أحمد عدنان- عكاظ السعودية-
في 23 فبراير 2011، صغت رسالة موجهة إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - بمناسبة عودته سالما إلى أرض الوطن بعد رحلة علاجية. كانت الأجواء في المنطقة عاصفة نظرا لحضور ما سمي بالربيع العربي.
وقع على الرسالة نحو 47 مثقفا ومثقفة من جيل الشباب، وحققت الرسالة أصداء طيبة على الصعيدين الرسمي والنخبوي، وقام أمير مرموق من أبناء الملك المؤسس بتسليم الرسالة إلى الملك الجليل، الذي أبلغ الأمير بعد قراءتها: «طلعوا الشباب أحسن من الكبار»، في إشارة إلى بيانات أخرى صدرت في تلك المرحلة صاغها حركيون وناشطون وحقوقيون.
أعود إلى نص البيان هذا اليوم لاستذكار الاقتراحات التي رفعناها لصاحب القرار:
- الدعوة إلى مؤتمر حوار وطني ذي توصيات ملزمة تعهد إليه مراجعة وتطوير الأنظمة الثلاثة (النظام الأساسي للحكم، الشورى، والمناطق) بمناسبة مرور عقدين على إصدارها.
- تأسيس محكمة نظامية عليا تصون النظام الأساسي للحكم من الغفلة أو الهوى، على غرار المحاكم الدستورية في دول العالم.
- خفض متوسط أعمار أعضاء مجلس الشورى وأعضاء مجالس المناطق إلى 45 سنة، وإتاحة الفرصة للمرأة في المجلس (وبالفعل دخلت المرأة مجلس الشورى عام 2013).
- خفض متوسط أعمار أعضاء مجلس الوزراء إلى 40 سنة وإتاحة الفرصة للمرأة في المجلس.
- أن تقوم الحكومة بالتعاون مع مجلس الشورى بتطبيق توصيات الحوار الوطني الثاني التي باركها الملك: تسريع عملية الإصلاح وتوسيع المشاركة، تطوير وسائل الاتصال بين الحاكم والمحكوم والفصل بين السلطات الثلاث، تجديد الخطاب الديني، ضبط الشأن الاقتصادي، ترسيخ مفاهيم الحوار في المجتمع، توسيع دور المرأة وحضورها في كافة المجالات، استقطاب الشباب.
وجدت قصة هذه الرسالة مدخلا مناسبا للحديث عن اختيار ومبايعة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز لمنصب ولاية العهد، فمن حلموا باقتحام الشباب لمجالس الشورى والوزراء والمناطق - بحصة وازنة - وجدوا جيلهم قريبا من قمة الدولة متمددا في أغلب قطاعاتها، ومن المفيد هنا أن نشير إلى خطوة رمزية محترمة: تحويل مسمى «الرئاسة العامة لرعاية الشباب» إلى «هيئة الرياضة»، فالشباب يستحقون القيادة لا الرعاية.
منذ حضر سموه في المشهد السعودي العام، قدم إنجازات جوهرية غيرت شكل الدولة وعلاقتها بمحيطها، فعلى الصعيد المحلي، أطلق سموه خطة طموحة تحت عنوان «رؤية السعودية 2030» هدفها: صون المال العام واستثماره على الوجه الأمثل، تحويل الاقتصاد السعودي من الهيكل الريعي إلى الهيكل المنتج والاستثماري، وهو ما يعني تحقيق الشفافية والتنمية المتوازنة المستدامة والاعتماد على المداخيل غير النفطية، وهذه هي مطالب النخبة داخل السلطة وخارجها منذ عقود.
وعلى الصعيد الإقليمي والدولي، تبنى سموه عملية إنقاذ اليمن من التغول الإيراني، وتصدى للألاعيب القطرية في المنطقة التي ساهمت في نشر الفوضى والإرهاب وتسلل الأعداء، وأعاد سموه العلاقات السعودية ـ الأمريكية إلى الجادة بعد فقدان البوصلة في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، وتجلى ذلك في وثيقة الرؤية الإستراتيجية للعلاقات السعودية الأمريكية، ومنها «رسم مسار مجدد نحو شرق أوسط ينعم بالسلام والتنمية الاقتصادية والدبلوماسية» و«تكريس البلدين نفسيهما لتعزيز شراكتهما الإستراتيجية للقرن الحادي والعشرين» و«إطلاق مبادرات لمكافحة خطاب التطرف وتعطيل تمويل الإرهاب وتعزيز التعاون الدفاعي».
