جورجي جوكوف- قناة الجسر-
كثير من السعوديين والمهتمين بالشأن الخليجي كانوا يدركون منذ تعيين الأمير محمد بن سلمان وليا لولي العهد بعد صعود والده إلى الحكم أن المُراد الحقيقي من هذه الخطوة هي السير به نحو كرسي الحكم مستقبلا.
ومع وجود هذه القناعة لدينا جميعا، إلا أننا كنا نتساءل: متى؟ وكيف يمكن إزاحة رجل قوي مثل “محمد بن نايف” من طريقه! رجل متغلغل بأجهزته الأمنية في جميع مفاصل الدولة، ويحظى باحترام المؤسسة الدينية ويكن له الكثير من القيادات ولاء كبير بالإضافة للزخم الشعبي الذي حصده جراء موضوع محاربة الإرهاب.
كنا نعتقد كذلك أن العقبة لن تكون محصورة بمسألة كيف يمكن إقناع أفراد العائلة الحاكمة بشخصية بن سلمان كبديل، بل يتعدى ذلك إلى سؤال: كيف يمكن إقناع العالم بدحرجة محمد بن نايف المعروف لديهم ربما قبل أن ينهي بن سلمان صف الرابع الابتدائي في المدرسة.
ما حدث ليلة السابع والعشرين من رمضان كان “الجواب” المربك لهذه التساؤلات والحدث الضخم الذي جاء على حين غِرة بعد يومين من رؤية بن نايف وهو يستقبل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في مطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة. فما الذي حدث في يومين فجأة ليتم تجريده من كل مناصبه بخطاب جاف جرده من كل شيء؟ إنها لحظة تاريخية لم تشهدها السعودية منذ خمسين عاماً، وسيكون لها ما بعدها.
بلا شك كان هناك العديد من الإشارات التي سبقت لحظة “العزل”، كلها كانت تقول لابن نايف صباح مساء أنه متجه إلى هذا المصير، لكن لم يدر بخلد أحد أن يكون ذلك الموعد هو تلك الليلة وبهذه السرعة. دعونا نسرد سريعا أبرز الإشارات التي سبقت الحدث:
– أولا: دمج ديوان ولي العهد بالديوان الملكي، وهذا الديوان كان يمثل المكتب التنفيذي لولي العهد، ويضم مكاتب المستشارين للسياسة الداخلية والشؤون الدينية والعلاقات الدولية، بالإضافة إلى المكتب الخاص بولي العهد. وبهذا يشترط لأي تحرك أو تواصل خارجي لابن نايف أن يمر أولا عبر الديوان الملكي ليأخذ الأذن منه.
– ثانياً: إعفاء ذراع وسند “بن نايف”، الدكتور سعد الجبري وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء بعد ٧ أشهر من تعيينه، تم ذلك دون استشارة بن نايف ودون معرفة الأسباب، وكانت ضربة مؤلمة لوزير الداخلية والوزارة كلها، فقد كان الجبري مقربا جداً من بن نايف، يرافقه في معظم سفرياته ويعتمد عليه كثيراً في الملف الأمني، لدرجة لم يستطع بن نايف أن يقطع علاقته به حتى بعد الإعفاء من كل مناصبه الرسمية، فهو الصندوق الأسود وكاتم أسراره، ونستطيع أن نقول أنه كان الجزرة التي تقابل عصا الهويريني مدير المباحث العامة.
– بعد ذلك جاء تأسيس “مركز الأمن الوطني” الخاضع لإشراف الملك شخصيا الذي يتعين مديره دون الرجوع لوزير الداخلية.
– ثم جاء فصل هيئة التحقيق والادعاء العام التي كانت تحت إشراف الداخلية وجعلها مستقلة ومرتبطة بشكل مباشر بالملك، مع استقلالية “النائب” أو “المدعي العام” ليكون اتصاله المباشر بالديوان الملكي. رافقها إنهاء خدمة الفريق عثمان المحرج مدير الأمن العام وإحالته إلى التقاعد. (شخصية مقربة من بن نايف كذلك).
