زياد جيلاني وأليكس إيمونز - ذا إنترسبت-
لدى دولة الإمارات العربية المتحدة واحدة من أكثر الحكومات قمعية في العالم. تمارس الديكتاتورية الخليجية قمعا وحشيا ضد المعارضة الداخلية وتفرض ظروفا تعسفية على قوتها العاملة الضخمة من العمال المهاجرين. كما تلعب دورا رئيسيا في الحرب الدموية في اليمن، حيث تدير شبكة من سجون التعذيب في الأجزاء الواقعة تحت سيطرتها من البلاد.
هذا يجعل من الغريب أن دولة الإمارات العربية المتحدة نادرا ما يتم انتقادها من قبل مؤسسات الفكر والرأي المرموقة في واشنطن، والتي لا تكتفي بتجاهل القمع في الديكتاتورية الخليجية ولكتها تقدم أيضا منصة متميزة لسفيرها، «يوسف العتيبة». ويعرف «العتيبة» بكونه أحد الأصوات المؤثرة في السياسة الخارجية الأمريكية وهو معروف في واشنطن باستخدام جيبه لتجنيد الحلفاء.
في الشهر الماضي، بدأ قراصنة إطلاق رسائل مسربة من البريد الإلكتروني الذي يستخدمه «العتيبة» في أعماله الرسمية. وتوفر المجموعة الأحدث من هذه الرسائل نظرة ثاقبة حول الطريقة التي يشتري بها «العتيبة» الأصدقاء في مراكز الفكر الأمريكية. وتقدم الرسائل لمحة عن الطريقة التي قامت بها الملكية الغنية بالنفط باكتساب هذا التأثير المبالغ فيه على السياسة الخارجية الأمريكية.
فاتورة بربع مليون دولار
وتظهر إحدى الرسائل فاتورة موجهة لمركز الأمن الأمريكي الجديد وهو مؤسسة أبحاث وطنية مؤثرة تأسست في عام 2007 بواسطة مسؤولين سابقين في إدارة «كلينتون». وتظهر الفاتورة المؤرخة بيوم 12 يوليو/تموز 2016 قيام السفارة الإماراتية بدفع مبلغ 250 ألف دولار مقابل ورقة حول النظام القانوني الذي يحكم تصدير الطائرات بدون طيار العسكرية. وتم تذييل الفاترة بإمضاء «ميشيل فلورنوي»، وهي مسؤولة بارز في البنتاغون تحت قيادة الرئيس «باراك أوباما»، وكان من المتوقع على نطاق واسع أن «هيلاري كلينتون» سوف تقوم بتعيينها كوزير للدفاع إذا فازت بالرئاسة. و«فلورنوي» هي أحد الأعضاء المؤسسين لمركز الأمن الأمريكي وتشغل حاليا منصب المدير التنفيذي.
وتعتبر مراكز التفكير مؤسسات مستقلة، ولكنها غالبا ما تمول من قبل شركات الأسلحة، وبنوك وول ستريت، وحتى الحكومات الأجنبية. ويتحلى مركز الأمن الأمريكي بالشفافية حول تلقيه أموالا من قبل الإمارات العربية المتحدة، حيث تظهر السفارة الإماراتية كأحد مانحيه على الموقع الرسمي. ولكن غالبا ما تؤكد هذه المؤسسات أن باحثيها مستقلون عن مانحيهم، وأن تحليلهم يعكس إيمانهم الشخصي، وليس مصلحة المانحين الأقوياء.
ولكن الفاتورة التي تم تسريبها تعكس صورة مختلفة: علاقة وثيقة بين المركز الأمريكي والسفير الإماراتي مع قيام السفير بالدفع مقابل إخراج أوراق محددة ومناقشة الآراء مع المؤلفين. وأوضح «العتيبة» في وقت لاحق للمسؤولين عن كتابة أوراق السياسة كيف سيتم استخدام الوثائق لدفع برنامج الطائرات بدون طيار لدولة الإمارات العربية المتحدة.
وفي خانة الوصف الخاصة بها، تفيد الفاتورة أن الأموال تم تقديمها من أجل دعم دراسة المركز حول أنظمة التحكم في تكنولوجيا القذائف الصاروخية. وتشير هذه الدراسة إلى اتفاق ضم 35 دولة يحكم تصدير بعض الأسلحة العسكرية الكبيرة، ويمكن للبلدان التقدم بطلب للحصول على عضوية في هذه اللجنة من أجل تصبح مؤهلة لشراء هذه الأسلحة.
