بعد أشهر من التكهنات ومكائد القصر، زلزل العاهل السعودي الملك «سلمان» خط الخلافة في المملكة اليوم 21 يونيو/حزيران بتسمية ابنه القوي «محمد بن سلمان» وليا للعهد، وإزاحة الأمير «محمد بن نايف» ولي العهد السابق وتجريده من جميع مناصبه. وهذه هي المرة الثانية التي يقوم فيها «سلمان» بتعديل خط الخلافة منذ وصوله إلى العرش في يناير/كانون الثاني 2015. وتعد هذه الخطوة مثيرة للجدل بالنظر إلى أنها تحجب شرائح كبيرة وقوية عن خط الخلافة. وإذا صعد الشاب «بن سلمان» العرش، فقد يعني أن السعودية ستحكم لمدة ستة عقود من قبل الأب والابن.
إعلان اليوم له العديد من الآثار الهامة. ولكن لا شيء مهم بقدر الثقة التي تودع في «بن سلمان» الذي جمع بالفعل ما يكفي من القوة ليطلق عليه اسم «رجل كل شيء» من قبل الحكومات الغربية. وفي حين ركز «بن سلمان» سلطته فإن «بن نايف» تم تهميشه بشكل تام بعد إبعاده عن مسؤولية وزارة الداخلية وجميع الأدوار القيادية الأخرى.
الملك القادم
وإذا أصبح «بن سلمان» ملكا، فإنه سيكون أصغر حاكم سعودي في التاريخ الحديث، وربما يكون قادرا على الحكم لمدة عقود طويلة. ومن المعروف أن ولي العهد يقود الإصلاح الاقتصادي في البلاد، وهو جدول أعمال من المحتمل أن يستمر في دفعه، وقد يوجه انتباهه إلى إحداث تغيير اجتماعي أيضا.
ولعل الأهم من ذلك أن لدى «بن سلمان» مصلحة خاصة في محاولة حل التحديات الاقتصادية والاجتماعية الطويلة الأمد للمملكة العربية السعودية، بما في ذلك اعتمادها المفرط على قطاع النفط وتزايد الدعوات إلى المزيد من الحريات الاجتماعية. وخلافا لجميع القادة السعوديين الذين تراجعوا عن جهود الإصلاح فإنه لا يتمتع بهذه الرفاهية لأن أي تسويف من شأنه أن يخلق مشاكل كبيرة في المستقبل.
ثمن الإصلاح
ومع ذلك، فإن التغيير سوف يأتي بثمن لأن أي جهد لدفع حدود الإصلاح الاجتماعي في المملكة يخاطر بقصقصة ريش المؤسسة الدينية المحافظة التي يرى الكثيرون في العائلة المالكة أنها أساس شرعية حكمهم. العديد من السعوديين لا يزالون يؤمنون بشدة بالنسيج الاجتماعي المحافظ للبلاد، ويمكنهم أن يستاءوا من التغييرات السريعة في الضوابط الاجتماعية. ونتيجة لذلك، يجب إجراء أي إصلاح بعناية عند تقييم الضغط من الجمهور.
في الواقع، اضطر «بن سلمان» بالفعل إلى سحب بعض اقتراحاته لعلاج العلل الاقتصادية السعودية: في أبريل/نيسان، أعاد الملك إعانات القطاع العام، بعد سبعة أشهر من القضاء عليها لتحسين عجز الموازنة. ودفعت المقاومة الشعبية الملك »سلمان« إلى استبدال وزير المياه والكهرباء في الشهر نفسه بعد الاحتجاج على رفع قيمة الفواتير.
لا تعني حقيقية أن «بن سلمان» صار أقرب إلى العرش أنه سوف يصبح أكثر قدرة على دفع إصلاحاته. إذا كان التعديل قد أزعج أعضاء آخرين من «بيت سعود» - وخاصة الجيل الثالث من أحفاد الملك عبد العزيز بن سعود الذين تم حجبهم تماما عن خط الخلافة - فإنهم سوف يبحثون عن سبل لتعطيل ولي العهد.
ومع ذلك فإن «بن سلمان» صنع لنفسه اسما في الداخل والخارج. ولم يكن له دور فعال في قيادة الإصلاح الاقتصادي الذي دعت إليه رؤية 2030 فحسب، بل إنه وضع بصماته على السياسة الخارجية السعودية واستراتيجية الدفاع الإقليمي من خلال منصبه كوزير للدفاع في البلاد. وكان له دور فعال في تدخل المملكة في اليمن وموقفها العدواني المتزايد تجاه إيران.
كما عمل «بن سلمان» بجد لبناء علاقة وثيقة مع الولايات المتحدة. وصور الأمير الشاب نفسه بمهارة على أنه شخص ينسجم تماما مع الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب، لكنه يفتقر إلى عقد من الخبرة التي جمعها «بن نايف» في حملته ضد تنظيم القاعدة كما أن تدخل المملكة العربية السعودية في اليمن، الذي كان واحدا من التحركات الأولى له كوزير للدفاع، أثبت أنه مكلف ولا يزال ولي العهد يواجه خطر الانتكاس على هذه الجبهة.
نجح «محمد بن سلمان» في الارتقاء بسرعة داخل أورقة السلطة منضما إلى صفوف قادة دول مجلس التعاون مثل نظيره المقرب «محمد بن زايد». لكن القضايا الاقتصادية والاجتماعية في المملكة العربية السعودية أصعب بكثير من القضايا التي تواجه دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث دور آل نهيان آمن وراسخ. ذلك على الرغم من أن بن سلمان حاليا هو وريث العرش فإن ارتقاءه إليه سيعتمد على مدى نجاحه في التغلب على التحديات ومدى قدرته على التعامل مع المشكلات من خلال العمل الملموس.
ستراتفور- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-