بالإضافة إلى ما سبق، نعلم أن بن نايف كان رئيسا لمجلس الشؤون السياسية والأمنية لكن عمليا كان محمد بن سلمان يصول ويجول كما لو كان هو الرئيس كل ذلك بتفويض من والده، إلى أن تحولت فيها كثير من أدوار “محمد بن نايف” إلى مناصب “شرفية” دون سلطة حقيقية.
ففي الوقت الذي كانت صلاحيات بن سلمان تتسع يوما بعد يوم، كانت صلاحيات بن نايف في المقابل تتقلص وتضعف إلى درجة اعتاد فيها الإعلام على تجاهل بن نايف والاكتفاء بإبراز نشاطات بن سلمان.
ولا زلت أذكر “صحفنا المحلية” الحج الماضي حين فتشت عن نشاط تكتبه كخبر لمحمد بن نايف فلم تجد سوى أنه أمر بزيادة رشاشات الماء لتخفيف الحر على الحجاج!
محمد بن سلمان بلا شك جريء وجسور، فعل ما كان يحلم بمثله فريق خالد التويجري حين كانوا يرتبون لمتعب بن عبدالله “موضعا” مشابه، فهم أصحاب فكرة منصب “ولي ولي العهد”، لكن لم يكن لديهم نصف جرأة “بن سلمان” فجاءت كل هذه الترتيبات في صالح الأمير الصغير وتبخرت كثير من أحلام “متعب” وقريبا سيتبخر المتبقي منها.
المثير هنا بالمناسبة، أن محمد بن سلمان علِم منذ فترة ليست بالقريبة بالخطة التي كان يسعى لها “بن زايد” و “التويجري” في موضوع عزل “سلمان” من ولاية العهد في عهد الملك عبدالله، وترويجهم لأخبار إصابته بمرض الزهايمر والخرف، ومع ذلك يبدو أن بن سلمان قرر طي هذه الصفحة لهدف أكبر يطمح له، اتضح لنا هذه الأيام فعلا.
وضع بن سلمان يده في يد محمد بن زايد وتطابقت وجهات نظرهم في كثير من الملفات الساخنة في المنطقة لدرجة أن يصرح بن سلمان للرئيس الروسي بوتين بأن “سوريا” لم تعد تهمه ويمكن التفاهم حولها.
بالنسبة لخالد التويجري (الذي عُزل قبل دفن الراحل الملك عبدالله) فقد تكررت زياراته للديوان ولقاءته بابن سلمان، وأكثر من ذلك ربما يعود قريبا ليشغل منصبا رسميا في الدولة.
ما علينا،، نعود لموضوعنا..
كيف تم إزاحة “الرجل القوي” بن نايف وكيف تهيأ الوقت المناسب؟
حسناً أستطيع أن اختصر لك القصة بعنوان قصير ملخصه “الفرصة السانحة”،، وإذا سألت عن كيف سنحت هذه الفرصة؟ يأتيك الجواب:
بداية، هناك مجموعة من المواقف المبعثرة نحتاج لوضعها أمامنا معاً لتتضح لنا كامل الصورة، لإنه لا يمكن اختصار” الانقلاب” الذي حدث بالمشهد الأخير الذي أظهر الرجل القوي أمام الكاميرات يبايع الأمير الصغير بصوت مخنوق.
سأحرص على الاختصار قدر الإمكان، وأعلم أن الاختصار هذا الذي أكتبه أدناه سيكلفك على الأقل كوبين من عصير الليمون البارد، لنبدأ:
١– دعونا نعود للوراء قليلا، وأبدأ باجتماعات الأمير محمد بن سلمان بمجموعة من الاقتصاديين والمثقفين والإعلاميين لتسويق رؤية ٢٠٣٠. ففي إحدى هذه الاجتماعات صرح بن سلمان بوضوح للحاضرين أن أعداء السعودية ثلاثة على الترتيب: ١– إيران، ٢– داعش، ٣– الإخوان المسلمين.
وقال أن إيران لديها مخططا لتصدير الثورة إلى جميع البلدان الإسلامية، وداعش والإخوان المسلمين يشتركان في فكرة “عودة الخلافة الإسلامية”، لذلك جميعهم أعداء لنا.
