ميدل إيست آي - ترجمة عربي 21-
أظهرت تسريبات جديدة للسفير الإماراتي في واشنطن، «يوسف العتيبة»، سخرية من الطريقة التي يدار بها الحكم في السعودية، مصحوبة ببعض الشتائم النابية التي طالت القيادة السعودية.
وفي رسائل بريد إلكتروني مسربة، شتم سفير الإمارات في واشنطن قيادة المملكة العربية السعودية بألفاظ نابية؛ إذ وصف القادة السعوديين بكلمات بذيئة «Fu***n coo coo» معبرا بها عن سنوات من الإحباط عاشها الإماراتيون من القيادة السعودية.
وتظهر الرسائل «العتيبة» وهو يسخر من المملكة العربية السعودية في أثناء تواصله مع أحد الصحفيين، تعليقا على قرار «هيئة الأمر بالمعروف» في السعودية في عام 2008 حظر بيع الورود الحمراء في يوم عبد الحب.
وفي رسالة أخرى كتب «يوسف العتيبة» قائلا، إن أبوظبي حاربت السعوديين لمائتي عام بسبب الوهابية، وأن الإماراتيين لديهم من «التاريخ السيئ» مع المملكة العربية السعودية أكثر بكثير مما لديهم مع أي جهة أخرى.
اقتربت الساعة
يرى «العتيبة» في رسائله بكل وضوح أن استلام «محمد بن سلمان» البالغ من العمر واحدا وثلاثين عاما لولاية العهد في وقت مبكر من هذا العام، يعد فرصة لا تتكرر أمام الإمارات لوضع بصمتها على جارتها الأكبر منها بكثير. وتؤكد رسائله قيام الإمارات بدور رائد لتسويق الأمير السعودي البالغ من العمر واحدا وثلاثين عاما إلى جمهور واشنطن المتشكك، بينما كانت السفارة السعودية دائما تقريبا سلبية تماما.
وبحسب ما كشف الموقع، فإن الوزراء السعوديين استثنوا من الدائرة ولم يحاطوا علما بالرحلة التي قام بها «محمد بن سلمان» وشقيقه «خالد» سرا، لمقابلة دونالد ترامب في نادي غولف بيدمينستر التابع له قبل أسابيع قليلة من توجه الرئيس الأمريكي لزيارة الرياض.
وكانت وسائل الإعلام قد تكهنت بأن ترامب كان فقط يقضي نهاية الأسبوع مستمتعا بلعب الغولف، فيما يحتمل جدا أن يكون قد وقع الاختيار على الموقع ليكون مقر الاجتماع السري مع ضيوفه السعوديين، نظرا لأن العزبة الخاصة محمية من الصحفيين وبعيدة عدسات التصوير.
ما من شك في أن عين العتيبة تقر بهذه الاتصالات رفيعة المستوى، التي ساعد شخصيا في الترتيب لها. ففي الحادي والعشرين من مايو من هذا العام، كتب «العتيبة» مخاطبا الكاتب الصحفي في نيويورك تايمز تومس فريدمان: «لقد حاربت أبو ظبي لمدة مئتي عام السعوديين حول الوهابية. لدينا من التاريخ السيئ مع السعوديين أكثر مما لدينا مع أي جهة أخرى. ولكن مع مجيء محمد بن سلمان فإننا نرى تغيرا حقيقيا يحدث، ولهذا نشعر بالنشوة. أخيرا بدأنا نرى الأمل، ونحن بحاجة لرؤيته ينجح».
وفي رسائل متبادلة مع «برايان كاتوليس»، الزميل المخضرم في مركز التقدم الأمريكي، يقول العتيبة: «يذكرني محمد بن سلمان بمحمد بن زايد عندما كان أصغر سنا، ونعم، عندما كان أقل خبرة».
وكتب العتيبة إلى «ستيفين كوك»، الزميل المخضرم في مجلس العلاقات الخارجية قائلا: «وأخيرا، إليك فقط ملاحظتي المتواضعة. محمد بن سلمان رجل إصلاحي، يؤمن إلى حد كبير بكل ما نؤمن به نحن في الإمارات، تمكين الشباب، وإخضاع الحكومة للمحاسبة، وهو شخص مهتم بالإنجاز وتحقيق النتائج. وليس لديه وقت للضعف والعجز وانعدام الكفاءة، تحفزه الرغبة في إنجاز الأشياء وفي إصلاح الأمور، وليس الانقلاب على القصر أو التلاعب بالسلطة».
