وول ستريت جورنال- ترجمة شادي خليفة -
لم يكن وريثا العرش في السعودية والإمارات يعرفان بعضهما البعض بالكاد حتى خرجا معًا للتمتع بهواية خليجية ممتعة، حين خرجا في رحلة تخييم في الصحراء السعودية الشاسعة، برفقة الصقور المدربة ووفد صغير من المرافقين.
وكانت تلك الرحلة قبل نحو عامٍ ونصف، نقطة تحول في الصداقة المزدهرة بين الأمير «محمد بن سلمان»، ابن الملك السعودي، والشيخ «محمد بن زايد»، ولي العهد الإماراتي، وفقًا لأشخاصِ مطلعين على الرحلة.
وتتوافق سياسات المملكة العربية السعودية الدولة المحافظة الغنية بالنفط مع سياسات جارتها الأصغر حجمًا والأكثر ليبرالية وتنوعًا اقتصاديًا. ويُنظر للعلاقة بين ولي العهد السعودي، الأمير «محمد بن سلمان»، وولي العهد والحاكم الفعلي للإمارات، «محمد بن زايد»، باعتبارها مركز التحول السعودي.
ويتخذ السعوديون خطواتٍ أكثر جرأة للحد من التيار الديني في الداخل وتشديد موقفهم تجاه الجماعات الإسلامية في الخارج، وهو الأمر الذي تقوم به الإمارات منذ فترة طويلة.
كما تتبنى المملكة سياسة خارجية أكثر عدوانية، وكان آخرها الجهود غير المسبوقة إلى جانب الإمارات لفرض حصارٍ على قطر، وهي جارة صغيرة أخرى في الخليج. وقد دعمت قطر جماعات إسلامية مثل الإخوان المسلمين في مصر وحماس في قطاع غزة، مما أغضب الإمارات.
وقال «أندرياس كريغ»، المستشار السابق لحكومة قطر وخبير شؤون الخليج في كلية كينغز في لندن، عن أزمة الحصار: «لقد خلق بن سلمان وبن زايد هذا الوضع».
وحتى وقتٍ قريب، كانت علاقة الأمير السعودي على ما يرام مع الأمير الحاكم في قطر. «لكن لأنّ قطر والإمارات متضادين بـ 180 درجة، كان على السعودية أن تختار»، وفق ما قاله «كريغ».
وقال عددٌ من الأشخاص المقربين من الديوان الملكي أنّ القيادة السعودية انقسمت حول كيفية التعامل مع قطر، في حين أعلن المسؤولون السعوديون والإماراتيون أنّ القرار كان مشتركًا. ولم يرد الديوان الملكي السعودي على طلب التعليق.
وللتواؤم المتزايد بين الرياض وأبوظبي آثاره بعيدة المدى على المنطقة وعلى الولايات المتحدة. وقد اتخذت إدارة «ترامب» خطًا متشددًا ضد إيران، ورحبت بالتعاون الوثيق مع السعودية والإمارات ضد المنافس المشترك.
وفي الوقت نفسه، يطرح الموقف الأكثر عدوانية من قبل السعودية تحدياتٍ بالنسبة لواشنطن. وتبذل إدارة «ترامب» جهودها لحل الأزمة مع قطر، التي تعد موطنًا لأكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، وتستخدمها الطائرات المشاركة في قتال تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا.
وجدير بالذكر مدى أهمية أن تبقى السعودية مستقرة ومعتدلة كأولوية عليا لأمن الإمارات، بسبب موقعها كمركز للإسلام، على حد قول أشخاص مقربين من القيادة الإماراتية. وبالفعل، يتجاوز نفوذ المملكة وحليفتها الإقليمية مصر حدودها إلى العالم الإسلامي أجمع.
وقال مسؤولٌ إماراتيٌ بارز: «هما مركزا الثقل للإسلام. وإذا لم يكونا معتدلتين، فقد يذهب الإسلام إلى أيديولوجياتٍ إسلامية أكثر راديكالية». وأضاف: «لكي نحمي الإسلام، من الواجب دعم إنجاح السعودية ومصر».
الرهان الأفضل
وترى القيادة الإماراتية أنّ «محمد بن سلمان» هو أفضل رهان لمنع زعزعة الاستقرار في المملكة، على حد قول الأشخاص المقربين من القيادة الإماراتية. وقد صعد «محمد بن سلمان»، البالغ من العمر 31 عامًا، بسرعة في سلم القيادة السعودية، بعد أن أصبح والده ملكًا أوائل عام 2015، حين تولي المحافظ الدفاعية والاقتصادية، قبل أن يتم تعيينه في يونيو/حزيران هذا العام وليًا للعهد.
وساعد «محمد بن زايد»، الذي يبلغ من العمر 56 عامًا، والحاكم الفعلي للإمارات،ـفي تنظيم زيارة الرئيس «دونالد ترامب» للمملكة العربية السعودية في مايو/أيار، وقام هو وغيره من كبار المسؤولين الإماراتيين بدورٍ رئيسيٍ في الضغط على الإدارة الأمريكية الجديدة لصالح «محمد بن سلمان»، وفق أشخاصٍ على دراية بتلك العلاقة.
وقال أحد المقربين من القيادة الإماراتية: «يرى محمد بن زايد في محمد بن سلمان شخصًا معاصرًا يفهم أهمية المملكة ومكانتها في العالم».
ويلقي «محمد بن سلمان» بثقله وراء برنامجٍ طموحٍ يهدف إلى إصلاح الاقتصاد السعودي، ووقف اعتماده على النفط، والانفتاح التدريجي للمجتمع السعودي.
وقد توجهت المملكة للإمارات من أجل الحصول على توجيهات حول قضايا تتراوح بين كيفية تطوير صناعة الدفاع المحلية وصولًا إلى إصلاح صندوق ثروتها السيادي، وفقًا لأشخاصٍ مقربين من قيادة البلدين.
ويُذكر أنّ الإمارات كانت سباقة بخطة مماثلة لتنويع اقتصادها منذ عقدٍ مضى، وقد تحولت السعودية إلى بعض البنوك وشركات الاستشارات نفسها التي ساعدت الإمارات، للحصول على المساعدة في صياغة الخطة السعودية.
وتحولت مدينة دبي الإماراتية، التي لديها القليل من النفط الخاص بها، في العقود الأخيرة، إلى مركزٍ تجاريٍ وسياحيٍ إقليمي.
وتريد السعودية الآن تطوير قطاع السياحة الخاص بها. وكانت المملكة قد أعلنت يوم الثلاثاء عن خططٍ لتطوير ساحلها على البحر الأحمر و50 جزيرة في موقعي سياحيٍ مترامي الأطراف، يمكن للأجانب من معظم الجنسيات زيارتها بتأشيرة دخول. وفي بلدٍ لا يصدر حتى الآن تأشيراتٍ سياحية، سيشكل المشروع انفتاحًا غير مسبوق على الزوار الأجانب.
وقال «داني سيبرايت»، المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأمريكية ورئيس مجلس الأعمال الأمريكي الإماراتي، أنّ العلاقات بين «محمد بن سلمان» و«محمد بن زايد» تمثل «ديناميكية جديدة تعيد تشكيل المنطقة في الواقع، ليس فقط في الوقت الحاضر، ولكن في المستقبل أيضًا».