هذه المعلومة سهل التأكد منها بسؤال أحد تعرفه كان من الذين شربوا شاهي “الياسمين”، لكني لا أظن أن الأمر يحتاج للسؤال، فجواب بن سلمان في لقاء داود الشريان حين سأله عن سبب هجوم الإعلام المصري على السعودية ربما يكفيك، إذ رد الأمير بقوله “تقصد الإعلام الإخونجي”! حتى “الشريان” لم يتوقع هذا الرد، فقال: أعتقد ياطويل العمر أنه الإعلام الحكومي وليس الإخوان!
أصر بن سلمان على أن الذي يشتم السعودية وحكامها هو “الإعلام الإخونجي” فإبراهيم عيسى، وخالد صلاح، ووائل الإبراشي، وأحمد موسى، وتامر أمين، وخير رمضان ويوسف الحسيني كلهم إخونجية!
طبعا هو بلا شك يعلم أن القائمة هذه ليست “إخوان”، لكن أردا من جوابه أن يوجه رسالته للجمهور بأنه قد حزم أمره وقرر تحويل الخصومة إلى “الإخوان” العدو.
اختار الأمير كلمة “إخونجي” وهي لفظة شوارعية أقرب منها لمصطلح يليق أن يستخدمه الساسة في الحديث فضلا عن الرجل الثالث في السعودية. ولو لاحظنا أن الإمارات التي لا يجاريها أحد في العداء لهذه الجماعة لم يسبق لها أن نزلت لهذا المستوى في الحديث، لكن كما ذكرت هي مقصودة وتخفي “كراهية” شديدة تشربها في فترة زمنية قصيرة.
إذا، محمد بن سلمان قرر عن “عمد” وضع الإخوان المسلمين في قائمة الأعداء وجعلهم في نفس كفة إيران وداعش من حيث خطورتهم على السعودية. وبالمناسبة هذه القناعة قطعا لم تكن لدى بن سلمان قبل وصول أبيه للحكم، لكنه تأثر بكل القناعات التي صدرتها أبو ظبي بشأن الإخوان وآمن بها.
تفاجئ الكثير بتصريحه هذا، لكن كيف سيكون الحال لو سمعوه وهو يهدد بـ”فوج خوالي”! الذين سيطلقهم على الشعب إذا قاوموه، وقوله إن بوسعه أن يفعل بنا كما فعل السيسي بالمصريين لو أراد! طبعا عاد وأكد أنه لن يقوم بذلك، لكنه في نفس الوقت شدد أنه لن يسمح لأحد بأن يعترض على هذه الرؤية التي ضحى بسمعته لأجلها على حد قوله.
انتهينا من (١)، ضعوه على الرف،
٢– للنتقل إلى مشهد آخر، الآن لدينا دولة غنية لديها سلاح فتاك ساهم في زعزعة “كراسي” الحكم في أكثر من دولة عربية، هذه الدولة هي “قطر” وسلاحها “الجزيرة” التي تراها “الإمارات” و”مصر” و “السعودية” سلاحا نوويا يوفر منصات مستمرة “للعدو اللدود” الإخوان، وبوسعه نقل كل “صوت” مزعج لا يرغب أبناء الثورات المضادة أن يسمعوه.
بقاء “الجزيرة” يذكرهم بطائرة “بن علي” يوم هرب، وصوت الأغلال في يدي حسني مبارك وهو ممتد على كرسيه خلف ”القضبان” في المحكمة، وصورة القذافي ملطخا بالدم على وجهه ومن خلفه شاب ناقم يحاول أن يغرس عمودا خشبيا في مؤخرته.
“الجزيرة” صوت لابد من إسكاته، لذا كان ذلك من أبرز المطالب الـ”١٣” التي قدمتها دول الحصار لقطر.
أمر آخر، هناك عشرات الصحف الشبابية تتلقى دعما من قطر، تنادي بالحريات وحقوق الشعوب وتخاصم “الاستبداد” وتندد بالانتهاكات التي يتعرض لها أبناء الربيع العربي الذين يطالبون بمحاربة الفساد واسترداد حقوقهم ويرغبون في المشاركة السياسية.
هذا كله شكل رغبة كبيرة في الانتقام ولو بأثر رجعي من “قطر”.
