من الصحافة العبرية - دان شابيرو يكتب-
توقيت الإعلان السعودى لم يكن متوقعا، لكن مضمونه لم يكن مفاجئا: ابن الملك سلمان، محمد بن سلمان، رُقّى إلى منصب ولى العهد محل ابن عمه الأكبر سنا منه، محمد بن نايف. وكما فى العائلات المالكة الأخرى، يفضل الملوك فى السعودية انتقال العرش إلى ذريتهم المباشرة، مع الأخذ فى الحسبان العمر الشاب لولى العهد (31 عاما) والعمر المتقدم لوالده، فإن ولى العهد الشاب يمكن أن يحكم طوال عشرات السنوات.
بالنسبة إلى إسرائيل والولايات المتحدة ينطوى هذا الاختيار على ضمانة إلى جانب مخاطرة معينة. وسوف تضطر الدولتان إلى تبنى دبلوماسية حكيمة والتمسك بمصالحهما المهمة من أجل تحقيق الحد الأقصى من الفائدة وتقليل المخاطر.
لقد ذاع صيت محمد بن سلمان بأنه من أنصار الإصلاح والتحديث، ويمتلك جرأة كبيرة لم يمتلكها أى زعيم سعودى سابق. من المعروف عن ابن عمه، محمد بن نايف، أنه شريك دائم وأمين للولايات المتحدة، خاصة فى محاربة الإرهاب، لكنه ينتمى إلى جيل أكثر محافظة، ومن الصعب تخيله مقدما على الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية التى يدعمها ولى العهد:
خصخصة شركة النفط، تقليص الدعم الذى تقدمه الدولة من أجل إجبار المزيد من السعوديين على الخروج إلى العمل، تحسين المستوى المهنى لقوات الأمن وتوسيع الفرص أمام النساء. إن انفتاح بن سلمان على الأفكار الجديدة يمكن أن يُبشر بتغير فى المجتمع السعودى وفى علاقات السعودية بالعالم.
من الناحية الاستراتيجية، يميل بن سلمان نحو التحالفات مع الدول العربية السنية المعتدلة: لقد أقام صلة مع ولى العهد الشاب فى اتحاد الإمارات، محمد بن زايد، وهو يؤيد الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى. والقاسم المشترك بين الزعماء الثلاثة هو كراهية إيران والمحور الشيعى الراديكالى والحركات الإسلامية السنية، بدءا من الإخوان المسلمين وصولا إلى القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية.
إن صعود زعماء مسلمين أقوياء يعتبرون أن (أعداء) الولايات المتحدة وإسرائيل أعداء لهم، يمكن أن يشجع على بلورة تكتل من الدول يضم الولايات المتحدة ودولا سنية وإسرائيل، لديها مصلحة استراتيجية مشتركة فى الشرق الأوسط، ومستعدة لمواجهة اللاعبين المتطرفين فى المنطقة.
بالنسبة إلى إسرائيل وجود زعيم سعودى ديناميكى يشاركها نظرتها الاستراتيجية ويعترف بأن هذا يضعها فى المعسكر نفسه، هو تحقق حلم.
لكن فى الوقت عينه، أظهر ولى العهد ميلا نحو المواجهة، بخلاف سلفه، ونحو عدم التنسيق دائما مع الولايات المتحدة. فالمعركة العسكرية التى تخوضها السعودية فى اليمن، والتى تهدف إلى اخضاع المتمردين الحوثيين الذين يتحركون بدعم من إيران، تُدار بصورة سيئة.
وقد ألحق القصف العشوائى أضرارا كبيرة بالسكان المدنيين، وأدى إلى انتشار الجوع والأمراض. وقد تجاهل بن سلمان نصائح الولايات المتحدة من أجل تحسين مستوى التصويب وإطلاق النار على أهداف عسكرية، وطالب بدعم أمريكى كامل للسعودية.
والمعركة الأخيرة التى تخوضها السعودية من أجل عزل جارتها، قطر، على خلفية دعمها لتنظيمات سنية متطرفة، هى نموذج لسلوك متهور له نتائج مؤذية لمصالح الولايات المتحدة. وباستثناء تغريدات التأييد الأولى من جانب الرئيس دونالد ترامب، اضطرت الولايات المتحدة إلى محاولة إصلاح الخلاف الذى يجعل من الصعب عليها القيام بعملياتها العسكرية الجوية من قاعدتها الكبيرة فى قطر.
بناء على ذلك، فى مقابل دعم السعودية، يتعين على الولايات المتحدة أن تكون حازمة مع ولى العهد وأن توضح له أنها تنتظر منه عدم القيام بخطوات يمكن أن تضر بمصالح الولايات المتحدة من دون اجراء استشارات مسبقة.
وحتى الإسرائيليون الذين يمكن أن يعلقوا أملهم على مواجهة ضد إيران بقيادة الولايات المتحدة أو ضرب منشآتها النووية، يدركون أن مثل هذا القرار يجب أن يُتخذ فى واشنطن، وليس فى الرياض.
ختاما، فى الولايات المتحدة وفى إسرائيل يأملون أن يكون ولى العهد بن سلمان منفتحا على تحسين العلاقات مع إسرائيل، وصولا إلى عملية تطبيع.
ورغم ضرورة تشجيع مثل هذه الخطوات، من الأفضل الامتناع عن الشعور بسرور لم يحن أوانه. فمن المؤكد تقريبا أن مقاربة ولى العهد الجديد لن تخرج كثيرا عن مبادرة السلام العربية، التى تشتمل على إمكانية تطبيع كامل مع إسرائيل، لكن فقط ضمن إطار حل الدولتين، الذى يضع نهاية للنزاع مع الفلسطينيين.
وحتى بعد أن يرسخ مكانته، ليس من المعقول أن يقدم بن سلمان على مخاطرات سياسية وأن يبتعد عن المشكلات الإقليمية المطروحة على رأس أولوياته، من أجل تسخين العلاقات مع إسرائيل علنا، وبالتأكيد ليس قبل حدوث انعطافة مهمة فى المشكلة الفلسطينية.
وبينما يواصل جاريد كوشنر وجيمس غرينبلات تحركهما الدبلوماسى فى المنطقة، فإنه يتعين عليهما أن يقولا بوضوح للعرب إن الولايات المتحدة تشجع عملية تطبيع العلاقات، وأن يقولا أيضا بوضوح لإسرائيل ما هو المطلوب من أجل تحقيق ذلك.