أويل برايس دوت كوم- ترجمة شادي خليفة -
تصبح حرارة الصيف الحارقة نسيمًا باردًا مقارنةً بالحريق الجيوسياسي الذي قد يصيب الرياض قريبًا إذا ما استمرت الصراعات الداخلية المستمرة في زعزعة استقرار العائلة المالكة والأمن القومي في الأسابيع المقبلة.
وبعد نجاحه في الوصول إلى منصب ولي العهد، تم تخويل «محمد بن سلمان» من قبل الملك «سلمان» ليكون مسؤولًا عن البلاد خلال عطلته في المغرب. وتأتي عطلة الملك في وقتٍ من عدم الاستقرار النسبي في المملكة، حيث لا تزال آثار الإطاحة بولي العهد السابق «محمد بن نايف»، في نهاية شهر رمضان، مستمرة.
وكان اختيار الملك «سلمان» منح ابنه منصب ولي العهد متوقعًا، لكنّ المطلعين يحذرون من أنّ سلفه لا يزال يحمل قدرًا كبيرًا من النفوذ. ويعد موقف «بن سلمان» في هذه الفترة متقلبًا جدًا، حيث يواصل التحالف بقيادة السعودية الضغط على قطر، في الوقت الذي تتفاقم فيه حالة من عدم اليقين في البلاد والمنطقة.
كما يواجه ولي العهد الشاب بعض الضغوط الشخصية. وقد أدى عدم إحراز تقدم في حرب اليمن (ضد الحوثيين وإيران)، والاستراتيجية السعودية الوليدة لتحقيق الاستقرار في سوق النفط، وأزمة قطر، إلى تراجعٍ كبيرٍ في توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي لدى وكالات التصنيف الدولية. ويظل التأثير السلبي لهذه القضايا في الخليج متراجعًا نتيجة الاحتياطيات المالية الهائلة في المملكة، لكن مع تزايد قائمة المساعي التي يبذلها «بن سلمان»، فإنّ موقفه في المملكة يتعرض لضغوطٍ متزايدة.
وفي الوقت نفسه، تنتشر الشائعات بأنّ صحة الملك «سلمان» قد تدهورت أكثر. وقد أشارت بعض المصادر السعودية في وسائل الإعلام إلى أنّ الملك «سلمان» يدرس التنازل عن العرش لابنه في الأشهر القليلة المقبلة. وقد تكون إدارة «بن سلمان» للبلاد خلال عطلة أبيه، صورة لما ستكون عليه إدارته للبلاد فيما هو قادم.
وبما أنّ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا معرضة للخطر، مع الضغوط الاقتصادية المتراكمة بسبب انخفاض أسعار النفط، تواجه السعودية إعادة هيكلة شاملة في جهازها الأمني. وقد تم توجيه الاتهام إلى «بن سلمان بالإطاحة بالسلطة القديمة لولي العهد السابق «محمد بن نايف»، في الوقت الذي كانت تتعامل فيه هذه الأجهزة مع التهديدات الأمنية الداخلية والخارجية.
وفي الأسابيع الأخيرة، جرد الملك «سلمان» وزارة الداخلية من العديد من المسؤوليات الرئيسية، بما في ذلك مكافحة الإرهاب. وقد تم نقل جميع هذه الصلاحيات إلى هيئة أُنشئت حديثًا يشرف عليها الملك نفسه. وكان ولي العهد السابق «محمد بن نايف»، قبل إزالته، وزيرًا للداخلية أيضًا. ويتولى الملك قيادة الكيان الجديد، الذي يُدعى قيادة أمن الدولة. وذكر مرسومٌ ملكي أنّ «كل ما يتعلق بأمن الدولة، بما في ذلك الأفراد المدنيون والعسكريون، والميزانيات والوثائق والمعلومات، سيتم نقله إلى السلطة الجديدة».