قال توم مالينوسكي مساعد وزير الخارجية الأميركية السابق لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان خلال جلسة استماع في مجلس النواب عن العلاقات الأميركية السعودية إلى أن ما يذاع عن تمويل قطر للإرهاب لم يكن السبب الرئيسي وراء اندلاع الأزمة، وإنما الخلاف بين السعودية وقطر فيما يخص الربيع العربي.
وقال مالينوسكي “إن الناس يدركون أن الغضب المشروع حيال تمويل قطر جماعات متطرفة حول العالم ربما لم يكن السبب الأول والأهم في اندلاع الأزمة الخليجية، أعتقد أن أولوية السعودية على مدى السنوات الماضية كانت محاربة ما يمكن الإشارة إليه بالربيع العربي، وهو التحدي الذي واجهته الحكومات السلطوية في عدد من دول المنطقة من قبل الشباب الليبراليين الذين يسعون لرؤية الديمقراطية على جانب وإلى الإخوان المسلمين على الجانب الآخر”.
انتهينا من (٢)،، ضعوه على الرف الآن بجوار (١).
٣– لدينا رئيس جديد في الولايات المتحدة الأمريكية، يرى أن الإسلام سبب الإرهاب ويصدر المتطرفين الذين يفجرون اليوم في أوروبا وغيرها من الدول. ويعتقد هذا الرئيس أن السعودية وغيرها من دول الخليج ساهمت في دعم المتطرفين، وأنهم يستفيدون من أمريكا في حماية عروشهم بالمجان.
هذا الرئيس يرى كذلك أن “حماس” جماعة متطرفة تعبث بأمن إسرائيل ومن حق إسرائيل التخلص منها.
حسناً،استطاعت السعودية بالمال أن تغير قناعة “ترامب” عنها، ودعته لزيارتها ليرى بأم عينه أننا دولة نحارب الإرهاب ولدينا مركزا خاصا لمحاربة التطرف (تم بناءه في شهر)، وأن بوسعنا جمع الدول الإسلامية كلها ليستمعوا إلى ماذا يريد الرئيس الجديد للولايات المتحدة.
كذلك يجب أن يعرف ترامب أن استقرار المنطقة يهمنا، وليس لدينا مشكلة مع “إسرائيل”، ويمكننا فتح صفحة جديدة معها، ولا مانع من تكوين “حلف ” لمحاربة “إيران” تكون إسرائيل عضوا فيه، لذا كان مقترح “ترامب” حول تشكيل حلف أمني وعسكري على غرار الناتو محل ترحيب من السعودية والإمارات ومصر .
مصر والسعودية والإمارات تصنف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، إذا كيف يمكن “إخراج” حماس من هذا التصنيف؟ صعب.
مقاومة؟؟ لم يعد أحد يريد أن يسمع كلمة “مقاومة” لإنها تعني “إرهاب”.
لذلك كانت النتيجة الحتمية لهذا الموقف أن يُصرح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في معرض الخلاف مع قطر بأن “حماس” جماعة إرهابية يتوجب على قطر التوقف عن دعمها.
إذا كانت حماس “جماعة إخوانية إرهابية”، فالسؤال من يدعمها؟ ويحتضن قادتها؟
مرة آخرى نجد “قطر” على رأس تلك الدول، لذلك قرر “العرب” بيع غزة وبيع قطر وبيع القضية الفلسطنية المزعجة في نظرهم، ترامب ذكر ذلك بوضوح فقال أنه تحدث للقادة في الرياض عن تجفيف الإرهاب ومنابعه فأشار بعض قادة الدول” عليك بقطر” !
كوشنر زوج ابنت “ترامب” وعراب علاقة بن سلمان مع ترامب موجود هذي الأيام في إسرائيل لتنسيق وترتيب علاقة جديدة بين إسرائيل والسعودية تتسع تدريجيا لتشمل بقية الدول العربية كما قال وزير الإعلام والاتصالات أيوب قرا لموقع «ميكور ريشون». والأمر ليس جديدا كما يبدو فقد أكد الكاتب (زفى باريل) أن الأمير محمد بن سلمان عقد لقاءات متعددة مع الإسرائيليين منذ عام ٢٠١٥.
