمة؟
وبطبيعة الحال، فإن ملف الأزمة الخليجية سيكون الأقوى حضوراً في قمة الرياض الـ40، لكنها ستبحث في الوقت عينه ملفات أخرى، من بينها "تعزيز مسيرة التعاون والتكامل بين الدول الأعضاء في مختلف المجالات السياسية والدفاعية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية"، علاوة على "بحث التطورات السياسية الإقليمية والدولية، والأوضاع الأمنية في المنطقة وانعكاساتها على الأمن والاستقرار"، وفق ما أعلنه الأمين العام للمجلس.
كما سيتم بحث "سبل مواجهة التهديدات لدول المجلس، ومسار السياسة الدفاعية لدول الخليج الست القائمة على "مبدأ الأمن الجماعي المتكامل والمتكافل لغرض الدفاع عن كيان ومقومات ومصالح دول المجلس وأراضيها وأجوائها ومياهها الإقليمية، وتأكيد المبادئ التي تضمنتها اتفاقية الدفاع المشترك بين دول المجلس".
ويُنتظر أن تصادق القمة الـ40 على تعيين وزير المالية الكويتي السابق، نايف الحجرف، رسمياً أميناً عاماً جديداً لمجلس التعاون الخليجي، ليكون الأمين العام الكويتي الثاني في تاريخ المجلس بعد عبد الله بشارة.
جدير بالذكر أن الأزمة الخليجية اندلعت في يونيو 2017، بزعم مكافحة الإرهاب، لكن قطر نفت ما وُجه إليها من اتهامات وأكاذيب، وأكدت أنها تواجه حملة تستهدف النيل من سيادتها الوطنية والتخلي عن قرارها الوطني المستقل، ومحاولة التدخل في شؤونها الداخلية ورسم سياستها الخارجية.
وتأسس المجلس الخليجي لدول مجلس التعاون في 25 مايو 1981، ويضم السعودية وقطر والكويت وعُمان والإمارات والبحرين، وكان يعتبر من أنجح التكتلات الإقليمية والقارية، قبل أن تهز الأزمة الخليجية أركانه وتدخله في مرحلة "غيبوبة طويلة".