القدس العربي-
نقلت صحيفتا «نيويورك تايمز» الأمريكية و«الغارديان» البريطانية عن مصادر دبلوماسية أمريكية وسعودية عديدة يومي أمس وأمس الأول أن ولي العهد السعودي السابق محمد بن نايف، فوجئ بعد عودته من مبايعة وليّ العهد الجديد محمد بن سلمان بأن الأخير أمر بتغيير حراس قصره بحيث صار، عمليّاً، تحت الإقامة الجبرية.
النقلة حازمة جدّاً بحقّ الرجل الذي كان الشخصية الثانية في تسلسل وراثة العرش السعودي قبل قرابة أسبوع وخصوصاً بعد خسارته لكل سلطاته السابقة، بما فيها كونه وزيراً قويّاً للداخلية لمدة 15 عاما اشتهر خلالها بقيادته حربا عنيفة ضد الحركات الجهادية المسلّحة مما عرّضه لمحاولة اغتيال من تنظيم «القاعدة»، وأكسبه، في المقابل، صداقة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين، واعتباره أحد أكثر الشخصيات المؤثرة والمرهوبة في المملكة.
الإجراء ذو طبيعة سياسية وأمنيّة، فالمطلوب منه، أوّلا، إنهاء أي جدل حول تغيير خطّ الوراثة السعوديّ، الذي كان يتداوله أبناء الملك عبد العزيز، والذي أصبح الآن مفتوحاً لابن واحد منهم فحسب؛ والمطلوب ثانياً، أن يغلق الباب نهائياً أمام أبناء الجيل الأول لعبد العزيز (كالأمراء مقرن وطلال وعبد الرحمن) أو أبناء الجيل الثاني، كمحمد بن نايف بن عبد العزيز نفسه، وصولاً إلى العدد الكبير من أمراء الجيل الثالث.
للوصول إلى هذه الذروة استعان وليّ العهد الجديد، بفضل أبيه الملك، بجمعه سلطات عسكرية، بصفته وزير الدفاع، وسلطات أمنيّة، عبر تعيين مستشاره عبد العزيز بن سعود بن نايف (من مواليد عام 1983) وزيرا للداخلية (وهي خطوة تضمن الإشراف الضمنيّ على شؤون الوزارة كما أنها تعتبر تعويضاً رمزيّاً لأبناء نايف بن عبد العزيز بعد إعفاء رجلهم القويّ محمد بن نايف وتعيين ابن أخيه)، وسلطات ماليّة عبر إشرافه على أرامكو السعودية، وهي خزّان مال المملكة النفطيّ، إضافة إلى مناصب نافذة أخرى، وسلطات إعلامية عبر إلحاقه وسائل إعلام كبرى فاعلة بشبكة نفوذه الواسعة.
تأتي خطوة تقييد حركة محمد بن نايف لتلغي بقسوة المنظور العاطفيّ والعائليّ الذي تم تسويق الصعود الكبير لمحمد بن سلمان عبره، حيث انشغلت وسائل الإعلام السعودية بإعادة لقطة تقبيل الأمير الشاب ليد ابن عمّه ومحاولته تقبيل ساقه، كتعبير عن تقدير لعمليّة استلامه ولاية العرش منه وانتزاع مناصبه كلّها ومبايعته إيّاه على المنصب الذي كان يشغله هو.
يتوازى الإجراء مع معلومات قادمة من المملكة، تتحدّث عن عمل حثيث لمنع أي معارضة ممكنة لدينامية انتقال السلطة إلى الأمير الشاب، داخل العائلة المالكة أو خارجها، وفي الوقت نفسه شراء رضا الأمراء والعسكريين والموظفين عبر سلسلة مكلفة من التعويضات وصرف الأموال.
الخطوة، مع ذلك، تفصيل واحد، من لوحة واسعة تدخل فيها عملية لتوجيه مستقبل المملكة العربية السعودية السياسي، يتناظر فيها الضبط القويّ للداخل السعودي، مع توجّه لإعادة تموضع المملكة في المنطقة والإقليم، وكل الأسهم تشير إلى تصعيد أكبر مع إيران.
التكاليف السياسية والاقتصادية والعسكرية لهذه الخطط «الطموحة» جدّاً هائلة ومليئة بالمخاطر، الداخليّة أولاً، فالأطراف المتضررة من عملية وراثة العرش قد تتحرّك، إن لم يكن للحفاظ على مصالحها، فللحد من خسائرها، والخارجية ثانيا، لأن «إعادة التموضع» والمواجهة مع إيران لا يمكن أن تتقدّم خطوة واحدة من دون حسم حرب اليمن.
يضاف إلى ذلك طبعاً الاستقطاب العجيب الحاصل في منطقة الخليج، والحصار ضد قطر، الذي تبدو فيه السعودية، المرتبكة من صعود بن سلمان السريع، مقطورة إلى سياسات ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد التي لا تؤدي، عمليّاً، إلا إلى خدمة طرفين إقليميين واضحين: إيران، التي ابتعدت عن كونها هدف المواجهة (التي اتجهت بوصلتها الآن إلى قطر وتركيا)، وإسرائيل التي تمنّي نفسها بحلف يفتح يدها لإنهاء حركة «حماس» و«السلطة الفلسطينية» معاً.