لذا لاغرابة أن تخبرنا صحيفة «هارتس» قبل أيام بأن تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد فى السعودية يعد خبرا سارا لإسرائيل والولايات المتحدة!
اقتربنا من قصة عزل بن نايف الآن،
٤– الأمير محمد بن نايف لديه صداقة قوية مع الأمير “تميم” وهي صداقة قديمة ومتينة، وفي المقابل الأمير محمد بن سلمان لديه علاقة مع محمد بن زايد وهي أقرب لعلاقة “مصالح” أكثر من كونها صداقة حقيقية، فمحمد بن زايد وعد بن سلمان كما ظهر في تسريبات السفير الإماراتي “العتيبة” بالعمل على إقناع الدوائر الأمريكية بشخصية بن سلمان وضرورة الوثوق به، ومحمد بن سلمان قابل هذه الخدمة بالمضي في مشروع أبو ظبي في المنطقة، لاسيما مشروع القضاء على الإخوان الذين يرونهم يمثلون خطرا وجوديا على دول الخليج وبقية حكام الدول العربية الذين نجو من آثار الربيع العربي.
الآن، كيف بدأت قصة الهجوم على قطر.. وكيف تم عزل بن نايف على إثرها..
بجمع العناصر والمواقف أعلاه، نجد أن “الحرب” على قطر يمكن أن تحقق أهدافا كثيرة كما يتصوره اللاعبون الرئيسيون في “السعودية” والإمارات” ، فعلى سبيل المثال: يمكن توجيه تهم الإرهاب المُدعاة ضد “السعودية” في المؤسسات الأمريكية إلى دولة “قطر”، وبدلا من إيقاف “جاستا” يمكن إيجاد دولة آخرى تتحمل تبعاته ربما هذا أسهل، فلتكن قطر إذاً.
يمكن كذلك التخلص من رافد إعلامي ومالي كبير للإخوان المسلمين، وتعطيل الصداع المزمن “قناة الجزيرة” الذي لازال يُنظر إليها كمنبر للشعوب العربية، وكذلك بضرب قطر يمكن التخلص من الداعم الكبير لحماس والذي يحتضن قادتها ومن ثم يسهل القضاء على غزة حينها لايوجد “قناة جزيرة” تنقل مايحدث وتهيج الشارع العربي، وفوق هذا كله يمكن استخدامه كسبب جوهري للإنقلاب على محمد بن نايف.
إنها فرصة ذهبية، لا تتكرر،، فكيف تحرك هذا الملف فجأة؟
قبل زيارة “ترامب” وعقد قمة الرياض، هناك كلام أن الأمير محمد بن نايف وتميم تحدثا حديثا وديا حول مستقبل الحكم في السعودية، تم تسجيله ومن ثم استغلاله ذريعة لإقناع الملك باتهام “محمد بن نايف” بالتخابر مع “قطر”، ربما ذلك يفسر كلمة ”المبررات” التي ناقشتها هيئة البيعة التي وردت في خطاب الإعفاء.
ساعة الصفر،،
الجميع كان بحاجة إلى نقطة للإنطلاق والهجوم، كيف نبدأ الحرب على قطر؟ لابد من نقطة بداية لإن الأمور إلى قبل لقاء الرياض تبدو للمتابع وكأنها “سمن على عسل” فمشهد الملك سلمان وهو يرقص بعصاه بجوار تميم على الدفوف القطرية لازال حاضراً في أذهان الجميع!
فهل كان يغيب عن الملك سلمان قبل هذه الزيارة التاريخية أن قطر تمول الإرهاب وتدعم الحوثي وداعش والنصرة واكتشف ذلك مؤخرا؟
وهل هي المرة الأولى التي نسمع التسجيلات القديمة مع “القذافي” الملف الذي أُغلق وتفهمت السعودية أسبابه سابقا؟ لا، لكن اجترار الماضي كان ضروريا لحبكة الفلم،،
كانت نقطة البداية هو اختراق وكالة الأنباء القطرية” قنا” ليلة الثلاثاء ٢٣ مايو إذا نُشر من خلالها تصريحات منسوبة للأمير تميم بن حمد في حفل لتخريج الدفعة الثامنة من مجندي الخدمة العسكرية، وبحسب ما جاء في تلك التصريحات فقد انتقد الأمير اتهام قطر بدعم جماعات إرهابية، كما رفض تصنيف الإخوان المسلمين ضمن الجماعات الإرهابية، وكذلك دافع عن أدوار حزب الله وحركة حماس وإيران والعلاقة معها!