ومثل نظام مراقبة تكنولوجيا القذائف صداعا لصناعة الطائرات بدون طيار لأن بعض منتجاتها تصنف على أنها صواريخ، مما يجعلها أكثر صعوبة في التصدير. كما يثير النظام غضب حلفاء الولايات المتحدة، الذين يرغبون في الحصول على طائرات بدون طيار هجومية متطورة.
وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة أحد البلدان التي واجهت صعوبات بسبب تطبيق هذا النظام. وقد منعت إدارة «أوباما» بيع بعض أنظمة الأسلحة إلى الإمارات لأن النظام يمنع بيعها خارج الدائرة المحددة. وقد دفع بعض المشرعين إدارة ترامب للسماح بإتمام عملية البيع.
وينطوي جزء من حملة السماح لدولة الإمارات بشراء الطائرات بدون طيار على عمل لمراكز الفكر. وفقا لرسائل البريد الإلكتروني فإن «العتيبة» طلب إعداد ورقة خاصة من مركز الأمن الأمريكي حول الأمر. وفي 24 يونيو/حزيران 2016 أرسلت «فلورنوري» إلى «يوسف العتيبة» رسالة نصها: «هذا هو مخططنا المبدئي لدراسة لتحليل الفوائد والتكاليف المحتملة لدولة الإمارات العربية المتحدة من الانضمام لنظام مراقبة تكنولوجيا القذائف كما ناقشنا. واسمح لنا أن تعرف إذا كان هذا يطابق ما طلبتموه».
وفي 11 يوليو / تموز، تابعت «فلورنوي» مع «العتيبة» قائلة:«نحن نعتقد أن الدراسة يمكن أن تتم مقابل 250 ألف دولار. ويسرنا أن نرسل لك اقتراحا منقحا هذا الأسبوع إذا كان ذلك مقبولا». وفي رسالة إلكترونية إلى «العتيبة» في نوفمبر / تشرين الثاني 2016، تحدث «إيلان غولدنبرغ»، مدير برنامج الأمن في الشرق الأوسط التابع للمركز صراحة حول الدعم الإماراتي للورقة منوها أن هذا هو موعد تقديم الشريحة الثانية من قيمة دعم الورقة البحثية.
و«غولدنبرغ» هو أحد المخضرمين السابقين في إدارة «أوباما»، وكان قد تولى قيادة مكتب وكيل وزارة الدفاع لشؤون السياسات الإيرانية. وهو يعمل حاليا كزميل لمعهد الأمن الأمريكي.
وفي فبراير/شباط من هذا العام أرسل «غولدنبرج» الدراسة إلى «العتيبة» عن طريق البريد الإلكتروني، والذي قام بدوره بتمريرها إلى بعض المسؤولين رفيعي المستوى في حكومة الإمارات. وفي شهر مايو/أيار، أرسل «عتيبة» رسالة إلكترونية إلى «فلورنوي» و«جولدنبرغ» يشيد فيها بالدراسة والدور الذي لعبته في دفع جدول أعمال الديكتاتورية الخليجية. وقال «العتيبة» إنه يعتقد أن الدراسة سوف تساعد في «دفع النقاش في الاتجاه الصحيح. بعض منتجي الطائرات بدون طيار وصلوا إلى نتائج مماثلة لذا فإن هذا التقرير يؤكد من جديد حججهم».
وفي يونيو/حزيران، أصدر المركز ورقة عامة حوت نفس الاستنتاجات قال فيها إن «تردد الولايات المتحدة في نقل الطائرات بدون طيار يضر بالمصالح الأمريكية بطرق ملموسة. وقالت إن بعض البلدان تتحول الآن إلى الصين للحصول على التكنولوجيا منوهة أن الإمارات العربية المتحدة واحدة من تلك الدول التي حرمت من بعض مبيعات الطائرات بدون طيار، وبدلا من ذلك تحولت إلى الصين». وكان الهدف المعلن من الورقة هو دفع إدارة «ترامب» لتنفيذ عملية البيع.
وأكد «نيل أورويتز» المتحدث باسم مركز الأمن الأمريكي لموقع ذا إنترسبت إن المؤسسة قبلت 250 ألف دولار لإنتاج الورقة الخاصة لمسؤولي دولة الإمارات العربية المتحدة. ولكنها أكدت أن نتائج كل من الورقة العامة والخاصة امتثلت لسياسة المركز الفكرية التي تؤكد على استقلال الباحثين وسيطرتهم الكاملة على أي محتوى ممول كليا أو جزئيا.
