ستراتفور- ترجمة وتحرير شادي خليفة -
في نظام الملكية المطلقة في المملكة العربية السعودية، يكون رأي الملك هو الحاسم المطلق. وفي 21 يونيو/حزيران، اتخذ الملك «سلمان» قرارًا كبيرًا هز سلم الخلافة إلى عرش المملكة، مع الإعلان عن إزالة ابن أخيه «محمد بن نايف»، من دور ولي العهد لصالح ابنه «محمد بن سلمان». وتوج هذا القرار العديد من الخطوات عبر عامين مهدت طريق «بن سلمان» من خلال استحواذه على قوة أكبر والمزيد من المسؤوليات القيادية. وفي حين يمثل التحول تغييرًا كبيرًا لمسار الخلافة، فإنه يتبع الطريق الذي رسمه الملك منذ فترة طويلة.
وقد أكد العديد من الموظفين السابقين والوزراء منذ تولي «سلمان» العرش في يناير/كانون الثاني عام 2015 أنّ الإصلاح الاقتصادي أولوية قصوى للمملكة. وقد أعلن الأمير عن خطة الإصلاح الاقتصادي «رؤية 2030» مبكرًا، وكان «محمد بن سلمان» وجهًا عامًا للإصلاح منذ ذلك الحين.
وقبل أن يعلن عن التعديل الأخير، بدأ الملك «سلمان» بالفعل سحب جميع القوى والسلطات التي كانت في يد «محمد بن نايف». وفي نهاية الأسبوع الماضي، تم تغيير اسم مكتب التحقيق والادعاء العام ليصبح مكتب النيابة العامة، وتمت فصله عن وزارة الداخلية التي كان يقودها قبل أن يجرده «سلمان» من جميع المناصب. وتم تعيين نائب عام بدلًا من ذلك تصل تقاريره بشكلٍ مباشر إلى الملك. ومن المرجح أن يكون هذا التحرك له ما بعده. وقد يكون له علاقة بأهداف الإصلاح الاقتصادي، خاصةً وأنّ المكتب يحقق في حالات الغش الاقتصادي المحلي (بالإضافة إلى إجراء بعض التحقيقات المتعلقة بالإرهاب).
لكنّ التغييرات التي طرأت على مكتب النيابة العامة أدت بوضوح إلى تغير في سياسات القصر أيضًا. وأدت عمليات الإصلاح الأخرى للأجهزة السعودية خلال العام الماضي، بما في ذلك التغييرات التي تم تنفيذها في نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2016، وأبريل/نيسان عام 2017، إلى تعزيز سلطة «بن سلمان» داخل الحكومة، وخاصةً فيما يتعلق بالمسائل الاقتصادية والدفاعية.
ولعل أهم عنصر في برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يقوده «بن سلمان» هو التحرك نحو طرح 5% من شركة النفط السعودية المملوكة للدولة، شركة أرامكو السعودية. وسيكون هذا البيع، الذي من المتوقع أن يحقق ما بين 25 مليار دولار و100 مليار دولار، المحرك المالي الذي يساعد على إصلاح الاقتصاد في البلاد. وستذهب الأموال إلى الصندوق السعودي للاستثمار العام، الذي سيستخدمها في الاستثمارات الاستراتيجية للبلاد محليًا وخارجيًا، والتي تقوم عليها مبادرات الإصلاح الاقتصادي والتنويع والتحول.
تلميع أرامكو
واستثمر صندوق الاستثمار العام في شركة أوبر، وضخ 45 مليار دولار في صندوق الاستثمار التكنولوجي الذي يقوده سوفت بانك بقيمة حوالي 100 مليار دولار، والذي تم إطلاقه الشهر الماضي. ويعتبر مفتاح النجاح هو تعظيم تقييم أرامكو السعودية بحيث يمكن للمملكة جني أكبر قدر ممكن من عوائد الاكتتاب العام. وكثيرًا ما تكون شركات النفط المملوكة للدولة أسوأ من نظيراتها في الأسواق المالية، لأنها تكون معرضة للمخاطر السياسية، لاسيما بالنظر إلى المساهمات الكبيرة التي تقدمها إلى الاقتصاد الوطني الأوسع. ومع أخذ ذلك في الاعتبار، وتحت قيادة «بن سلمان»، سعت الرياض إلى تعظيم قيمة أرامكو السعودية بتقليل العبء الضريبي على الشركة.