على إثرها شنت جميع الصحف الرسمية السعودية والإماراتية وما يملكانه من قنوات إعلامية هجوما عنيفا كاسحا بدى للجميع مفاجئاً في حدته راغبا في تخطي الكثير من الأعراف الدبلوماسية المعهودة بين الدول وخصوصا الخليجية.
لم يهتم أحد لبيان الشيخ سيف بن أحمد آل ثاني، مدير مكتب الاتصال الحكومي القطري والذي أكد فيه أن موقع وكالة الأنباء القطرية “تم اختراقه من قبل جهة غير معروفة “ و أن ما نُشر “ليس له أي أساس من الصحة”.
حتى الذين خافوا أول الأمر عن حسن نية من انزلاق الخليج في مشكلة كبيرة بسبب فبركات لا حقائق، اكتشفوا لاحقا أن جهود التهدئة غير مجدي لإن المهاجمين لم يعودوا بحاجة أصلا للقصة برمتها.. لذلك اختفى الحديث عن هذه التصريحات. وتم فتح كل الملفات القديمة.
ولو نلاحظ، لا الإعلام السعودي ولا الإماراتي ولا المطالبات التي قدمتها دول الحصار مؤخرا لقطر ذكرت قصة التصريحات المنسوبة لوكالة الأنباء القطرية، وهذا يدل على أن الأمر مُبيت له والحاجة لفبركات “قنا” كان مجرد مفتاح المعركة تم استخدامه للدخول فقط.
دخل الديوان الملكي بكل ما يملك من أدوات هذه المعركة وخرج للضوء المستشار الذي كان يأمر وينهى بالتلفون فقط“ سعود القحطاني” بعد أن تجنب الظهور بهذا الزخم في وسائل التواصل الإجتماعي لأكثر من ١٥ عاماً. فنزل مهندس قروب الواتسب الإعلامي لهذه الأزمة وأنزل من قيمة السعودية، وجعل مستقبلها مرهونا بقصائد وشيلات يجترها من قصص الماضي.
تحول الموضوع إلى معركة “صفرية”، وكأن المطلوب هو تحويل قطر في وقت قصير إلى عدو لدود، ومسح كل ما هو “جميل” من ذاكرة الناس عنها حتى لو كان ذلك يدخل في الشأن الاجتماعي لا السياسي.
كان مهما للداخل السعودي أن تصبح “قطر” خطرا على السعودية وأن يصبح البقاء فيها أو التواصل مع أي من مؤسساتها خيانة للوطن، أكثر من ذلك كان مجرد التعاطف القلبي فقط يكلفك ٣–٥ سنوات سجن مع غرامة مالية كبيرة.
بعدما تم خلق هذا الجو المشحون بالعداء جاءت الفرصة المواتية لعزل بن نايف.
تم طلب الأمير محمد بن نايف لمقابلة الملك لأمر هام لا يحتمل التأخير، وحين حضر إلى قصر الصفا، تفاجأ بوجود أعضاء هيئة البيعة ومن ينوب عنهم برئاسة مقرن، وتم مواجهته وفجيعته بتهمة التخابر “مع قطر العدو”.
تم إبلاغ بن نايف بالإعفاء ومبرراته وأن الملك غاضب جداً منه، كان الأمير هادئا لكنه مصدوما ولم يعترض، حدث تصويت بالفعل وصُدم بن نايف بنسبة التصويت الساحقة ضده وترجحت الكفة لصالح محمد بن سلمان.
انتهى الاجتماع وطُلب من الجميع الحضور لمبايعة الأمير محمد بن سلمان غدا بعد التراويح، وخرج بن نايف ليجد بن سلمان أمامه ينتظره في الصالة المجاورة أمام الكاميرات، وتم تسجيل المبايعة القصيرة التي رأيناها جميعا.