معارضة
غير أنّ التغيير المفاجئ الجذري في الأجهزة الأمنية يشير أيضًا إلى أنّه لا تزال هناك بعض المعارضة في المملكة لولي العهد الجديد، ويعتبر تعيين «عبد العزيز الهويريني» رئيسًا للجهاز الجديد محاولة لبناء المزيد من الدعم لـ«محمد بن سلمان». وفي الوقت نفسه، يهدف تعيين «الهويريني» أيضًا إلى مواجهة المخاوف في الغرب من أنّ المملكة تغير موقفها في الحرب العالمية ضد الإرهاب.
غير أنّ التهديد الرئيسي لا يزال قائمًا داخل المملكة نفسها. فهناك مجموعة كبيرة من أفراد الأسرة المالكة لا يزالون يعارضون موقف «بن سلمان» بشكلٍ عام. وهناك معارضة محتملة داخل الحرس القديم لقوات الأمن بقيادة «متعب بن عبد الله»، رئيس الحرس الوطني السعودي حاليًا، والذي يعتبر هدفًا محتملًا للإقالة. ويعتبر الحرس الوطني، إذا استُخدم من قبل المعارضة، تهديدًا حقيقيًا لـ«محمد بن سلمان» بشكلٍ عام، وهو مخلص جدًا لرجال الملك السابق «عبد الله». ولم يُذكر الحرس في المرسوم الملكي الأخير، وهو مؤشر على أهميته وقوته داخل المملكة.
ويجري حاليًا مناقشة عدة سيناريوهات داخل المملكة وخارجها على السواء. ومن المتوقع أن يصبح «بن سلمان» ملكًا خلال العام المقبل، على الرغم من أنّ طريقة هذه الخطوة ليست واضحة بعد. ولا يزال نجم «بن سلمان» يرتفع، ومن الممكن إعداد قصة نجاح محتملة لتدعيم موقفه.
وهناك سيناريو محتمل آخر هو أن تندلع الصراعات الإقليمية، مما يخلق الحاجة إلى تغييرٍ جذريٍ في المملكة. وستستدعي المواجهة مع إيران أو قطر بالتأكيد إلى وجود قائدٍ شاب قوي للتعامل مع هذه القضايا. وبالنظر إلى النهج الاستباقي الذي اتخذه «بن سلمان» بالفعل، فإنّ صعوده ليكون ولي العهد أمرٌ منطقي. كما سيحصل «بن سلمان» على دعم الحكام الخليجيين الرئيسيين مثل الإمارات والبحرين، وكذلك القيادة في مصر.
والسيناريو الأكثر إثارة للقلق أن يتخذ «بن سلمان» موقفًا أكثر عدوانية باستخدام سلطته في منصبه الحالي لتغيير هياكل الأمن الداخلي. وقد تكون هذه الخطوة ناجحة، لكنّها ستعتمد تمامًا على التنسيق مع جميع القوات العسكرية وقوات الأمن السعودية. وفي الوقت الحاضر، لا يمكن تحقيق ذلك دون إزعاج الحرس الوطني وغيره من القوات الداخلية.
وعلى مدى الأسابيع المقبلة، ينبغي للمحللين أن يراقبوا هذه التطورات. وإذا تعرضت السعودية لزعزعة الاستقرار، فلن تضع المنطقة في خطر فحسب، بل ستعرض أيضًا إمدادات الطاقة للخطر. وينتظر معارضو «بن سلمان» أي خطأ للإيقاع به. وستدعم إيران وآخرين أي معارضة قد تتخذ خطوات جادة للإطاحة بولي العهد من السلطة. ودعونا نأمل ألا تعاني الرياض سوى من حرارة الصيف العادية فقط، وليس من تداعيات صراعات السلطة الداخلية، إلى جانب التطلعات الإقليمية للآخرين. وسوف ينبغي على «بن سلمان» أن يتذكر كلمات صلاح الدين جيدًا، والذي ذكر أنّ «القدرة على الإلهام توفر نوعًا حاسمًا من القيادة، بديلا عن فرض الولاء».