الغارديان البريطانية-
قالت صحيفة «الغارديان» إن ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان» أطلق مارثون «البيع الكبير» لأصول المملكة؛ إذ علقت لافتة «للبيع» على جميع القطاعات الاقتصادية في المملكة تقريبا؛ في خطوة أرجعتها إلى رغبة الأمير الشاب في تأمين العرش لنفسه.
لكن الصحيفة البريطانية أوضحت، عبر تقرير لها، أن خطوة «بن سلمان» تلك محفوفة بالمخاطر؛ إذ تواجه 5 تحديات تهدد بفشلها، وتشمل غياب الرؤية الواضحة لخطة الخصخصة، والإطار القانوني والتنظيمي لها، فضلا عن تطبيقها في اقتصاد عالق في عقلية العائدات الريعية منذ ثلاثينيات القرن الماضي.
كما تواجه خطط الخصخصة تحديات من قبيل مقاومة رجال الدين لبعض جوانبها، والنظرة السائدة في المملكة التي تعتبر بعض القطاعات جزءا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والثقافي للبلاد، ومن ثم لا تقبل بخصخصتها، فيما يعتبر بعض السعوديين خطة الخصخصة تخليا عن موروث وطني أكثر منه صفقة اقتصادية.
واعتبرت «الغارديان» أن «ثمة تحول اقتصادي هائل في المملكة»؛ إذ بدأت في خصخصة أصول الدولة، التي تتخطى بمراحل «ثورة تاتشر الاقتصادية» في ثمانينيات القرن الماضي، بل تنافس قيمة أصول الاتحاد السوفييتي المتفكك في تسعينيات القرن الماضي من حيث الحجم والأهمية.
فقد علقت السعودية لافتة «للبيع» على جميع القطاعات الاقتصادية تقريبا، بما في ذلك قطاعات البترول، والكهرباء، والمياه، والمواصلات، وتجارة التجزئة، والمدارس، والرعاية الصحية. بل حتى نوادي كرة القدم في المملكة عرضت للبيع.
وبدأت بالفعل عملية بيع مطارات المملكة للقطاع الخاص، فقد تم تعيين شركة «غولدمان ساكس» للإشراف على خصخصة مطار الملك خالد الدولي في الرياض.
بينما تمت خصخصة مطار الملك عبدالعزيز في جدة بالفعل؛ إثر فوز «مجموعة تشانغي» السنغافورية لإدارة المطار بصفقة تشغيله.
ويعد برنامج الخصخصة جزءا محوريا من خطة التحول الاقتصادي التي تتضمنها الرؤية الاستراتيجية للبلاد لعام 2030. فقد أدى ثبات أسعار النفط حول 50 دولارا للبرميل إلى استنزاف واتساع فجوة العجز في الموازنة السعودية. بينما كي نصل إلى نقطة التعادل المالي الوطني يجب أن يصل سعر البرميل إلى 75 دولارا.
لكن في غضون 13 عاما، إذا سارت الأمور وفق الخطة المرسومة، فستصل المملكة إلى نقطة الاستقرار المالي، مع اقتصاد ومجتمع أكثر ديناميكية، وأقل اعتمادا على النفط والإنفاق الحكومي.
التحدي الأول
لكن الصحيفة رأت أن تطبيق مثل هذه الخطة ليس أمرا بسيطا بالطبع؛ إذ إن اقتصاد المملكة عالق في عقلية العائدات الريعية منذ ثلاثينيات القرن الماضي عندما تولى حكم البلاد «آل سعود»، وتم اكتشاف البترول، وهذا هو التحدي الأول لعملية الخصخصة في السعودية.
ويعد طرح شركة أرامكو السعودية -وهي شركة النفط الوطنية ومصدر معظم ثروات المملكة- للاكتتاب العام محور خطة الخصخصة إجمالا.
