بعد يومين فقط من انتهاء زيارة ولي ولي العهد السعودي، الأمير «محمد بن سلمان»، إلى واشنطن ولقائه بالرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، تقدمت أسر نحو 800 من ضحايا هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 بدعوى قضائية جماعية أمام القضاء الأمريكي ضد حكومة المملكة العربية السعودية، حيث اتهموها بتمويل تنظيم «القاعدة» وتقديم أشكال أخرى من الدعم.
هذه هي أول دعوى قضائية تستند إلى قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب، المعروف باسم «جاستا». وإذا كان التحرك جاء بهذه الجماعية (800 أسرة دفعة واحدة) فهذا لا يعني فقط أن الأمر منظم ولا يتحرك بعشوائية، لكنه يعني أيضا أنه جدي. في المقابل، ليس من الواضح كيف ستواجه حكومة المملكة هذه القضية. فبينما توقع مراقبون أن تلجأ المملكة لممارسة ضغوط على واشنطن لتعديل القانون، أو حتى إلغائه، إلا أنها فيما يبدو باتت خاضعة للضغوط كونها في حاجة للدعم الأمريكي في حرب اليمن بصور خاصة، وفي مواجهتها الإقليمية ضد إيران بصورة عامة، بالإضافة إلى حسابات ولي ولي العهد الخاصة، الذي بحسب مراقبين يسعى لاستغلال العلاقات مع الإدارة الجديد في دعم خطته للصعود إلى عرش المملكة.
وقد لاحظ «سيمون هندرسون» الخبير في شؤون المملكة لدى «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» كيف أن الأمير الشاب أدلى بتصريحات (مجاملة) أثناء زيارته لواشنطن؛ حيث وصف «ترامب» بـ«صديق للعرب»، وأكد أنه لا يعتقد أن قرار منع مواطني ست دول من دخول أمريكا موجه ضد المسلمين. وأكثر من ذلك، فقد برر القرار بقوله إن أمريكا تريد حماية نفسها من (الإرهاب). ويستنتج «هندرسون» أن «ترامب وإدارته أوكلت للسعودية دوراً مفتاحياً في الشرق الأوسط». وبالتالي فإن الأمير «محمد بن سلمان» يرغب باستغلال ذلك.
وبالرغم من المخاوف الناتجة عن قانون «جاستا»، وعلى عكس المتوقع، فقد ارتفعت خلال الأشهر الأربعة الماضية - أي الأشهر التي أعقبت إقرار القانون - حصة السعودية من سندات الخزانة الأمريكية بقيمة حوالي 23 مليار دولار، وبنسبة تبلغ 25٪ دفعة واحدة. حيث اشترت السعودية أذونات وسندات خزانة أمريكية بقيمة 9.5 مليار دولار خلال يناير/كانون الثاني الماضي، لترفع رصيدها إلى 112.3 مليار دولار، مقابل 89.4 مليار دولار بنهاية سبتمبر/أيلول 2016، بعد زيادات منتظمة بلغت 96.7 مليار دولار بنهاية أكتوبر/تشرين الأول، و100.1 مليار دولار بنهاية نوفمبر/تشرين الثاني، و102.8 مليار دولار بنهاية ديسمبر/كانون الأول.
وسبق أن لجأت بعض أسر ضحايا الهجمات خلال السنوات الماضية إلى القضاء الأمريكي لمقاضاة المملكة. لكنّ الحصانة السيادية التي يوفرها القانون لأي دولة لا تصنفها حكومة الولايات المتحدة كدولة راعية للإرهاب، منعت المحاكم الأمريكية من المضي قدما في نظر تلك الدعوات. ومن ثم كان الهدف الرئيسي لقانون «جاستا» هو إسقاط الحصانة والسماح للمواطنين الأمريكيين بمقاضاة دول لا تصنفها الحكومة الأمريكية كدول راعية للإرهاب. وبينما اتخذت إدارة الرئيس السابق موقفا صريحا ضد القانون، ورفضه «باراك أوباما» ووزير خارجيته «جون كيري»، فلم يعلن الرئيس الحالي «ترامب» موقفه من القانون بعد انتخابه للرئاسة، بينما سبق أن انتقد موقف «أوباما» من القانون أثناء حملته الانتخابية، حيث وصف «ترامب» فيتو «أوباما» تجاه مشروع القانون بأنه «مخجل».