ولتحقيق هذه الغاية، خفضت الرياض الالتزام الضريبي على شركة أرامكو في مارس/آذار من 85% إلى 50%. ويزيد هذا التحسن من عائدات الشركة بنسبة 333%، والذي من الناحية النظرية، يجب أن تزيد ثلاث مرات من تقييم أرامكو السعودية وعرض أسهمها. وتشير التقديرات الخارجية إلى أنّ هذا من شأنه أن يدفع تقييم الشركة إلى ما بين تريليون و 1.5 تريليون دولار، مما يعطي الاكتتاب قيمةً تتراوح بين 50 مليار و75 مليار دولار. ومع ذلك، يعتقد «بن سلمان» أنّ قيمة جوهرة تاج المملكة يجب أن تصل إلى 2 تريليون دولار. لذلك تخطط الرياض مزيد من الوسائل لزيادة قيمتها، بما في ذلك الإعفاءات الضريبية لمبيعات الوقود المحلية المدعومة بشكل كبير من الشركة.
وعلى الرغم من أنّ «بن سلمان» كان يضغط بقوة لصالح الاكتتاب العام، إلا أنّه واجه تحدياتٍ داخلية من الحلفاء وأعضاء الأسرة المالكة الذين لديهم حساسية تجاه مثل هذه القرارات، ويرون أنّ جعل جزء من أرامكو السعودية عامًا، يمكن أن يقلل من نفوذهم أو قد يقلل من العائدات. ومن منظورهم، تنتمي ثروة الشركة المملوكة للدولة إلى العائلة المالكة. وبعيدًا عن التوتر داخل العائلة المالكة، بقي ولي العهد على رأس قيادة أرامكو السعودية.
أكثر خطورة
وفي الأسبوع الماضي، ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أنّ المديرين التنفيذيين لشركة أرامكو السعودية قد أطلعوا مجلس الوزراء السعودي على الموقع المحتمل للاكتتاب العام، حيث ترغب قيادة الشركة في الذهاب إلى سوق لندن للأوراق المالية، لأنّها تعتبر أقل القرارات خطورة. إلا أنّ «بن سلمان» يفضل إدراج الاكتتاب العام في بورصة نيويورك.
وقد تكون قائمة الاكتتابات التي تستند إلى بورصة نيويورك خطوة أكثر خطورة في الواقع، وقد تعرض أسهم أرامكو السعودية إلى الدعاوى الجماعية والأضرار التي قد تنتج عن قضايا قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب. وعلاوةً على ذلك، ستحتاج أرامكو السعودية إلى الالتزام بقواعد لجنة الأوراق المالية والبورصات لشركات النفط، التي تتطلب من البلدان الإبلاغ عن الاحتياطيات. وحرصًا على الاكتتاب العام، سمحت المملكة بالفعل بمراجعات طرف ثالث لاحتياطياتها. كما تتطلب لجنة الأوراق المالية عادةً من شركات النفط نقل الاحتياطيات إلى طور الإنتاج في غضون خمس سنوات أو إزالتها. وبالنسبة للرياض، التي تتبع نظرة طويلة الأجل بشأن إنتاج النفط، لن يسير ذلك بشكلٍ جيد.
لكن هناك المزيد وراء تفضيل «بن سلمان» للاكتتاب العام في الولايات المتحدة. فبالإضافة إلى كونه مسؤولًا عن الإصلاحات الاقتصادية، يحمل «بن سلمان» أيضًا مسؤولية الدفاع في السعودية، وفي كلا المجالين، تتفق رؤيته العالمية بوضوح مع واشنطن. وعلى الصعيد الأمني، كانت السعودية تميل بشدة لدعم الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب وغيرها من المبادرات للحد من نفوذ إيران في المنطقة. وتلعب هذه الديناميكية دورًا في أزمة مجلس التعاون الخليجي الحالية. وفي الوقت نفسه، في رحلة «بن سلمان» عام 2016 إلى الولايات المتحدة، أجرى مجموعة كبيرة من الصفقات مع شركات التكنولوجيا الأمريكية (بما في ذلك أوبر) أثناء زيارته لوادي السيليكون، مما يشير إلى أنّه مهتم أكثر بالتناغم مع الولايات المتحدة اقتصاديًا أيضًا.
وبالنسبة إلى «بن سلمان»، لا يعد الاكتتاب العام لشركة أرامكو السعودية وسيلةً فقط لتمويل رؤية عام 2030، وإنّما هو أيضًا وسيلة للتقارب مع الولايات المتحدة، وهذا هو السبب في أنّه يدفع باتجاه إدراج الشركة في بورصة نيويورك. ويعتبر هذا دورًا أرفع بكثير بالنسبة لشركة أرامكو السعودية من دورها المؤسسي الذي شهدته حتى الآن، ويأتي مع ذلك مخاطر قد لا تكون الشركة مستعدة لمواجهتها. لكن منذ أن تولى «بن سلمان» الأجندة الاقتصادية في المملكة، كان صعوده شبه متواصل. ومع آخر ترقياته داخل الحكومة السعودية، ليس هناك ما يشير إلى أنّه سيواجه صعوبة في فرض طريقته في إدارة اكتتاب أرامكو.