وأشار «أورويتز» أيضا إلى أن المركز كشف عن تلقيه المال من الإمارات العربية المتحدة سواء على موقعه على الانترنت وحتى في شهادة خبرائه أمام الكونغرس. كما أكدت أن المركز لم يتلق أي أموال من الإمارات العربية المتحدة قبل عام 2016.
تكنولوجيا المراقبة
وتظهر مجموعة أخرى من الرسائل المؤرخة بين فبراير/شباط ومارس/أذار قيام «فلونوري» باستخدام بريد إلكتروني خاص للاتصال بـ«العتيبة» وطلبت منه المساعدة في ترويج بيع تكنولوجيا المراقبة الإلكترونية من شركة مقرها الولايات المتحدة إلى الإمارات العربية المتحدة.
وتعتبر حكومة الإمارات العربية المتحدة مستهلكا شائعا لتكنولوجيا المراقبة، وقد اشترت مرارا أدوات التجسس الإلكترونية من الدول الغربية للتجسس على للمعارضين السياسيين. وفي أكتوبر / تشرين الأول، أفادت إنترسبت أن الإمارات العربية المتحدة تقوم بتجنيد جيش صغير من القراصنة الغربيين، الذين يساعدون على تحويل الإمارات إلى دولة المراقبة الأكثر تطورا في العالم.
وفي رسالة بريد إلكتروني أرسلت في فبراير/شباط 2013 إلى «العتيبة»، أعربت «فلونوري» عن فزعها أن شركة دو وهي شركة إماراتية كبرى للاتصالات، اختارت عدم شراء تكنولوجيا خدمات تعتمد على الموقع من شركة بولاريس ويريليس، وهي شركة متخصصة في تتبع الأجهزة الإلكترونية. وتعلن بولاريس على موقعها على الإنترنت عن تكنولوجيا استخبارات لاسلكية يمكن استخدامها في «تحديد وتتبع المشتبه بهم المعروفين». وتمتلك الشركة مكتبا خاصا في دبي.
وقالت فلورنوي لـ«العتيبة» إنها «مهتمة للغاية برؤية الإمارات العربية المتحدة لديها هذه القدرة كشريك أمني رئيسي»، وطلبت منه التدخل لدى وزارة الداخلية والمساعدة في عقد اجتماع لكبار المسؤولين التنفيذيين مع بولاريس.
وكتب «العتيبة» في رده على «فلورنوي» قائلا أنه سيكون من دواعي سروره أن يفعل ذلك ولكن وزارة الداخلية كبيرة جدا. وطلبت «فلورنوي» من «العتيبة» أن يعطي بولاريس فرصة لمجرد إطلاع بعض كبار المسؤولين في الوزارة على القدرات التي يوفرها نظامهم.
وقال «نيكولاس ماكجيهان»، باحث هيومن رايتس ووتش حول الإمارات العربية المتحدة إن الناشطين في البلاد مقتنعون أن الحكومة تستخدم المراقبة الإلكترونية لتتبعهم. وأكد بالقول: «عندما تمكنا أخيرا من الدخول إلى الإمارات - في يناير / كانون الثاني 2014 - كان الناشطون المحليون الذين التقينا بهم يتركون هواتفهم المحمولة في المنزل كلما سافروا، لأنهم لم يرغبوا أن تعرف السلطات أماكنهم. لقد كانوا واثقين أن هواتفهم تستخدم لتتبعهم».
ولم ينكر «أورويتز» المتحدث باسم مركز الأمن الأمريكي وقوع هذه المحادثات من قبل «فلورنوي» ولكنه أكد أن لا علاقة بينها وبين عملها في المركز.
«عرفت ميشيل فلورنوي يوسف العتيبة لسنوات، سواء داخل الحكومة أو خارجها وحديثها عن القدرات الأمنية لدولة الإمارات لا علاقة له بعملها في المركز». وتعمل «فلورنوي» أيضا كمستشار كبير لمجموعة بوسطن الاستشارية المتخصصة في الأمن والدفاع .
رحلة فاخرة على نفقة الإمارات
وفي مارس / آذار، أرسلت مجموعة هاربور، وهي شركة علاقات عامة مقرها العاصمة تعمل لصالح الإمارات مذكرة إلى «العتيبة» توضح تفاصيل رحلة مدعومة إلى الإمارات لمجموعة واسعة من الباحثين البارزين في مجال الأبحاث.