وبحسب تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال» فإن الاحتمالات حول تغيير الكونجرس لمشروع القانون «ضعيفة». وتضيف الصحيفة أنه وفي حين أظهر الرئيس «ترامب» الاستعداد للتحول من المواقف التي تبناها خلال حملته الانتخابية، فإنه لا توجد أي إشارة أن البيت الأبيض يريد التراجع عن هذا الإجراء. كما أن المشرعين لم يقوموا بأي محاولة جديدة لتغيير القانون هذا العام بعد الجهود السابقة. لذلك يبدو من غير المفهوم صمت المملكة، وعدم التطرق لهذا الموضوع خلال لقاء الأمير «محمد بن سلمان» بالرئيس «دونالد ترامب». وعلى العكس أحاطت بالزيارة أجواء من الاحتفالية والوعود بالمزيد من الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة على الرغم من أن بقاء «جاستا» يهدد الأصول السعودية في واشنطن في حالة تمكن أسر ضحايا هجمات سبتمبر/أيلول من الحصول على حكم قضائي بتعويضات مالية ضد حكومة السعودية.
وفي ديسمبر/كانون أول الماضي، كشفت شبكة «سي إن إن» الأمريكية أن السعودية ستكون الممول الأكبر لخطة استثمارات تكنولوجية ضخمة لمجموعة «سوفت بنك» اليابانية في الولايات المتحدة تمكن الرئيس الأمريكي المنتخب، «دونالد ترامب»، من الاتفاق عليها آنذاك مع المجموعة اليابانية. وبحسب الملياردير «ماسايوشي سون»، الرئيس التنفيذي ومؤسس سوفت بنك، فإن تمويل الخطة البلغ حوالي 100 مليار دولار سيكون بالشراكة مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي (وهو صندوق ثروة سيادي للحكومة السعودية) وشركاء آخرين محتملين؛ حيث من المقرر أن تبلغ حصة التمويل السعودي حوالي 45 مليار دولار.
الطريق إلى واشنطن عبر أبوظبي وتل أبيب
في نفس السياق، كشفت تقارير صحفية، وتغريدات للمغرد السعودي الشهير «مجتهد»، استطاع «الخليج الجديد» عبر مصادر خليجية مطلعة التأكد من دقتها، أن (إسرائيل) والإمارات لعبتا دورا مهما في ترتيب زيارة «بن سلمان» لأمريكا ولقائه «ترامب». وقد ظهر ذلك في الترويج لولي ولي العهد السعودي - عبر شركات العلاقات العامة المتعاقدة مع الإمارات - باعتباره الحليف المناسب للرئيس «ترامب» في حربه على الإرهاب. ليس فقط من خلال تصريحات «بن سلمان» بل من خلال الترويج لدوره في التصدي لرجال الدين (المحافظين)، وخططه (الإصلاحية) التي تتمثل في تقييد دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واعتقال علماء ودعاة انتقدوا سعيه لإرضاء الغرب – مثل الشيخ عبد العزيز الطريفي – ودعم أنشطة هيئة الترفيه.
ووفق «مجتهد»، «فقد ردّد بن سلمان في لقاءاته مع الأمريكان أن السعودية ستسقط بيد المتطرفين إن لم تقف أمريكا معه، يقصد ضد الجناح الآخر، دون أن يصرح بذلك».
كما كشف «مجتهد» أن مساعي «بن سلمان» لخلافة والده تجددت بعد استلام «ترامب» السلطة، حيث «تمكن فعلا من بناء علاقة قوية مع المقربين من ترامب وخاصة رودي جولياني عمدة نيويورك سابقا». لكن الملك «سلمان» رفض الفكرة، بحسب مجتهد. ولفت «مجتهد» أن «جولياني قد أثنى شخصيا على بن سلمان وقال بالنص أنه يسعى مشكورا للتطبيع مع إسرائيل والحد من سلطة المتشددين الإسلاميين في السعودية».
وبحسب مصادر «الخليج الجديد»، فقد قد ظهر العامل الإسرائيلي في قرار استئناف شحنات النفط من شركة «أرامكو»، التي يرأسها بن سلمان نفسه، إلى القاهرة رغم عدم التوصل إلى أي حلول بخصوص ملف تسلم السعودية لجزيرتي «تيران وصنافير». لكنّ الدعم الإسرائيلي لزيارة «بن سلمان» تطلب تقديمه دعما لحليف «نتنياهو» الرئيسي في المنطقة الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي».
وقد استهدفت الزيارة بالتالي أن تزداد أهمية الأمير «محمد بن سلمان» لدى واشنطن على حساب ولي العهد الأمير «محمد بن نايف». لكنّ «بن نايف» مازال يتمتع بثقة الولايات المتحدة. لذا سيعمل ولي ولي العهد السعودي مع شركائه الإقليميين على تعزيز فرصه والإسراع بتحقيق طموحه. وهو ما سيضعه في مواجهة داخلية مع أطراف في العائلة المالكة وولي العهد، كما سيتطلب منه الاستجابة لمزيد من الالتزامات تجاه حلفائه في أبوظبي وتل أبيب باعتبارهم بوابته إلى واشنطن.
عدنان التميمي - الخليج الجديد -