كان قرارا صادما لكبار الضباط في جميع قطاعات الداخلية المختلفة، وكذلك لبقية الشعب، حتى الذين لا يحبونه ويرونه “مستبدا” و”قمعيا” من الدرجة الأولى، كان الجميع ينظر إليه كرجل دولة قوي استطاع المحافظة على التوازنات داخل السعودية، وعلى خُطى من سبقه في الثقل الدبلوماسي في المواقف الخارجية.
خطاب الإعفاء كان مهينا لشخصية خدمة الأمن أكثر من ٢٠ سنة ونجح في التصدي للإرهاب في السعودية، إذ كان الإعفاء أقرب للطرد منه لأي شيء آخر، إذ أعتاد السعوديون أن يسمعوا عبارات مثل “بناء على طلبه” أو “لظروفه الصحية” مع إعفاء أي شخصية اعتبارية من منصبها.
وفي أحيانا كثيرة يتم تعين هذه الشخصية “مستشارا خاصا” كما حدث مع الأمير مقرن، أو سفيرا إذا كان في منصب وزاري غير سيادي.
لكن ما حدث مع الأمير نايف كان تجريدا من جميع المناصب دون أي كليشة أدبية تحفظ له ماء وجهه أو تقدر له سنينه الطويلة في الداخلية.
بن نايف غاضب جدا ولم يحضر صلاة العيد، وما حدث لاحقا من تسريب مقطع “فيديو” له وهو يصلي في الحرم غير صحيح، إذ هو حقيقة من العام المضي تم دبلجته ليبدو وكأنه لهذا العام.
تم تعيين الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد، وأول قرار اتخذه لدغدغة الناس هو عودة البدلات والمكافأت المالية بأثر رجعي، ومع ذلك كانت الصدمة لفريق بن سلمان أن الهاشتاق الترند في أول أيام العيد هو معايدة “الأمير محمد بن نايف”.
أما الصحف الأجنبية فأطلقت على بن سلمان لقب “أمير الفوضى”. و صحيفة الفايننشال تايمز كتبت تقريرا وتحذير للولايات المتحدة من خسارة بن نايف والرضا بابن سلمان لإنه كما تقول الصحيفة يمثل تهديدا للمنطقة ما ينعكس على مصالح أمريكا وأمنها القومي.
مقالات مشابهة نُشرت كذلك في واوشنطن بوست، وفورن بوليسي، نييورك تايمز كلها تحذر من ترك مستقبل المنطقة بيد شخصية “متهورة” كما يصفونه.
قبل أيام كذلك تحدث مسؤول أمني روسي لصحيفة سبوتنيك الروسية فقال: إن روسيا لديها علاقات جيدة مع السعودية، لكنها تتخوف من التعامل مع بن سلمان فهو بلا خبرة و شخصية لا يمكن توقع ردة فعله.
الأمير محمد بن سلمان أصبح وليا للعهد هذي “حقيقة”، لكنه إذا ما أراد الوصول للعرش فمن الضروري أن يصل إليه بتنازل من أبيه وهو على قيد الحياة لا أن ينتظره حتى يموت.
فكثير من الأمراء إنما يهابون الآن “سلمان” ومكانة “الملك” أكثر من شخصية “محمد”، وقد تنشأ مشكلة كبيرة بعد وفاة الملك إذا انتظر إلى ذلك الوقت، وكذلك ربما يحتاج لجلب رجاله إلى قطاعات الداخلية الكبيرة التي يميل ولاء قاداتها الكبار لبن نايف لكن ضريبته قد تكون مكلفة أمنيا.
كذلك يتوجب عليه أن يثبت للعالم أن سياسته الخارجية ليست مندفعة ومحسوبة وأن يبادر بسرعة في حلحلة موضوعي “اليمن” و ”قطر” . ( لايوجد مؤشرات حتى الآن بهذا الخصوص).
أما إذا بقي الحال كما هو عليه الآن، فدعواتنا لهذا البلد بالحفظ والصون من كارثة قد تجرنا والمنطقة كلها إلى الهاوية.