إريش تايمز- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-
في منتصف الصيف، ومع نهاية شهر رمضان سريعًا، أصبحت الرياض مرجلًا يغلي من الحرارة الحارقة. وقد ارتفعت معها درجة الحرارة السياسية في العاصمة السعودية وعبر المنطقة بشكلٍ ملحوظٍ هذا الأسبوع، مع أنباء اقتراب الشاب المتعجل الطموح من عرش بلدٍ يقبع في قلب الاضطراب الحالي في الشرق الأوسط.
وفي الساعات الأولى من يوم الأربعاء، بعد وجبة السحور، جاء الإعلان الدرامي بأنّ الملك «سلمان بن عبد العزيز»، البالغ 81 عامًا، قد عين ابنه الأصغر وليًا للعهد. وأحدث «سلمان»، الذي يقال إنّه يعاني صحيًا، تغييرًا كبيرًا يؤكد المضي قدمًا في خطط التحديث الطموحة واستمرار السياسات الخارجية والدفاعية المثيرة للجدل.
وحل «محمد بن سلمان»، الذي يبلغ قريبًا 32 عامًا، محل ابن عمه «محمد بن نايف». وقد اختُتم الخبر بحفلٍ متلفز يؤكد على عدم وجود خلاف بين الأميرين. وتكون المظاهر مهمة، خاصةً فيما يتعلق بانقسام العائلات المالكة.
وكان «بن نايف» قد شغل منصب وزير الداخلية في المملكة وقاد مكافحة الإرهاب، ونال إعجاب الحكومات الغربية التي تقدر تعاون الرياض في تلك المجالات. ومن جهته، اعترض «محمد بن نايف» على ذهاب الجهاديين السعوديين للقتال ضد «بشار الأسد» في سوريا، خوفًا من آثار ذلك عند عودتهم إلى بلادهم.
ولي العهد الجديد
وقد استحوذ ولي العهد الجديد على عناوين الأخبار منذ أن جمع فريقًا من الخبراء الاستشاريين والوزراء للعمل على «رؤية 2030»، وهي خطة لإعداد السعوديين المرفهين للحياة ما بعد النفط، من خلال تنويع وخصخصة وتحديث أكبر اقتصاد في العالم العربي. وقد أدى ذلك حتى الآن إلى زيادة الضرائب وخفض الإعانات والإنفاق، وهو ما لم يمنع النجم الصاعد من دفع 500 مليون يورو لشراء يخت كان يملكه مليارديرٌ روسي.
وتعد جوهرة التاج هي خطة خصخصة أرامكو، وهي شركة النفط الحكومية، والتي كانت في الماضي تقدم 90% من إيراداتها للبلاد. ومن المتوقع الآن أن تصبح أكبر طرحٍ للأسهم يقدم في التاريخ المالي العالمي.
وأكثر ما يوصف به محمد بن سلمان هو «الحزم». ولا يظهر ذلك في استراتيجيته الاقتصادية فحسب، بل في استعداده لاستخدام القوة، وعلى الأخص ضد المتمردين الحوثيين الذين أطاحوا بحكومة اليمن المجاورة، وهي الفناء الخلفي الفقير للمملكة، والأرض الخصبة لتنظيم القاعدة.
ويقال بأنّ «محمد بن سلمان» قد وعد بالانتصار سريعًا عام 2015، عندما أنشأ السعوديون ائتلافًا ضم الإمارات ومصر وغيرها. وبعد عامين، مع مقتل الآلاف من اليمنيين من القصف وسوء التغذية، وانتشار الكوليرا، يبدو أنّ الحرب كانت متهورة، وقد أصبحت تشكل إحراجًا للولايات المتحدة وبريطانيا وحلفاء آخرين وموردي الأسلحة. وقد وصفته «مضاوي الرشيد»، المؤرخة والناقدة السياسية السعودية التي تعيش في لندن، بـ «أمير النفط والحرب».
وفي الأسابيع القليلة الماضية، كان السعوديون في صميم أزمة جديدة بعد الشروع في حصارٍ لم يسبق له مثيل على قطر المجاورة، وهي الدولة الخليجية الصغيرة الخارجة عن النسق، والتي تزعج جيرانها الأكبر من خلال دعمها لجماعة الإخوان المسلمين، وحماس الفلسطينية، والإسلاميين الآخرين من سوريا إلى ليبيا.
انقلاب ناعم
واتهم العديد من أعداء السعودية الرياض بالتخطيط لتغيير النظام في الدوحة والعمل على إقامة علاقاتٍ اقتصادية مع (إسرائيل)، وخيانة القضية الفلسطينية. وقد وصفت إيران، المنافس الإقليمي الرئيسي للسعودية، تعيين محمد بن سلمان بـ «الانقلاب الناعم».
والسعوديون بدورهم مهووسون بنوايا طهران، مشيرين إلى دعمها للقوات الشيعية في العراق، ودعم «الأسد» جنبًا إلى جنب مع حليفها اللبناني حزب الله، ومؤخرًا دعمها للحوثيين في اليمن. وقد صرح محمد بن سلمان محذرًا إيران:«سنعمل حتى تكون المعركة داخل إيران وليس في السعودية».
وقد حذر «جمال الشيال»، المعلق في قناة الجزيرة القطرية المملوكة للدولة، المحظورة الآن في الرياض، بأنّ على «الولايات المتحدة وبريطانيا محاولة كبح جماح حماس الأمير قبل أن يصبح ملكًا». وأضاف: «إذا لم يتم ذلك، فقد يواجهوا ملكًا يشن الحروب دون تفكير، ولا يفهم سوى القليل في طريق الدبلوماسية الدولية».
وتجعل الدعاية والحروب الإعلامية من الصعب فهم السعودية، التي تحتاج إلى نوع من المعرفة بكريمونولوجيا الشرق الأوسط لفك التنافس الملكي ودحض شائعات الفساد. وتدفع المملكة لوكالات العلاقات العامة الأمريكية والبريطانية باهظة الثمن لنشر الرسائل الإيجابية حول رؤية 2030، ولترتيب مقابلاتٍ أجريت بعناية مع «محمد بن سلمان» للترويج له. ويتم الترويج الآن إلى أنّ تعيين بن سلمان سيكون جالبًا للاستقرار.
الخطاب المناهض لإيران
وقد هنأ «دونالد ترامب» محمد بن سلمان سريعًا، والذي التقاه أولًا في واشنطن ثم في قمة الرياض في مايو/أيار، في أول رحلةٍ رسميةٍ لـ«ترامب» إلى الخارج. وقد مثل خطاب الرئيس الأمريكي المناهض لإيران، والذي يختلف كثيرًا عن الجهود الطويلة التي بذلها «باراك أوباما» لتأمين الاتفاق النووي مع طهران، موسيقى أطربت أذن السعودية، واعتُبر الخطاب على نطاقٍ واسعٍ تشجيعًا للأمير الشاب.
وكتبت «إليزابيث ديكنسون» في «فورين بوليسي» أنّ «قرار السعودية بقطع العلاقات مع قطر يرسل بيانًا واضحًا حول ما يمكن أن تتوقعه الدوحة من الرياض في العقود المقبلة». وأضافت: «مثل رئيسٍ تنفيذيٍ جديد يسير للمرة الأولى في قاعة اجتماعاتٍ معادية، وضع محمد بن سلمان قاعدةً شديدة اللهجة، وهي أنّ السعودية تضع قواعد اللعبة ولن تتسامح مع أي تجاوزٍ لها».