فإذا تم المضي قدما في عملية البيع وفقا للقيمة التي أقرها محمد بن سلمان -ولي العهد السعودي وصاحب رؤية 2030- وهي تريليونا دولار، فسترتفع قيمة الشركة في الأسواق العالمية بمقدار 100 مليار دولار، في ظل تنافس بورصتي لندن ونيويورك على تحقيق أكبر قدر من الربح من خلال طرح أسهم الشركة للاكتتاب العام، فضلا عن سوق الأوراق المالية في الرياض «تداول».
إنه مبلغ ضخم للغاية، إذ يعد أربعة أمثال أكبر طرح للاكتتاب العام على مر التاريخ. ومع ذلك، لا يمثل هذا المبلغ إلا نصف القيمة التقديرية لباقي خطة الخصخصة.
التحدي الثاني
تحديا ثانيا أضافته «الغارديان» لخطة الخصخصة المتسارعة في المملكة؛ إذ لا تتوفر الصورة الجلية للطريق الذي ستسلكه المملكة.
فثمة أسئلة دائما ما تثار حول الدوافع الحقيقية لهذه الخطة، وكذلك الأطر القانونية والتنظيمية التي ستحكم هذه الخطة، بالإضافة إلى الشكل الذي ستتم به عملية الخصخصة، هل سيكون طرحا للاكتتاب العام، أم صفقات خاصة لنقل الملكية، أم مبيعات تجارية لغير السعوديين؟
وعن ذلك، يقول «ناصر الصعيدي»، وزير الاقتصاد السابق للبنان، ويعمل حاليا مستشارا اقتصاديا، وقاد محاولة فاشلة لخصخصة قطاعات اقتصادية كبيرة في بلاده أوائل العقد الأول من الألفية الجديدة: «عندما تتجه للخصخصة، يجب أن تتوافر لديك خطة عمل قانونية وتنظيمية، وهما غير متوفران في السعودية حتى الآن».
رغم ذلك، هناك فكرة واضحة عن الأصول المعروضة للبيع؛ لأن كل شيء تقريبا سيكون على الملأ. فقد بدأ «المركز الوطني للخصخصة» عمله، في مارس/آذار من هذا العام، ووضع قائمة تتضمن القطاعات المختلفة للاقتصاد السعودي تتضمن هذه القائمة البيئة، والمياه والزراعة، والمواصلات، والطاقة والصناعة والموارد المعدنية، والعمالة وتنمية المجتمع، والإسكان، والتعليم، والصحة، والتنمية المحلية، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وخدمات الحج والعمرة، ويعلن موقع المركز على الإنترنت، أن كل هذه القطاعات ضمن برنامج الخصخصة.
هناك بعض القطاعات المتفوقة في هذه القائمة. يقول المصرفي السعودي إنه بسبب التشكيلة السكانية الشابة للمملكة، فإن الاستثمار في قطاعي الصحة والتعليم من المحتمل أن يكون من أكثر الاستثمارات تحقيقا للربح.
التحدي الثالث
لكن بقدر ما هنالك من فرص متاحة للخصخصة، هناك أيضا بعض المشكلات الخطيرة المرتبطة بعملية بيع أصول طالما نظر إليها على أنها جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والثقافي للبلاد، وهو التحدي الثالث الذي يواجه خطة الخصخصة في المملكة.
وعن ذلك يقول «الصعيدي» إن «سيطرة القطاع الخاص على التعليم، وبالأخص إذا كان تعليما أجنبيا، سيكون أمرا ثوريا في المملكة. فهل سيتمكن المستثمرون في مجال التعليم من التحكم في وضع المناهج الدراسية؟ من شأن ذلك أن يتعارض بشكل كبير مع الموروث الثقافي والحضاري للمملكة».
للتغلب على مثل هذه الأمور الحساسة، هناك أصول أخرى أكثر علمانية، لا ترتبط بموروث ديني أو ثقافي مثل محطات الطاقة، ومحطات تنقية المياه، والبنية التحتية للطرق والمواصلات، هي أكثر ملاءمة لبرنامج الخصخصة.