بث بذور الشك
إلا أن «العتيبة» لم يستنكف عن لعب السياسة داخل بيت آل سعود ذاته، فهو يعلم يقينا بأن الأمير الشاب دخل في مواجهة مع ابن عمه الذي يكبره سنا، «محمد بن نايف»، وعمل على إقصائه.
كان «بن نايف» يتمتع بسمعة حسنة في الولايات المتحدة باعتباره اليد الأمينة التي يمكن الاعتماد عليها في محاربة الإرهاب، وبناء عليه فقد كانت مهمة المبعوث الإماراتي بث بذور الشك لدى الأمريكان في قدراته.
في تبادل للرسائل في الرابع عشر من ديسمبر/كانون الأول 2015 مع «دافيد باتريوس»، المدير السابق للمخابرات الأمريكية سأل باتريوس العتيبة عما إذا مازال لدى «محمد بن نايف» نفوذ داخل المملكة. فأجابه الأخير قائلا: «المؤكد هو أن محمد بن سلمان أكثر نشاطا فيما يتعلق بمعظم القضايا اليومية، ويبدو أن محمد بن نايف في الفترة الأخيرة ينأى بنفسه قليلا».
وعاد باتريوس ليسأل: «نحتاج إلى وجوده فيها أيضا، فوزارة الداخلية مهمة بالنسبة للمملكة. يحتاج لأن يشكل تحالفا مع العضو الأصغر. سوف نشجعه على ذلك عندما نذهب إلى هناك».
فرد العتيبة عليه قائلا: «موافق. نحن بصدد حالة نادرة يتوقف فيها نجاح المملكة العربية السعودية على نجاح محمد بن سلمان ومحمد بن نايف العمل معا، وأعتقد أن العلاقة الثنائية فيما بينهما أقوى بكثير مما يبدو أن الناس يظنونه هنا. ولكني أعتقد أن مستوى ثقة محمد بن نايف بذاته لم تعد حيث كانت».
بعد ذلك بستة شهور كتب العتيبة إلى ستيفين كوك يقول له إنه «سيستغرب جدا فيما لو حاول محمد بن سلمان القفز من فوق محمد بن نايف»، ولكنه أضاف: «لقد قابلت محمد بن نايف مؤخرا، وبإمكاني القول باختصار إنه لم يكن في أحسن أحواله، ولسانه منعقد».
هجمات خاطفة
كانت نتائج الجهد المبذول في مجال العلاقات العامة لصالح «محمد بن سلمان» مبهرة، ففي يناير 2015، كان هو ووالده سلمان – ولي العهد في حينه – على وشك فقدان العرش السعودي.
كان الملك «عبد الله» في غيبوبة في مستشفى الحرس الوطني السعودي، الذي يديره ابنه الأمير «متعب»، ومكث في المستشفى ما لا يقل عن عشرة أيام قبل وفاته، وأحيطت حالته الصحية بالكتمان الشديد، ولم يكن مطلعا عليها سوى شخصين في الديوان الملكي، ابنه متعب ورئيس الديوان الملكي «خالد التويجري».
وتقول مصادر موقع ميدل إيست آي التي كانت على اطلاع مباشر على مجريات الأحداث، إن «التويجري» و«متعب» كانا يخططان لتزوير توقيع «عبد الله» على مرسوم يعزل ولي العهد «سلمان» من منصبه؛ بزعم أنه غير مؤهل للاستمرار في شغله، فقد كانت أعراض الخرف واضحة عليه في كانون الثاني/ يناير 2015، على أن يتولى «مقرن بن عبد العزيز»، الذي كان حينها وليا لولي العهد، وليا للعهد منصب الملك ويعين الأمير «متعب» وليا لولي العهد.
بالنسبة لسلمان وابنه الطموح «محمد»، كان التحرك بأقصى سرعة من أهم الأمور، فبادرا بزيارة غير معلنة إلى المستشفى وطالبا بأن يريا الملك. قابلهما «التويجري» وحاول ردهما بإخبارهما بأن الملك كان متيقظا في وقت سابق، ولكنه الآن يرتاح تحت تأثير جرعة من المخدر، إلا أنهما أصرا، ودون علم «التويجري» واجها أحد الأطباء في المستشفى، فما كان من الطبيب المذهول إلا أن اعترف لهما بأن الملك دخل فعليا في غيبوبة منذ أيام، وأن المآلات لا تبشر بخير.
