DW- عربية-
إجراءات سريعة ومتلاحقة تم اتخاذها في السعودية. يرى البعض بأن هذه الإجراءات ما هي إلا تحرك لتحسين صورة المملكة التي تضررت كثيراً بعد حادث مقتل خاشقجي واعتقال وتعذيب ناشطات نسويات. آخرون يرون أنها إصلاحات كان لابد منها.
إجراءات متلاحقة اتخذها العاهل السعودي الملك سلمان ويشرف عليها نجله، ولي العهد الأمير محمد، تتنوع بين الاقتصادي والاجتماعي ضمن خطط لتحديث المملكة المحافظة وجذب استثمارات أجنبية والانفتاح على العالم.
هذه الإجراءات المتسارعة تم استقبالها بطريقتين مختلفين تماماً، فهناك من أثنى عليها ورأى فيها محاولة للقطيعة التامة مع زمن مضى كان فيه المجتمع منغلقاً على نفسه بشدة، وأصبح اليوم يسير في طريق التحديث والانفتاح. على الجانب الآخر، هناك من رفض هذه التغييرات جملة وتفصيلاً، ورأى أنها تتصادم مع قيم وثقافة المجتمع السعودي المحافظ، حتى أن بعض من قبلها رأى أنها صادمة في وتيرتها المتسارعة بشدة.
إصلاحات تخفي واقعاً مظلماً
شملت تلك الإجراءات إلى جانب النواحي الاقتصادية، إجراءات متعلقة بتغيير شكل وطبيعة المجتمع السعودي، وهي في ذلك الإطار مسّت بشكل أساسي المرأة السعودية، كالسماح للمرأة بقيادة السيارات وانتهاء شرط ارتداء النساء أزياء تغطيهن بالكامل، كما أصبح مسموحا لأي رجل وامرأة من الأجانب مشاركة غرفة الفندق دون تقديم ما يثبت الصلة بينهما. وأخيرا أعلنت وزارة الشؤون البلدية والقروية السعودية أنه لم يعد أمرا إلزاميا على المطاعم أن يكون لها مدخل للأسر والنساء وآخر للرجال بمفردهم.
#خبر | "البلديــات" تُسهّل وتطور
— وزارة الشؤون البلدية والقروية (@saudimomra) December 8, 2019
اشتراطـــــات "12 نشاط".. شملت
المدارس والمطاعم والمستشفيات
والترفيه.#تسهيل_الاشتراطات_البلدية#وزارة_الشؤون_البلدية_والقروية pic.twitter.com/My0IzU1f49
لكن على الجانب الآخر، صدرت قرارات بالقبض على عدة ناشطين مدافعين عن حقوق المرأة، وتعرضت الكثيرات منهن لسوء المعاملة التي وصلت إلى حد التحرش الجنسي والتعذيب. جاء ذلك ضمن حملة أوسع نطاقاً شهدت القبض على عشرات من الكتاب والشيوخ والاقتصاديين والصحفيين وغيرهم.
أيضاً قامت السلطات السعودية باحتجاز العشرات من الأمراء والوزراء وكبار رجال الأعمال في فندق ريتز كارلتون في الرياض ضمن حملة لمكافحة الفساد اعتبرها منتقدون استعراضاً للقوة وابتزازاً لخصوم ولي العهد. تلك الإجراءت الإصلاحية والمترافقة مع حملات الاعتقال وإغلاق المجال السياسي وصفتها منظمة هيومان رايتس ووتش بأنها "تغيير فادح الثمن".
السعودية: تغيير فادح الثمن https://t.co/8hjPBXMRac
— هيومن رايتس ووتش (@hrw_ar) November 4, 2019
إصلاح وتطوير أم تحسين للصورة؟
تقول منظمات حقوقية دولية إنه لإظهار أن السعودية تطبق إصلاحات حقيقية، ينبغي للملك وولي العهد إدخال إصلاحات جديدة تكفل تمتع المواطنين السعوديين بحقوقهم الأساسية، وأن السلطات تستطيع أن تثبت هذا الالتزام فوراً، من خلال إطلاق سراح كافة المعتقلين تعسفياً أو لتهم متصلة فقط بآرائهم أو تعبيرهم السلمي، بحسب ما قالت هيومن رايتس ووتش.
