ملفات » الخلافات القطرية الخليجية

استقبال سعودي دافئ لقطر .. هل بدأ تفكيك الأزمة الخليجية؟

في 2019/12/11

الخليج أونلاين-

لم ينتج عن القمة الخليجية مصالحة إبان انعقادها بالرياض، ولكنها كانت كما بدا خلال مجرياتها السريعة منطلقاً نحو انفراجة للأزمة المستمرة منذ عامين ونيف.

يأتي ذلك في ظل حديث مستمر سبق القمة بأسابيع عن حدوث انكسار في جليد العلاقات بين الدول المحاصرة لقطر (السعودية والإمارات والبحرين)، حيث شاركت منتخباتها في بطولة كأس الخليج (خليجي 24) الذي أقيم في الدوحة، بعد أن أصدرت قراراً بمقاطعتها، وتصريحات رسمية أكّدت وجود مفاوضات بين الجانبين القطري والسعودي.

استقبال دافئ

وكان الاستقبال الدافئ الذي أبداه العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لرئيس الوزراء القطري الشيخ عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني والوفد المرافق له أثناء وصولهم للمشاركة في قمة مجلس التعاون الخليجي بدورتها الـ 40، يوم الثلاثاء (10 ديسمبر 2019)، خطوة متقدمة في العلاقات التي شهدت انكساراً كبيراً بين الجانبين.

وأظهر مقطع مصور بثه التلفزيون السعودي الرسمي، استقبال الملك سلمان وعدد من وزرائه ومسؤوليه للوفد القطري وتبادلهما الحديث والسلام والابتسامات، بينما كان المعلق على الخبر يقول: "أهلاً وسهلاً بأهل قطر في بلدكم الثاني"، ووصفه بـ "الاستقبال الكبير" للمسؤول القطري البارز.

ويعد ذلك اختلافاً واضحاً في لهجة الإعلام السعودي، الذي عمل خلال حصار قطر على استهداف الشقيقة الخليجية والتحريض المباشر ضدها دون أي سبب مقنع.

ولم تكن مشاركة الشيخ عبد الله هي الأولى في قمم الخليج، بل كانت الثانية على التوالي، بعد مشاركته، في 30 مايو الماضي، في القمم الثلاث (الخليجية والعربية والإسلامية)، التي عقدت في مكة المكرمة، بدعوة من العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، وجهها إلى أمير قطر.

ولم يحظ رئيس الوزراء القطري بذات الرحابة التي عُومل بها اليوم، وهو ما يؤكد الإرادة السعودية في طي صفحة حصار قطر، وهو ما قد تظهره الأيام القادمة.

وتعد مشاركة رئيس الوزراء أرفع زيارة لمسؤول قطري منذ بدء الحصار؛ إذ يزور السعودية للمرة الثانية، وهو ما احتسب نقطة إيجابية في خانة الدوحة، وتعبّر عن تغليبها مصلحة الخليج على الخلافات البينية.

ورغم أن الكثير من المؤشرات كانت تتحدث عن مشاركة أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في ظل الدعوة الرسمية من قبل الملك سلمان التي حملها أمين عام مجلس التعاون الخليجي، عبد اللطيف الزياني، فإن المفاوضات الجارية بين الرياض والدوحة لم تنضج بعد للتوصل إلى اتفاق، وفق ما يرى مراقبون.

مفاوضات مؤكدة

ولأول مرة منذ بدء الحصار أكدت السعودية وجود مفاوضات لحل الأزمة الخليجية المفتعلة مع قطر من قبل الدول الأربع، وهو ما سبق أن أعلنه وزير الخارجية القطري قبله بساعات.

وحول ذلك؛ قال وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، في مؤتمر صحفي عقب انعقاد قمة المجلس يوم الثلاثاء (10 ديسمبر 2019): إن "المفاوضات مستمرة، والدول الأربعة تستمر في دعم هذه الجهود، وحريصون إن شاء الله على نجاحها، والأفضل أن يبقى الموضوع هذا بعيداً عن الإعلام".

وذكرت وكالة "رويترز"، يوم الثلاثاء أيضاً، نقلاً عن مصادر لم تسمها قولهم: إن "السعودية خففت موقفها من المطالب الـ13 لإنهاء الأزمة مع قطر، بما في ذلك قطع الدوحة صلاتها بجماعة الإخوان المسلمين (التي نفت وجودها)، وإغلاق قناة الجزيرة، وإغلاق قاعدة عسكرية تركية، وتقليص العلاقات مع إيران".

ويؤكد ذلك ما تحدث به الأمير تركي الفيصل، سفير السعودية سابقاً لدى الولايات المتحدة الأمريكية، في لقاء مع تلفزيون "بلومبيرغ" قبيل انعقاد القمة بساعات حيث قال: إن "المبادرة لإنهاء الأزمة مع قطر كانت سعودية، نحن من ندفع قطر للعودة إلى الجماعة كما كان حالها، وأن تكون عضواً بناء في مجلس التعاون".

وأضاف الفيصل أن "المشاركة الأخيرة من قبل (منتخبات) السعودية والإمارات والبحرين في كأس الخليج كانت إشارة إلى أن هذه الدول الثلاث تريد العمل مع قطر، وإعادتها إلى تجمعنا"، مشيراً إلى أنه يعتقد أن قمة الرياض ستتضمن شيئاً له علاقة بالأمر.

ولفت إلى أنه غير مطلع على مجريات وتفاصيل المحادثات، و"لكن المؤشرات تقول إن شيئاً ما سينتج عنها".

