ترجمة وتحرير فتحي التريكي- جيوبوليتيكال فيوتشرز-
تواجه المملكة العربية السعودية عددا من التحديات الخطيرة التي تهدد بزعزعة استقرار البلاد. انخفاض أسعار النفط، والاضطرابات في الشرق الأوسط، والنزاع الأخير مع قطر ليست سوى أمثلة قليلة. والآن فإن الاهتزاز في الأسرة المالكة ربما يصعب مهمة البلاد في مواجهة هذه المشاكل.
وكان العاهل السعودي الملك «سلمان» أعلن في 21 حزيران / يونيو الماضي أن ابنه «محمد بن سلمان» سيكون ولي العهد الجديد والأول في ترتيب العرش، ليحل محل ابن شقيق الملك «محمد بن نايف». كانت الخطوة متوقعة، لكنها من المتوقع أن تثير مشاكل داخل العائلة المالكة مع كون «محمد بن سلمان» البالغ من العمر 31 عاما هو أصغر سنا بكثير وأقل خبرة من المرشحين المحتملين الآخرين لهذا الدور.
سوابق جديدة
على الرغم من كونه الثاني في خط العرش خلف «محمد بن نايف»، كان ابن الملك بالفعل ثاني أقوى عضو في العائلة المالكة بعد الملك حتى قبل هذا التغيير. منذ أن أصبح ملكا في عام 2015، كان العاهل السعودي البالغ من العم 81 عاما يعد نجله لتولي منصب ولي العهد، عبر إعطائه المزيد من الصلاحيات وأبرزها منصب ولي ولي العهد الذي تولاه في أبريل/نيسان من نفس العام، على الرغم من ضعف خبرته. وبالتدريج، كان ابن الملك يطغى على ابن عمه ولي العهد «محمد بن نايف».
وبالإضافة إلى فقدانه دور ولي العهد، تم عزل «محمد بن نايف» من سائر من ناصبه الأخرى بما في ذلك وزير الداخلية في حين أن ابن الملك لا يزال يحمل عددا من الألقاب الأخرى، بما في ذلك وزير الدفاع.
كان قرار استبدال ولي العهد ليكون أمرا غير مسبوق لولا أن «سلمان» أزال أخيه غير الشقيق من منصبه قبل عامين لتعيين «محمد بن نايف». ولكنه رغم ذلك لا يزال مناورة محفوفة بالمخاطر يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى إثارة المعارضة.
هناك العديد من الأمراء الآخرين في الجيل الثالث من عائلة آل سعود الذين هم أكثر خبرة من ولي العهد الجديد. «محمد بن نايف»، البالغ من العمر 57 عاما، لديه تاريخ كبير في وزارة الداخلية ونجح كسب قدرا كبيرا من الاحترام في واشنطن لجهوده الرامية إلى تحجيم تنظيم القاعدة.
ومن بين المرشحين الآخرين الأمير «متعب بن عبد الله»، وزير الحرس الوطني السعودي؛ والأمير «تركي بن فيصل»، رئيس المخابرات السابق والسفير السابق لدى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة؛ والأمير «خالد بن فيصل» حاكم مكة ووزير التعليم السابق. كل هؤلاء المرشحين هم أكثر إنجازا بكثير من «محمد بن سلمان»، وهم أيضا أكبر منه بكثير.
تلعب الرياض على نغمة شباب ولي العهد الجديد وتقدمه كتغيير إيجابي للمملكة، التي كان يحكمها تاريخيا الملوك الأكبر سنا. وهذا قد يكون له على الشعب السعودي الذي لا تتجاوز معدلات أعمار 75% منه سن الـ35. ولكنه أيضا صدمة لثقافة ونظام الدولة القبلية التي تقدر بعمق مبدأ الأقدمية.
وقت غير مناسب
يدرك الملك أن هذه خطوة محفوفة بالمخاطر، وهذا هو أحد الأسباب التي دفعته إلى إعادة الاستحقاقات التي تم خصمها من موظفي الدولة. ونفذت الحكومة إجراءات تقشف في سبتمبر/أيلول الماضي بسبب انخفاض أسعار النفط وانخفاض احتياطيات النقد الأجنبي، وشملت التدابير تخفيضات في المرتبات وغيرها من الاستحقاقات للعاملين في القطاع العام. وفي أبريل/نيسان، أعاد الملك البدلات قبل أن يعود في 21 يونيو/حزيران ليعلن أن العمال العموميين سيحصلون على العلاوات التي فقدوها منذ اتخاذ التدابير بأثر رجعي، ربما في محاولة للحصول على الدعم الشعبي لتولية نجله ولاية العهد.