ويقول الدكتور حمزة الحسن، الباحث والصحفي السعودي المعارض والحاصل على الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة وستمنستر البريطانية، في مقابلة مع DW عربية إن السعودية اليوم تشهد بالفعل تحولات اجتماعية كبيرة قام بها محمد بن سلمان، مؤكداً على أنه لا يتفق مع من يقول إن كل ما قام به محمد بن سلمان هو خطأ، "لكني أستطيع أن أميز الدوافع السياسية خلف الفعل الاجتماعي".
ويرى الباحث والكاتب السعودي المقيم في لندن أن النظام السعودي لديه مشكلتين أساسيتين: مشكلة لها علاقة بالمرأة لأن سمعة السعودية في هذا الإطار سيئة جداً والمشكلة الأخرى تتعلق بالاقتصاد نفسه وأن هذا الوضع الاقتصادي حتى يتغير يجب أن يشارك فيه نصف المجتمع المعطل وهي المرأة، "وبن سلمان يشعر بالضغط عليه في قضية المرأة، ولهذا فبعد أن نضجت قضية المرأة اختطف الخطاب الحقوقي النسوي ورسم نفسه محرراً للمرأة، ثم سجن النساء اللواتي قمن بعمل جبار خلال السنوات الماضية، كما قام بترفيع نساء جدد لكي يلمعن صورة النظام في الخارج وأمام الأمريكيين تحديداً".
يتفق ما يقوله الحسن مع تعيين السعودية لأول سفيرة سعودية، وهي الأميرة ريما بنت بندر سفيرة المملكة في واشنطن، والتي تغرد باستمرار داعمة لقرارات ولي العهد:
These new regulations are history in the making. They call for the equal engagement of women and men in our society. It is a holistic approach to gender equality that will unquestionably create real change for Saudi women. 3/4
— Reema Bandar Al-Saud (@rbalsaud) August 2, 2019
ويرى حمزة الحسن أن الإجراءات التي تنفذ حالياً في السعودية لا يوجد بينها والأحداث التي تقع من حين لآخر رابط زمني أو أنها تحدث كرد أو نتيجة لها، مثل اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي أو حادث إطلاق النار في قاعدة أمريكية والمتهم فيه مواطن سعودي اتهم بالتشدد. ويضيف موضحاً أن هذه الإجراءات وراءها استراتيجية وليس لتلك القرارات علاقة بالأحداث الجارية، "فأصل الاستراتيجية قائم ومرسوم وواضح والتنفيذ يتم من قبل وقوع مثل هذه الأحداث".
الإجراءات الإصلاحية.. حجر في بحيرة ساكنة
لكن الكاتب الصحفي والروائي السعودي هاني نقشبندي يختلف مع هذا الطرح. ويشبه نقشبندي ما يحدث في السعودية ومجتمعها المحافظ "كبحيرة هادئة وساكنة تماماً، وبالتالي فأي حجر صغير يلقى فيها سيحرك المياه بشكل كبير".
وقال إن المجتمع السعودي ولسنوات طويلة كان محط الأنظار وذلك لوجود بعض القرارات غير المقبولة لا داخلياً ولا خارجياً؛ كمسألة منع المرأة من قيادة السيارات، "وبالتالي فأي قرار يتصل بهذه القضية مهما كان بسيطاً كان يأخذ أبعاداً وصدى كبيراً للغاية وليس للآلة الإعلامية السعودية دور في هذا الأمر أبداً وهي لم تقم في ذلك بتضخيم الحدث وإنما المنظومة الإعلامية الدولية هي من غطت الحدث بكثافة شديدة".