وقالت الرسالة: «نحن نعمل مع براين كاتوليس من مركز التقدم الأمريكي وإيلان غولدنبرج من مركز الأمن الأمريكي الجديد لتنظيم جولة دراسية مدعومة من السفارة لخبراء الأمن الوطني إلى الإمارات في ربيع هذا العام». ويعتبر مركز التقدم الأمريكي أحد أكثر مراكز الديمقراطيين تأثيرا.
تمت تسمية «كاتوليس» و«غولدنبرغ» كمنظمين للرحلة ومن بين الحضور المؤكدين الآخرين كان هناك «كيم كاغان»، من معهد دراسات الحرب «ودانيال بليتكا» من معهد أميركان إنتربرايز المحافظ المرتبط بالجمهوريين.
وشملت قائمة الحضور الإضافيين غير المؤكدين رئيس مركز الأمن الأمريكي «جون فونتين» و«جون بوديستا»، مؤسس مركز التقدم الأمريكى والذي عمل سابقا في إدارتي بيل كلينتون وباراك أوباما.
وضمت الرسالة اقتراحا لجدول أعمال الرحلة: «بالإضافة إلى لقاء كبار المسؤولين الأمنيين ومسؤولي السياسة الخارجية في دولة الإمارات العربية المتحدة نقترح أن يضم البرنامج زيارة لوكالة الفضاء ومركز الخدمة العامة وجولات تعريفية للاطلاع على المشهد الثقافي في البلاد».
ومن بين المسؤولين الذين كان من المقرر أن تلتقي بهم هذه المجموعة «محمد بن زايد» ولي عهد أبو ظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية. ولم يتم إدراج أي معارضين أو ناشطين أو محامين لحقوق الإنسان ضمن المشاركين في الاجتماعات.
وقالت الرسالة إن تكاليف الرحلة سوف تكون ممولة بالكامل من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة. حيث تغطي السفارة أسعار تذاكر درجة أعمال للمجموعة بمبلغ 150 ألف دولار أمريكي إضافة إلى تكاليف الفنادق والوجبات والانتقالات الداخلية.
وأكد «أورويتز» أن خبراءه سافروا إلى الإمارات كجزء من «رحلتين منفصلتين لخبراء الفكر»، ووصفا بأنها «بعثات لتقصي الحقائق».
وقال «أورويتز»: «نظمت دولة الإمارات العربية المتحدة، بالتعاون مع أحد مراكز الأبحاث الشريكة، بعثت لتقصي الحقائق» مؤكدا أن عشرات الدول تنظم مثل هذه الرحلات لخبراء الأمن الأمريكيين.
وفي رسائل موجهة إلى «العتيبة»، كان المسؤولون الإماراتيون واضحون أن الهدف من هذه الرحلات هو التأثير على صناع القرار في الولايات المتحدة ليكونوا متعاطفين مع دولة الإمارات العربية المتحدة. وفي رسالة بالبريد الالكتروني بتاريخ 18 أبريل/نيسان من هذا العام، وصفت «صغيرة الأحبابي»، مسؤولة الشؤون السياسية في السفارة الإماراتية أهمية الرحلة المشار إليها بالإشارة إلى أن «العديد من هؤلاء الخبراء خدموا في مناصب حكومية أمريكية رفيعة، وهم على صلة بصناع القرار». وأضافت أن الهدف من الرحلة هو تثقيف هؤلاء المحللين السياسيين ذوي النفوذ حول سياسات دولة الإمارات العربية المتحدة فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية الرئيسية، وتأكيد التعاون العسكري الوثيق بين واشنطن وأبوظبي.
ويشير بريد إلكتروني منفصل إلى أن «كاتوليس» لعب دورا في تنسيق الرحلات إلى دولة الإمارات العربية المتحدة مع مجموعة هاربور في الماضي أيضا، وتحديدا في أكتوير/تشرين الأول 2015 حين نظم «كاتوليس» رحلة لمجموعة من الخبراء من الديمقراطيين والجمهوريين.
وأثنى «كاتوليس» على الرسائل التي تحاول حكومة دولة الإمارات توصيلها من خلال هذه الرحلات. وقال في أعقاب الجولة الأخيرة: «أفضل ما في الرحلة أنها شملت كل شيء وضمت مجموعة متنوعة من الاجتماعات وكان لقاء القيادة العليا للبلاد أمرا رائعا». وأضاف: «بالنسبة لي كانت زيارة وكالة الفضاء ومركز الخدمة الوطنية أمرا رائعا وأعتقد أنه ساعد في توصيل الرسالة الرئيسية حول الوحدة والإندماج والتسامح».