التغيير المتوقّع الذي حدث في السعودية (بعد صلاة التراويح يوم أول من أمس) بإعفاء ولي العهد الأمير محمد بن نايف، وتعيين محمد بن سلمان، وليّاً للعهد، كان متوقّعاً ومرتقباً، كأحد أركان الأجندة السعودية- الإماراتية الجديدة في المنطقة، التي بدأت بقرارات مقاطعة قطر وحصارها.
التغيير مرتبط، أولاً وقبل كل شيء، بترتيب البيت السعودي الداخلي، وإنهاء حالة القلق والترقّب والتكهنات الهائلة، التي صاحبت "التركيبة الجديدة"، بين ولي العهد السابق، محمد بن نايف، وولي ولي العهد (ولي العهد الحالي) محمد بن سلمان، الذي امتزج بالقلق من احتمالية وجود خلافات على الحكم، في حال تعرّض الملك لأيّ مكروه.
كانت الأمور مرتبكة بالسعودية وحائرة، وكأنّنا أمام خطيّن في السياسات الرسمية، أو رهانين من قبل الدول والحكومات الأخرى يتواريان حول كل واحد من الرجلين، محمد بن نايف ومحمد بن سلمان، ولكلّ منهما موقفه ورؤيته تجاه السياسات الداخلية والإقليمية، وأدواره.
ورغم أنّ محمد بن سلمان أخذ بالتدريج بالإمساك بملفات الاقتصاد والسياسات الخارجية والإعلام، بينما فضّل محمد بن نايف التواري عن الإعلام، ما مهّد الطريق لصعود بن سلمان وإمساكه بمفاصل الأمور، إلاّ أنّ ذلك لم يكن ليتواءم مع التركيبة الرسمية في النظام، ومع الاحتمالات المستقبلية، فجاء الحسم.
على الصعيد العربي، فإنّ هنالك دلالات رئيسية في التغيير يتمثّل أوّلها في تعزيز وتوطيد التعاون السعودي- الإماراتي، وإنهاء أي احتمالات أخرى لمراجعات أو استدارات سعودية جديدة، كالتي حدثت بعد تولّي الملك سلمان الحكم في بداية 2015، وبدأت بعاصفة الحزم، ثم التقارب مع تركيا، وتدوير الزوايا الحادة من الخلافات مع قطر، وشهدت تبايناً مع الأجندة الإماراتية بخصوص ملفات عديدة، مثل الإسلام السياسي، والموقف من مصر، والعلاقة مع تركيا وقطر.
لكن في مرحلة لاحقة، عادت السياسات السعودية إلى رهانات العام 2013، التي تلت الانقلاب العسكري في مصر، وتتمثل في تدشين أجندة تنظر إلى الإسلام السياسي عموماً بوصفه حركات إرهابية، في مقدمة ذلك الإخوان المسلمون، محاولة إعادة قطر إلى "بيت الطاعة الخليجي"، وازدواجية الأخطار بين النفوذ الإيراني وداعش، ويمكن، إضافةً إلى كل ذلك، تعزيز العلاقات مع إدارة الرئيس ترامب، بعد أن شهدت فتوراً وآذنت بتحولات كبيرة خلال مرحلة أوباما، بخاصة في معادلة العلاقات الأميركية- الإيرانية.
يترتب على هذا التغيير، بتأكيد زعامة محمد بن سلمان، المضي قدماً في المشروع السعودي- الإماراتي بترتيب البيت الخليجي، وإيجاد نظام عربي جديد، لدعم نظام السيسي بمصر، ووضع الإخوان المسلمين في مصفّ الجماعات الإرهابية، والضغط على الكويت لاتخاذ خطوات لتضييق الحصار على قطر، والإصرار على تغيير الوضع القطري، بعد أن تبدّدت رهانات محتملة لقطر على دور حالي أو مستقبلي لمحمد بن نايف، الذي لم تكن علاقاته على ما يرام مع الإمارات، وتحديداً ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد.
يبقى رهان قطر الأخير في فك الحصار على العامل الحاسم وهو موقف الولايات المتحدة، مع وجود فجوة واضحة بين كل من الرئيس ترامب من جهة، وأركان إدارته من جهةٍ أخرى، والمؤسسات الأميركية المعنية، الخارجية والدفاع والاستخبارات، من جهةٍ ثالثة.
الانعكاس الأكثر أهمية سيكون على الحركات الإسلامية، بخاصة جماعة الإخوان المسلمين، التي وصلت حالة الحصار إلى عملية "خنق" كاملة، ويبدو أنّ حماس هي أول من يحاول الالتفاف على الوضع الراهن، فيما تسارع حركات متعددة، الجماعة الإسلامية في لبنان، والإصلاح في اليمن، إلى الإعلان عن فك الارتباط بالإخوان عالمياً!
د. محمد أبورمان- الغد الأردنية-