ويرى نقشبندي أن "السعودية تشهد بالفعل إصلاحات حقيقية وجذرية وغير مسبوقة وماكان أساساً يخطر على بال من هم في جيلي أن تحدث قبل عام 2040 أو 2050، مشيراً إلى اعتقاده بأن "هناك الكثير من الخطوات التي ستتخذ في المستقبل القريب في مسار الإصلاح والانفتاح".
ولا يرى الروائي والكاتب السعودي حرجاً من أن تعمل الدولة السعودية على تحسين صورتها خاصة وأنها دائماً ما يشار إليها على أنها مصدر للتشدد الديني، "فكونك تسرع من خطواتك لتمسح عنك هذه الصفة بصرف النظر عن الاعتقالات وقضية خاشقجي فهذا أمر جيد"، مضيفاً أن المجتمع الدولي اليوم عبارة عن أسرة واحدة "ولا يمكنك أن تكون خارج هذه الأسرة أو أن تأخذ خطاً مخالفاً، فكونك تسعى للانفتاح اليوم بشكل مستارع وتتجه نحو الحداثة فهذا لا يسيء إليك بل بالعكس يجب أن يستمر، سواء كان مقصود بذاته أو كان وسيلة لتحسين صورة السعودية في الخارج".
تغييرات سريعة.. أكثر من اللازم!
ربما تكون قطاعات واسعة من المجتمع السعودي ذي الأغلبية الشبابية قد تقبلت تلك التغييرات التي يجريها ولي العهد السعودي، لكن الاعتراض الذي برز على السطح هو السرعة التي تتم بها تلك التغيرات.
ويؤكد الدكتور حمزة الحسن، المعارض السعودي البارز، على أن "الترفيه أمر جيد بلا جدال، لكن الجرعة خارجة عن إطار الضبط والحدود والقيم المجتمعية". ويرى الحسن أن "المجتمع السعودي خنقته الوهابية التي تتحرك منذ عقود بأمر القيادة السياسية".
وبحسب حمزة الحسن فإن هناك ضيقاً مكتوماً وخصوصاً في نجد حاضنة الوهابية، مشيراً الى أن الأمير محمد بن سلمان "يريد تغيير الشخصية السعودية كاملة وهذا مستحيل أن يحدث بهذا الشكل وهذه الوتيرة، لأن الجرعة زائدة عن الحد وفيها استفزاز لكل القيم المجتمعية ومتصادمة معها".
وقال إن أحد مظاهر رفض هذا التغيير شديد السرعة لوجه المجتمع السعودي وقوع هجمات على حفلات ترفيهية في أماكن مختلفة، "وهذا كله بسبب الاستفزاز، لأن ابن سلمان يريد حرق المراحل. بلد مغلق منذ 100 عام وفجأة يريد عمل هذا الانفتاح بهذا الشكل فأنت لا يمكنك أن تجعل الأمر على ما هو عليه في الإمارات والبحرين والكويت، وأن ذلك التحول السريع سبب صدمة دينية وحضارية وثقافية ما سينتج عنه رد فعل مضاد وعنيف، فأنت لا يمكنك أن تجعل من الدرعية لاس فيغاس في يوم وليلة".
ربما تكون هذه هي نقطة الاتفاق بين المعارض السعودي البارز الدكتور حمزة الحسن والكاتب والروائي السعودي هاني نقشبندي، إذ يرى الأخير أن هذه القرارات ربما لم تسبب صدمة لكنها أحدثت إرباكاً، "لأن بعضها كان مفاجئاً للغاية بالتغير من النقيض إلى النقيض تماماً، فمثلا كان يمنع فيها على النساء العمل في المحلات العامة والمتاجر، والآن أصبح الأمر إلزامياً، لكن في النهاية يزع الله بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"، حسب رأي نقشبندي.