التحدي الرابع
كما أن هناك عقبات أخرى لابد من التغلب عليها. فبعض السعوديين، وليس فقط المحافظون منهم، انتقدوا خطة الخصخصة باعتبارها تخليا عن موروث وطني أكثر منه صفقة اقتصادية، أو بمثابة الطلب منهم بيع شيء هم يملكونه بالفعل، وهذا هو التحدي الرابع.
وعودة إلى دوافع عملية الخصخصة في المملكة، أشارت «الغارديان» إلى أنه على مدار السنوات الثلاث الماضية، وبينما كان الوريث السعودي الجديد يخطط لتأمين خلافته، أحاط نفسه برموز عامة ومستشارين خاصين به استخلصوا جميعا نفس الاستنتاج؛ وهو أن المملكة ستغدو في خطر جم إن لم يغير شعبها ما هو عليه.
إذ يواجه «آل سعود» صراعات -قد يفشلون في تخطيها- على كافة الأصعدة لإحكام قبضتهم على البلد الذي يخطو نحو الانهيار.
فعلى المستوى الثقافي والاجتماعي والاقتصادي، كانت المملكة بحاجة إلى إصلاح، وقد علق «بن سلمان» كل من صعوده المذهل والإرث الناتج عن ذلك على محاولة الإصلاح الأوسع التي شهدتها المملكة.
ولن تكون عوامل مثل الملكية المطلقة، والقطاع العام المتضخم غير الفعال، وكشوف الرواتب الحكومية الضخمة، والتعنت أمام أي محاولة للتغيير أهدافا سهلة على الإطلاق. أضف إلى ذلك عقلية الاستحقاق المنتشرة بين العديد من الشباب السعودي، وانخفاض إنتاجيتهم، والتحديات التي تبدو مستعصية على الحل.
وتتمحور خطة الأمير الشاب حول توزيع الثروة وإعطاء مواطني المملكة حق الشراء. وكالحلوى، ألقى الأمير أيضا ببعض الإصلاحات الثقافية، مثل فتح دور السينما، وتشجيع الحفلات الموسيقية، وغيرها من تحسينات الحياة الاجتماعية التي يتوق إليها الكثير من السعوديين، وفق تقرير «الغارديان».
وقال وزير سعودي بارز لمجلة «ذا أوبزرفر» البريطانية في وقت سابق من هذا العام: «هذه ثورة ثقافية متخفية في شكل إصلاح اقتصادي».
وأضاف: «كل شيء معلق عليها».
التحدي الخامس
ويتشابك إصلاح الطريقة التي يعيش بها السعوديون مع تغيير طريقة عملهم. فعلى الرغم من الحماس بين العديد من القطاعات في المجتمع، هناك استياء واسع النطاق بين المجتمعات الأخرى على نطاق الخطط والرؤى. قال الوزير البارز إن «القيادة أقل تحفظا بكثير من القاعدة(...) ولن يكون أي من ذلك سهلا على الإطلاق».
وأضاف: «إنهم يأملون أن يحدث تحول كامل في القيمة عبر جيل واحد. وللقيام بذلك، سيتعين عليهم أن يتكفلوا بعلماء الدين في نفس الوقت الذي يبنون فيه اقتصادا جديدا»، وهذا هو التحدي الخامس؛ إذ يواجه علماء الدين بغض خطط الخصخصة التي تضفى تحررا على قطاعات في بلد طالما اعتمد قيم شديدة المحافظة.
واختتمت «الغارديان» تقريرها معتبرة أن «ما قد يؤول إليه هذا التحول (برنامج الخصخصة) عظيم، لكن مخاطر الفشل قد تثنيك عن ابتغائه»، لافتة إلى أن «التحديات بدأت تظهر، وها هو الأمير الشاب يكرس مملكته لمواجهتها».