معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي- ترجمة وتحرير شادي خليفة -
يستطيع «محمد بن سلمان»، الذي عين مؤخرًا وليًا للعهد في السعودية، والذي يتمتع بصورة إصلاحية، حكم المملكة لعقود بسبب صغر سنه. ويرفع تعيينه الرسمي الضباب عن مسألة الخلافة، ويمكن أن يسهم في صورةٍ أكثر نشاطًا للمملكة العربية السعودية، حتى وإن كان يثير بعض الشكوك حول سياسة المملكة وقدرتها على مواجهة التحديات المقبلة.
ووفق سيناريو متوقع، عين العاهل السعودي الملك سلمان ابنه «محمد» وليًا للعهد، ليحل محل «محمد بن نايف»، الذي تم تجريده أيضًا من دوره كوزير للداخلية. ويأتي هذا في إطار إصلاحٍ يهدف إلى تعزيز أمراء جيل الشباب المتحالف مع «محمد بن سلمان» وتعزيز فرعه داخل الأسرة الملكية. ولم يعد أمام «بن سلمان» أي عقبة للجلوس على العرش، وسيحافظ أيضًا على منصبه كوزيرٍ للدفاع، وبسبب والده المريض، يعد هو الحاكم الفعلي، الآن، للمملكة.
الصعود إلى السلطة
وحصل تعيين «بن سلمان»، البالغ من العمر 31 عامًا، على الموافقة بأغلبية ساحقة من هيئة البيعة، حيث وافق 31 من بين 34، مما يدل على دعمه الواسع وإن لم يكن المطلق. وفي المملكة التي يقل فيها نصف السكان عن 25 عامًا، يتمتع «بن سلمان» بدعم جيل الشباب المتحمس لتغيير النظام الاجتماعي، وذلك بسبب سنه وبسبب خططه الطموحة لتغيير البلاد. وكان «بن سلمان» مسؤولًا عن العلاقات مع إدارة «أوباما»، وهو مسؤولٌ الآن عن تنمية العلاقات مع إدارة «ترامب».
وفي طريق صعود «بن سلمان» إلى الأعلى، اكتسب السلطة، وكذلك الأعداء. وفي عام 2015، قدم كبار الأمراء السعوديين نداءً نادرًا للتغيير، معربين عن عدم الثقة في الأمير ووالده. كما أعربت منظمات الاستخبارات الغربية عن قلقها إزاء سياسته التي حلت محل النهج السعودي طويل الأمد المتمثل في ضبط النفس والحذر، مشيرةً إلى المخاطر التي يتسبب فيها على صعيد الاستقرار السياسي الإقليمي والمحلي.
التحديات الداخلية والخارجية
ويؤثر الاستقرار السياسي في المملكة على استقرار المنطقة ككل. وللإشارة إلى الانتقال السلس للنظام، حرص آل سعود على توثيق بيعة «بن نايف» لـ«بن سلمان»، مع مشهد للوريث الجديد يقبل يد ولي العهد المخلوع كدليل على الاحترام والتقدير. وقد أدرك «بن نايف» أنّه على الرغم من التقدير والدعم الذي يتلقاه، فإنّ معارضة هذه الخطوة ستضر به وربما أيضًا باستقرار الأسرة المالكة. وتنبع قوة آل سعود دائمًا من فهم الأمراء أنّ استمرارية النظام واستقراره هما أمران أساسيان. غير أنّ صحيفة «نيويورك تايمز» ذكرت أنّه بعد الإطاحة بـ «بن نايف»، تم فرض الإقامة الجبرية عليه وعلى أسرته المقربة في القصر، مما يشير إلى أنّ الانتقال لم يكن سلسًا جدًا، أو أنّها كانت رغبة من بن سلمان في إبقائه معزولًا أثناء توطيد سلطته.
ويشكل الترويج للخطة الاقتصادية «رؤية 2030» تحديًا وطنيًا وشخصيًا لـ «بن سلمان»، الذي يريد أن يتقدم بسرعة نحو حقبة ما بعد النفط. غير أنّ الشعب يشعر بالإحباط حاليًا بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة وانخفاض الدعم. ويشعر مواطنو المملكة بحق الحصول على مزايا وترتيبات مستمدة من أرباح النفط. وقد كان هذا الأساس للنظام الاجتماعي والولاء المدني للأسرة المالكة. ومع ذلك، في حين يطلب من الشعب التقشف، اشترى «بن سلمان» يختًا بتكلفة 500 مليون دولار، وهي خطوةٌ أشعلت احتجاجًا قصير الأمد في وسائل التواصل الاجتماعي. وقد يواجه «بن سلمان» أيضًا أعداءً من الذين لم يقبلوا تعيينه داخل الأسرة المالكة، ومن المؤسسة الدينية المحافظة، حيث يحاول «بن سلمان» في محاولته لتعزيز الإصلاحات الاجتماعية، تحدي هذه المجموعة.
