في تغطيتها لزيارة ضابط الجيش والدبلوماسي السعودي السابق أنور عشقي، لإسرائيل ولقائه مسؤولي وزارة الخارجية الإسرائيلية في القدس، لم تشر صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية لشيء يخص الفلسطينيين مباشرة، سوى الإشارة إلى أن زيارة عشقي الذي يرأس مركز أبحاث، ومعه أكاديميون ورجال أعمال، تضمنت أيضاً لقاء الرئيس الفلسطيني ومسؤولين فلسطينيين، كما ظهر في الصورة المرافقة للخبر جبريل الرجوب، عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح".
في السنوات الأخيرة، لم يعد هناك تصور فلسطيني مطروح للتعامل مع الاحتلال سوى "تدويل الصراع". ولطالما فُهم هذا على أنه يعني ضغطا ما، ورغبة في ضغط ما على الإسرائيليين. وذهب البعض ليقول إنّه يمكن فرض عزلة على الإسرائيليين. لكن الجهد الفلسطيني الرسمي الحقيقي يبدو سائرا في اتجاه آخر؛ هو اللجوء إلى المزيد من التطبيع وتنسيق التطبيع وتسهيله، أو في أحسن الأحوال الوعد به.
قبل أشهر (في آذار (مارس) الماضي)، زار وفد بتعليمات من القيادة الفلسطينية، بيت عزاء منير عمار (رئيس الإدارة المدنية للاحتلال العسكري الإسرائيلي في الأراضي المحتلة العام 1967). والرسالة حينها خطرة للغاية، هي أنّه حتى دخول العرب عموماً في الأراضي المحتلة العام 1948، للجيش والخدمة ضمن الأجهزة التي تحتل أراضي العام 1967، لا يحول دون أن يلقوا أعلى درجات الاحترام والتقدير من الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال، لدرجة كيل المديح لهم بعد وفاتهم. وكانت الذريعة أنّ هذا يُوجد حلفاء للفلسطينيين داخل الساحة الإسرائيلية! والدليل غضب أفيغدور ليبرمان، وزير دفاع الإسرائيليين، من هذه اللقاءات والتحركات.
الآن، هناك خطوة جديدة، هي قدوم سعوديين لا لزيارة المقدسات، وليس للتضامن مع الفلسطينيين، بل للقاء الإسرائيليين في الحكومة والمعارضة، داخل القدس ذاتها. وهذه الزيارة، كما تدل الصورة على الأقل، تحدث بدعم رسمي فلسطيني.
ومضمون الأخبار في الصحف الإسرائيلية بالغ الخطورة؛ فهو يقول إنّ السعوديين المشاركين امتدحوا نهج محمد أنور السادات، الرئيس المصري الذي أبرم اتفاقيات السلام نهاية السبعينيات مع الإسرائيليين. وهنا لا بد من التوقف عند حقيقة أن السادات أبرم سلاما منفردا من دون أن ينتظر حل الشأن الفلسطيني؛ فهل يعني ذلك النهج ذاته؛ البحث عن نقاط لقاء وتطبيع مع الإسرائيليين، قبل التوصل لأي تسوية مع الفلسطينيين، تتضمن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي؟ في الواقع أنّ هذا ما يعلن الإسرائيليون التخطيط له صراحة.
بات النهج الفلسطيني الرسمي يصب في خانة تخفيف الضغط على الإسرائيليين، سياسيا داخليا كما في حالة منير عمار، ودوليا كما في حالة عشقي.
بالتزامن مع زيارة عشقي، هنأ بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، وهو يتحدث أمام الكنيست، "وزير الخارجية (الإسرائيلي) وفريقه"، لعملهم الممتاز في توسعة وتعميق علاقات إسرائيل الدولية. طبعا تعامل إسرائيليون مع حديث نتنياهو بأنه مزاح، لأنه ببساطه هو من يشغل منصب وزير الخارجية. ولكن كما تقول "تايمز أوف إسرائيل"، لا غرابة أن يهنئ نتنياهو نفسه "إذ لم يعد موضع جدل أنّه تحت إشرافه حققت الحكومة الإسرائيلية إنجازات مدهشة". وعددت الصحيفة الإنجازات الدبلوماسية مع روسيا، والصين، واليابان، والهند، وتركيا، وأفريقيا، ثم مصر "ودول عربية أخرى".
بالتزامن مع زيارة عشقي، قال دوري غولد الذي يدير وزارة الخارجية الإسرائيلية، إنه لا يرى في الاستيطان أو ضم أجزاء من الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية شيئا ضد السلام. وقال إنّه يرجح رفض مؤتمر السلام في باريس. لكنه قال أيضاً عبارات تفسر زيارة عشقي، واتصالات عرب آخرين مع الإسرائيليين، وهي أنّ "السائد أن السلام مع الفلسطينيين يساعد على التطبيع مع العرب"، ولكنه يعتقد أن الصحيح هو العكس. وقال لـ"تايمز أوف إسرائيل"، إنه "بتحسين العلاقات مع الدول العربية، نهيئ المسرح لاختراق مستقبلي مع الفلسطينيين".
يريد نتنياهو وحكومته استمرار الاستيطان، وتطبيعا مع الدول العربية، وتحسين العلاقات مع العالم، وترك موضوع الفلسطينيين للمستقبل. والمشهد كما يمكن قراءته، هو أنّ الإسرائيليين يهنئون أنفسهم أنهم ينجحون في هذا، وبمساعدة فلسطينية!
الأصل حصول الفلسطينيين على ثمن سياسي من زيارة كالتي قام بها عشقي. لكن النهج يبدو دفع كل الأثمان التي يريدها الإسرائيليون مقابل أمل مستقبلي غامض، غير مضمون.
د. أحمد جميل عزم- الغد الأردنية-