ويضاف على ما سبق توصيات القمة العربية الإسلامية الأمريكية لمكافحة الإرهاب، التي أكدت الالتزام الراسخ بمحاربة التطرف، ووضع خطط ترسم مستقبل الشباب وتبني قدراتهم، وتعزيز التعايش والتسامح، وتجديد الخطابات الفكرية وترشيدها، وتوسيع الحوار الثقافي، والتصدي للأجندات الطائفية والمذهبية.
ومن الداخل إلى الخارج، أجد جهود محاربة الإرهاب ـ لأول مرة ـ تأخذ طابعا شاملا وطموحا، فبعد نجاح صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز في المواجهة الأمنية للإرهاب، حول الأمير محمد بن سلمان الحرب على الإرهاب من الخنادق إلى الحياة اليومية، فالحل الأمني لا يكفي، لا بد أن يتواكب ببرامج اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية وإعلامية، وهذا ما وجدناه في إعادة هيكلة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفتح أبواب الترفيه داخل المجتمع، وإعادة الاعتبار للإبداع وللفنون، وتوسيع آفاق المرأة، واحترام الآخر، وتمكين الاعتدال، وكل هذا ـ أيضا ـ من مطالب النخبة منذ عقود، بل إن بلادنا تفعل ما هو أكثر وأكبر؛ إذ تناهض أصل الإرهاب، مشروع الإسلام السياسي الذي يناقض الدين الإسلامي الحنيف.
وكنا ننبه مرارا إلى خطورة التفريق بين إرهاب وإرهاب، في ظل ملاحظة المسايرة التي يتبناها المجتمع الدولي إزاء الإرهاب الإيراني التوسعي والطائفي والعنصري، ومن حسن الحظ، أن السياسة الخارجية السعودية بذلت جهدا مقدرا ومؤثرا بقيادة ولي العهد الشاب، حولت المآخذ المحلية والخليجية على إيران إلى أجندة دولية.
في عهد الملك عبدالله ثم عهد أخيه وخلفه الملك سلمان، أجد أن اقتراحات 23 فبراير تسير في طريق التحقيق نصا أو روحا بفضل همة وطموح ولي العهد الشاب الذي يشبه شعبه، فما لم يتحقق بالأمس رأيته اليوم، وما لم أره اليوم سألمسه غدا مهما بدا صعبا ومستحيلا، فما الحكم في المملكة العربية السعودية سوى عهد متصل، يبني السلف فيجني الخلف، ويبذل الحاضر لينعم الغد، ومعايير الزمن بالنسبة للدولة مختلفة عن الأفراد، وإنني واثق بأن الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي القائم سيفضي لا محالة إلى تطوير سياسي يقترب من الدولة الحديثة، دولة المواطنة والقانون والمؤسسات والحريات، وآخر الأمثلة إعطاء الملك سلمان الاستقلال للنيابة العامة.
وفي هذا السياق، ألفت النظر إلى أهم إنجازات عهد الملك سلمان، وهو استكمال استعادة هيبة الدولة؛ فالنظام يطبق على الجميع، لا فرق بين أمير ومواطن تحت سقف القانون، وإذا اتخذت الدولة قرارا ـ مهما كانت خلفياته واتجاهاته ـ فلا راد لقرارها مهما تذمر المتطرفون وناحوا، فكم تأخرت الدولة ـ سابقا ـ في إجراءات لمصلحة البلاد والعباد تحسبا من اللوبي المتطرف، لكن بفضل شجاعة الملكين عبدالله وسلمان، أصبح ذلك من التاريخ.
حين انطلقت عملية إنقاذ اليمن من براثن إيران، اختار صناع القرار عنوان «عاصفة الحزم» اسما لها، وفي مرحلتها الثانية سموها «إعادة الأمل»، وإنني أجد شعار «الحزم والأمل» عنوانا لمرحلة حاضرة ومستقبلية تغطي الشرق الأوسط، لكنه شرق أوسط جديد آمن ومزدهر بقيادة المملكة العربية السعودية وأميرها الشاب محمد بن سلمان ـ حفظه الله ـ بمواجهة أعداء الداخل والخارج بالحزم، وصناعة الأمل المشع والإنجاز الملموس للمواطنين وللمواطنات.
إن توصيات القمة السعودية العربية الإسلامية الأمريكية، وخطة الرؤية 2030، برنامج علاج وبناء لدول العالمين العربي والإسلامي لانتشال هذه الشعوب من ثالوث التخلف المخيف «الفساد والاستبداد والتطرف»، وحين يكون مهندس هذا المشروع هو ولي العهد الشاب محمد بن سلمان، يحق لنا أن نقول هنيئا لنا به.