يرى أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة قطر ونائب رئيس مجلس إدارة المركز القطري للصحافة، ماجد الأنصاري، أن "الاستقبال الجيد الذي حازه رئيس الوزراء القطري خطوة أولى ويعكس ما تحدث به وزير الخارجية القطري عن وجود مفاوضات، وحديث تركي الفيصل عن أن السعودية هي من بادرت للمصالحة ما يعني أن الرياض تريد طي صفحة هذا الخلاف".

وأضاف، في حديث خاص مع "الخليج أونلاين"، أنه يعتقد أن "المفاوضات التي تسعى إلى حل أزمة امتدت إلى قريب من ثلاث سنوات، وتعقدت بشكل كبير جداً بسبب إقحام الشعوب وعلو صوت الحملة الإعلامية، لن يتم تحقيق المصالحة فيها خلال أيام قليلة أو مشاورات بسيطة".

وشدد الأنصاري على أن "الدوحة سبق أن أكدت من البداية أنها تريد لأي حل لهذه الأزمة أن يكون حلاً شاملاً مبنياً على المصالح المشتركة واحترام السيادة، وألا يكون فيه إملاءات ضد أي طرف، مع وجود ضمانة لعدم تكرار هذه الأزمة مستقبلاً".

وأكد الأكاديمي القطري أنه يفضل أن تبقى المفاوضات بعيدة عن الإعلام، حتى لا يكون هناك فرصة لمن يريد إفسادها أن يقوم بذلك، "ونحن متفائلون بحذر لأن ذلك ناتج عن تجاربنا خلال السنوات السابقة، ونتمنى أن ينتج ما فيه الخير لشعوب الخليج".

ويوم الجمعة (6 ديسمبر 2019)، قال وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إن هناك مباحثات مع الأشقاء في السعودية، معرباً عن أمله في أن تسفر عن نتائج إيجابية.

وأوضح الوزير القطري، خلال منتدى "حوار المتوسط" بالعاصمة الإيطالية لبحث قضايا الهجرة والأمن في دول المتوسط، أنه لم يعد الحديث يدور عن المطالب الـ13 التعجيزية، مؤكداً أن المفاوضات تبتعد عنها.

وأكمل موضحاً: "انتقلنا من طريق مسدود في الأزمة الخليجية إلى الحديث عن رؤية مستقبلية بشأن العلاقة".

وشدد رأس الدبلوماسية القطرية على أن بلاده "لديها سياستها المستقلة"، مشيراً إلى أن شؤون قطر الداخلية "لن تكون محل تفاوض مع أي طرف".

أبوظبي تحاول العرقلة

وفي خضم تلك المباحثات التي تتعلق بأكثر أزمة معقدة في تاريخ الخليج العربي، ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية، في تقرير لها يوم الثلاثاء (10 ديسمبر 2019)، نقلاً عن محللين، أن الأزمة أضرت بالدول المقاطعة لقطر أكثر مما أضرت بالدوحة، ويبدو أنّ السعودية بدأت باعتماد مقاربة لنزع فتيل التصعيد بعد تبنيها ما يقول خبراء في السياسة الخارجية إنها "سياسات متشددة" أخافت المستثمرين الأجانب.

وقال مصدران مطلعان على المفاوضات، أحدهما دبلوماسي عربي، إن هناك من "يعارض" في أبوظبي إعادة العلاقات، بحسب الوكالة.

وهذا يعني إمكانية وجود "سلام متشعب"، ما يعني قيام الدوحة بتطبيع العلاقات فقط مع بعض الدول المقاطعة لها، ومن بينها السعودية التي تشترك معها في حدودها البرية الوحيدة، فيما يرى مراقبون إمكانية أن تلحق البحرين بما تقضي به الرياض.

من جانبه قال الباحث في جامعة أوكسفورد، سامويل رماني: إنّ "التقارب بين قطر والدول الأخرى يبدو أنه يأتي دون تنازلات كبرى من الدوحة بعدما دفعتها مقاطعة جاراتها لها على خلفية اتهامها بدعم جماعات متشدّدة، إلى تعزيز اعتمادها على نفسها".

وقال مسؤول إقليمي رفيع لوكالة "رويترز"، يوم الثلاثاء، إن الكويت تعمل "بجد بالغ للتوصل إلى مصالحة ... بدعم من الولايات المتحدة".

فيما أشارت الوكالة، نقلاً عن مصادر أخرى، إلى أنه "لا يُعرف الكثير عن الوضع الحالي للمفاوضات، وقد لا تزال الإمارات ومصر ترفضان الخضوع، حيث لا تزال علاقات قطر بالإخوان المسلمين وتركيا موضع خلاف".

في مقابل ذلك قال جيرالد فايرستين، من مركز الشرق الأوسط (مقره واشنطن)، إنه "من غير المتوقع أن يصل النزاع إلى نتيجة نهائية في أي وقت قريب، على الرغم من الدلائل على أن الأطراف تتجه نحو المصالحة"، وفق الوكالة.

وسبق أن تناقلت وسائل الإعلام المحلية والعالمية تقارير كثيرة حول أهمية القمة الخليجية الأخيرة لوضع حد للأزمة التي عصفت بمجلس دول التعاون الخليجي وهزت أركانه بشدة.

ودأبت قطر على تأكيد أن الأزمة الخليجية هدفها التنازل عن قرارها المستقل وسيادتها الوطنية، والتدخل في شؤونها الداخلية، ورسم سياستها الخارجية.