فانطلق «بن سلمان» عبر الممر داخل المستشفى ليواجه «التويجري»، وتقول مصادر موقع ميدل إيست آي إن الناس سمعوا صوت صفعة عندما لطم محمد «بن سلمان» التويجري على وجهه محذرا إياه أنه سيصبح شيئا من الماضي حينما يصبح والده ملكا. وبمجرد أن انكشف سر مرض الملك، حتى أسقطت خطة تزوير المرسوم الملكي.
وما إن أصبح سلمان ملكا، حتى استخدم خطة «التويجري» ضد المجموعة التي خسرت المعركة داخل العائلة الملكية. ثم طرد «التويجري» وخلال شهرين من ذلك خلع مقرن من منصب ولي العهد، وتم تنصيب «محمد بن نايف» في موقعه القديم. وعندما جاء وقت التخلص من «محمد بن نايف» استخدم الملك الصيغة نفسها متهما إياه بانعدام الكفاءة العقلية.
لم تكن تلك هي الحالة الأولى التي نقل فيها عن الأمير الشاب استخدامه للعنف البدني أو تهديده باستخدامه. فقبل سنوات، عندما كان والده يرغب في إعادة تخطيط قطعة أرض ورفض القاضي تمريرها، ذهب الأمير لزيارته، ووضع رصاصة على مكتب القاضي وقال له: «إما أن توقع الورقة أو أضع هذه الرصاصة في رأسك».
دعم «ترامب»
قبل أن يستكمل ابن سلمان صعوده إلى أعلى سلم السلطة ويستولي على منصب ابن عمه الذي يكبره سنا، كان لابد له من الحصول على دعم «ترامب» له.
وفعلا، في الثالث عشر من آذار/مارس من هذا العام، كانت تجتاح واشنطن عاصفة ثلجية غير عادية حالت دون وصول المستشارة الألمانية «أنغيلا ميركل»، التي كان من المفروض أن تبدأ زيارة دولة رسمية في اليوم التالي. حينها كان «محمد بن سلمان» ووزير الخارجية «عادل الجبير» وبقية أعضاء الوفد السعودي قد وصلوا واستقروا في المدينة، ومن المقرر لهم الاجتماع بالرئيس «ترامب» وبكل من «جاريد كوشنر» و«ستيف بانون» في السادس عشر من آذار/مارس.
التقط «العتيبة» الفرصة، واقترح أن يغتنم البيت الأبيض الشاغر الذي طرأ على برنامج الرئيس والاستفادة من الوقت للتعرف على الأمير الشاب.
أشيد باللقاء وبالغداء واعتبر الحدث نجاحا باهرا، على الرغم من أن «ترامب» قال لبعض موظفيه إنه شعر بالاشمئزاز وهو جالس على الطاولة وجها لوجه مع السعوديين، الذين يقطعون من الرؤوس أكثر مما تقطعه تنظيم الدولة الإسلامية.
بعد ذلك بشهور قليلة، تم الإعلان عن أول زيارة لـ«ترامب»، رغم أنه كان في بداية الأمر مترددا، وكان لابد من الحديث معه لإقناعه بالمضي قدما. كان الإماراتيون المحرك الأساسي من وراء الرحلة، وكانوا أصحاب فكرة جلب زعماء الدول العربية للحضور.
كان يتوجب أولا على «محمد بن سلمان» وشقيقه الأصغر «خالد» إبرام صفقة مع «ترامب».
في يوم السبت السادس من مايو/أيار، غرد «ترامب» عبر حسابه في تويتر يقول إنه يقيم في منزله في بيدمينستر، بمدينة نيوجيرسي. وقد اتضح الآن أن «محمد بن سلمان» وشقيقه «خالد»، الذي يحتل الآن منصب السفير السعودي لدى الولايات المتحدة، انضما آنذاك إلى «ترامب» في نيوجيرسي حيث تم لأول مرة اقتراح استثمار 40 مليار دولار في البنية التحتية الأمريكية، بالإضافة إلى صفقات سلاح بقيمة 500 مليار دولار.