وهناك تحدٍ آخر يتعلق بالمشاركة العسكرية السعودية في اليمن. وقد وصلت الحملة العسكرية التي تقودها المملكة إلى طريقٍ مسدود، بعيدًا عن تحقيق أي من أهدافها المعلنة. ولا يزال الحوثيون وحليفهم الرئيس اليمني السابق «علي عبد الله صالح» يسيطرون على معظم شمال اليمن والعاصمة صنعاء، ويطلقون بشكلٍ روتيني الصواريخ على الأراضي السعودية. وفي الوقت نفسه، تتزايد الانتقادات الدولية لإدارة المملكة للحرب، حيث أدى القتال إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، وألحق أضرارًا جسيمة بالمدنيين.
ويأتي تعيين «بن سلمان» في وقتٍ يشتد فيه التوتر بين طهران والرياض، ويساعد في ذلك إلى حدٍ كبيرٍ موقفه المتشدد وخطابه الصريح المناهض لإيران. ويبدو أنّ تحسين العلاقات بين المملكة والإدارة الأمريكية وموقف الولايات المتحدة الصارم تجاه إيران يشجع «بن سلمان» على اتخاذ المزيد من الهجوم الكلامي على إيران. ورفض الوريث الجديد للعرش أي إمكانية للحوار مع إيران، مشيرًا إلى أنّ السعودية ستحاربها داخل إيران نفسها، وهو تلميحٌ لدعم تغيير النظام في طهران. وتتهم إيران من جانبها السعودية بالوقوف وراء الهجوم الذي وقع في يونيو/حزيران الماضي على البرلمان في طهران، رغم إعلان تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن هذا العمل. علاوةً على ذلك، أفادت السعودية بأنّها أسرت ثلاثة من أفراد الحرس الثوري ادعت أنّهم كانوا يخططون لهجومٍ داخل المملكة، واحتجزتهم كرهائن. وردًا على تعيين «بن سلمان»، أشارت عدة وسائل إعلامية إيرانية إلى الحدث بـ «الانقلاب الكامل» و«الزلزال السياسي»، وحذرت من احتمال تصعيد النزاع بين البلدين.
التداعيات المحتملة
بصفته ولي العهد، سوف يتمتع «بن سلمان» بالشرعية لسياسة أكثر تشددًا، بما في ذلك ضد إيران، على الرغم من أنّ هذا الموقف قد يعرض مصالح المملكة للخطر. ويبدو أنّ «بن سلمان» على استعدادٍ لاتخاذ المزيد من المخاطر التي تهدف إلى تحدي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، مما يزيد من إمكانية دفع الأزمة إلى منطقة أخطر. أما بالنسبة لـ (إسرائيل)، وبينما يقال أنّ «بن سلمان» لا يستبعد التطبيع مع (إسرائيل) في المستقبل، تستبعد توقعات الكثيرين في (إسرائيل) أن تبدأ المملكة بتطبيع العلاقات مع (إسرائيل) قبل أن يكون هناك تقدمٌ حقيقيٌ في العملية السياسية، وهو ما لا يتطابق مع الوضع الحالي.
وحتى الآن، تم قبول تعيين «بن سلمان» دون احتجاجٍ عام. لكنّ المعارضة يمكن أن تنبثق من داخل الأسرة المالكة نفسها، من قبل أولئك الذين ليسوا راضين عن صعوده ومؤهلاته وأسلوبه الإداري. ويعد هذا الوقت المشحون، اختبارًا لقدرة المملكة على إدارة الانتقال الضروري بين الأجيال من أبناء «عبد العزيز بن سعود» إلى أحفاده، في نفس الوقت الذي تواجه المملكة فيه أيضًا تحدياتٍ داخلية وخارجية على حدٍ سواء. وأدت الأزمة مع قطر والحرب في اليمن إلى إضعاف مجموعة التحالفات السعودية، وأبعدت عنها حلفاء رئيسيين، مثل باكستان، يحاولون الحفاظ على الحياد. وحتى الآن، تقاوم قطر الضغط، ويرجع ذلك جزئيًا إلى المساعدة التي حصلت عليها من إيران وتركيا، الأمر الذي قد يؤدي إلى تحميل المسؤولية لـ «بن سلمان»، الذي بدأ المقاطعة والضغط على قطر، إذا فشلت.
وعلى الرغم من أنّ القرارات الحيوية في المملكة قد اتُخذت على مر السنين بعد التشاور، ومراعاة تحقيق توافق في الآراء بين كبار الأمراء، أصبحت الكلمة الأخيرة للملك. وكانت هناك محاولة لأن يسجل «بن سلمان» بعض الإنجازات أولًا في مجال الإصلاحات الاقتصادية اللازمة، وفي مسألة مشاركة المملكة العسكرية في اليمن. لذلك، وعلى الرغم من تعيينه في وقتٍ مبكر، لا يزال عليه عبء إثبات أنّه أهلٌ للعرش. وهكذا، صدقت الكلمات الأخيرة من «بن نايف»، ولي العهد المخلوع، إلى بديله: «سأستريح الآن. ربي يعينك».