الخليج أونلاين-
كشف الأكاديمي العماني المتخصص بالشؤون الاستراتيجية، عبد الله الغيلاني، أن الذي أجبر المحور السعودي-الإماراتي على الذهاب لمصالحة خليجية هو حالة الانكسار التي منيَ بها، واستجابة لمناشدات المحور الكويتي-العماني، وامتصاصاً للضغط الأمريكي.
وأكد الغيلاني، خلال حوار خص به "الخليج أونلاين"، أن الولايات المتحدة تضغط باتجاه إجراء مصالحة جزئية على النحو الذي لا يضعف صراعها الإقليمي مع إيران.
واستبعد الغيلاني أن تشهد القمة الخليجية المزمع عقدها في السعودية، بالعاشر من الشهر الجاري، إنجاز مصالحة بشأنها في جلسة من جلسات القمة؛ لكون المصالحة الناجزة تقتضي تحولات جذرية في أنماط التفكير السياسي وإدارة العلاقات الإقليمية كما في مقاربة أزمات الإقليم.
وقال الغيلاني: "المصالحة بحاجة إلى الاتفاق على تعريفات مشتركه للمهددات الأمنية وكيفية التعاطي معها، وكل تلك الشروط أو جلها ليس متوفراً، بل السائد هو النزاع السياسي الذي بدد موارد الإقليم، وأهلك مقدراته، وفكك منظومته السياسية والاجتماعية".
ورأى الغيلاني أن "تحقيق مصالحة خليجية جذرية تجبّ ما قبلها وتؤسس لعلاقات خليجية متينة البناء، عميقة الثقة، متكافئة المصالح، بأنه ضرب من التفكير الرغائبي".
وقال الغيلاني: "الأزمة الخليجية التي تفجرت براكينها، فجر الخامس من يونيو 2017، ليست حدثاً عارضاً، ولم تكن كسائر الأزمات التي شهدها الإقليم، سواء من حيث آثارها الجيوسياسية المدمرة أو ارتداداتها النفسية والأخلاقية على المستوى الشعبي".
وأضاف: "بحث موضوع المصالحة ينبغي أن يجري في سياق موضوعي تُستدعى فيه كل الحقائق بعيداً عن الرغائب والانفعالات، و إِلا تحول البحث إلى أمنيات ساذجة وآمال منقطعة الصلة بالواقع السياسي".
واندلعت الأزمة الخليجية في يونيو 2017، بزعم مكافحة الإرهاب، لكن قطر نفت ما وُجه إليها من اتهامات وأكاذيب، وأكدت أنها تواجه حملة تستهدف النيل من سيادتها الوطنية والتخلي عن قرارها الوطني المستقل، ومحاولة التدخل في شؤونها الداخلية ورسم سياستها الخارجية.
مؤشرات تقدم
الغيلاني أوضح أنه منذ مطلع النصف الثاني من هذا العام ظهرت مؤشرات على تقدم نوعي أحرزته الوساطة الكويتية لإنهاء الأزمة؛ تمثلت في تواصل شبه مباشر بين أطراف النزاع، وقد تزامن ذلك مع تطورين على المستوى الإقليمي.
وأردف بالقول: "أولى هذه التطورات اتساع تداعيات الصراع الأمريكي-الإيراني الذي أنذر بوقوع اشتباك مباشر على أثر ما عرف بحرب الناقلات، ثم التراجع الأمريكي المفاجئ، وهو ما أصاب السعودية بخيبة أمل إزاء هذا الموقف".
ورأى أن إدراك واشنطن لانعكاسات أزمة الخليج على صراعها الإقليمي مع إيران قد دفع باتجاه إنجاز مصالحة ولو جزئية.
"أما التطور الثاني فقد كان على الجبهة اليمنية؛ التي مُني فيها التحالف السعودي-الإماراتي بانكسارات حادة على الصعيدين العسكري والسياسي، إذ أخفق التحالف في إحداث أي اختراقات جوهرية"، وفق الغيلاني.
وتوجت تلك الانكسارات -حسب الغيلاني- بالضربة الصاروخية التي تعرضت لها معامل النفط السعودية، في سبتمبر الماضي، وهو ما جعل السعودية دولة مهيضة الجناح، طفقت تطلب حواراً مع الحوثيين وظهيرهم الإيراني عبر وساطة عمانية وأخرى باكستانية.
وأشار إلى أن تلك التطورات وفّرت مناخات نفسية وسياسية، وعززت الوساطة الكويتية التي اقترنت بضغط أمريكي لاعتبارات متصلة بالصراع مع إيران.
واستدرك بالقول: "يبدو أن الوسيط الكويتي قد تراكمت لديه جملة من المعطيات قدّر أنها تكفي للتبشير بالمصالحة التي سُربت أخبارها إلى وسائط الإعلام، ولا يزال الحديث عن المصالحة حديثاً مبتوراً، إذ لم تقدم الوساطة الكويتية غير عناوين عامة لا تعين على بناء تصور متماسك".
وأوضح أن هناك جملة من الحقائق التي ينبغي استدعاؤها قبل التورط في استنتاجات غير موضوعية؛ أبرزها أن "حصار قطر استراتيجياً وخنقها اقتصادياً جرى في سياق مشروع إقليمي يرمي إلى مصادرة السيادة، وتغيير هياكل السلطة، وإجهاض حركة التحرر في العالم العربي، وهذا المشروع لا يزال قائماً".
كما لفت إلى أن أنماط التفكير الاستراتيجي في دول الحصار لم تتغير؛ أي إن العقل السياسي الذي خلق الأزمة هو نفسه من ينتج السياسات ويدير الخيارات الجيو استراتيجية، "فالمنهج نفسه والقراءة ذاتها!".
وبين أن "قطر استطاعت أن تتخطى معضلة الحصار بجملة أدوات استراتيجية؛ منها القوة الناعمة والجذب الاستثماري، والتحالفات العسكرية، ومن ثم فهي في وضع جيوسياسي مكين".
وتستضيف العاصمة السعودية الرياض، في العاشر من ديسمبر الجاري، القمة الخليجية، في وقت يزداد فيه الحديث عن حدوث انفراجة حول إنهاء حصار قطر.
وتُمني الشعوب الخليجية النفس بأن تسفر القمة في دورتها الـ40 عن حل للأزمة التي بدأتها السعودية والإمارات والبحرين، إلى جانب مصر، بمقاطعة قطر، وفرض حصار جائر عليها بمزاعم حول مكافحة الإرهاب أثبتت الوقائع عدم صحتها على أرض الواقع.
ودأبت قطر على تأكيد أن الأزمة الخليجية هدفها التنازل عن قرارها المستقل وسيادتها الوطنية، والتدخل في شؤونها الداخلية، ورسم سياستها الخارجية.