وكانت الحكومة حريصة على إظهار أن انتقال السلطة إلى ولي العهد الجديد كان سلسا. وأعلن أن تعيين ولي العهد الجديد كان مدعوما من 31 عضوا من 34 عضوا من أعضاء هيئة البيعة. كما بث تلفزيون الدولة صور ولي العهد المنتهية ولايته وهو يبايع ولي العهد الجديد. ومن غير المرجح أن يؤدي هذا التغيير إلى اضطرابات في المدى القصير؛ لأن الأسرة المالكة تخشى أن أي معارضة من داخل النظام الملكي يمكن أن تضيف إلى التحديات الاجتماعية والاقتصادية الأخرى في المملكة. لكن الاستياء، إلى جانب المخاوف من أن الأمير الشاب قد لا يكون مستعدا للتعامل مع هذه التحديات، من المرجح أن يسبب بعض المعارضة بين النخبة الحاكمة على الطريق.
في الوقت الراهن، تعد مشاكل المملكة الأخرى هي أكثر إلحاحا بكثير. إن أكبر تهديد لاستقرار السعوديين هو انخفاض أسعار النفط، حيث أن اقتصاد البلاد يعتمد اعتمادا كبيرا على قطاع الطاقة. بعد أن ارتفع سعر النفط الخام إلى ما يقرب من 58 دولارا للبرميل في بداية العام، بلغ أدنى مستوى له في تسعة أشهر عند 43 دولارا للبرميل تقريبا. وفي الأسابيع القليلة الماضية وحدها، انخفض السعر بنحو 10 دولارات للبرميل الواحد. ويستخدمون السعوديون عائدات النفط لدفع رواتب القطاع العام ومدفوعات النظام الاجتماعي. ولكن بالنظر إلى أن أسعار النفط من غير المرجح أن ترتفع إلى المستويات التي يحتاجها السعوديون لدفع نفقاتهم دون أن يغمسوا احتياطياتهم، فإن الحفاظ على الاستقرار الداخلي سيكون صعبا.
وبالإضافة إلى ذلك، تم إعطاء الكثير من الاهتمام لمبادرة تسمى رؤية 2030 يقودها «بن سلمان» وتهدف إلى إجراء تغييرات على الاقتصاد السعودي. لكن هذه التغييرات تتطلب إصلاحا شاملا للنظام السياسي في البلاد، وهذا يستغرق وقتا طويلا يبدو غير متاح في المملكة.
ويواجه البلد أيضا تحديات تتجاوز حدوده. وقد اضطرت المملكة العربية السعودية إلى موقف مستحيل من الاضطرار إلى إدارة الاضطرابات المتزايدة في العالم العربي، في الوقت الذي تتعرض فيه زعامتها للعالم السني للتهديد من قبل تركيا والدولة الإسلامية. في الواقع، كما يظهر النزاع الأخير مع قطر، فإن السعوديين لا يمتلكون القدرة على السيطرة على التكتل الصغير المسمى مجلس التعاون الخليجي. كما أن المملكة العربية السعودية أصبحت أكثر فأكثر عرضة لإيران وحلفائها الشيعة العرب الذين يرغبون في الاستفادة من الاقتتال الداخلي بين الدول العربية والجهات الفاعلة غير الحكومية.
هذا هو وقت غير مناسب لزعزعة الاستقرار المحلي. ولكن كما تعلمنا الجغرافيا السياسية، نادرا ما يتخذ القادة قراراتهم في الأوقات المناسبة.
تاريخيا، كانت المملكة العربية السعودية قادرة على الصمود، لكنها لم تواجه أبدا مثل هذه الاختبارات الشاقة، داخليا وخارجيا. وصلت المملكة إلى طريق مسدود حيث الطرق القديمة لإدارة شؤونها لا تعمل، واحتضان نموذج جديد صعب للغاية. تتغير القيادة بشكل راديكالي، ولكن التغييرات التي يتم فرضها ربما تجعل الأمور أسوأ فقط.