نورالدين المنصوري- الخليج الجديد-
على الرغم من أن المملكة العربية السعودية تبحث عن نصر زائف يحسن صورة نظامها داخليا وإسلاميا، فإن الموقف السعودي تجاه محنة المسجد الأقصى يمكن تفسيره على أنه من متممات السير نحو التطبيع مع «إسرائيل».
كما أن تعاطي الاحتلال إعلاميا مع تدخل العاهل السعودي الملك «سلمان بن عبدالعزيز» لحل أزمة الأقصى، لا يخرج عن إطار الترسيخ لحقيقة أن الأنظمة العربية بما فيها السعودية تتواصل معه، في حين أن ما يجري على الأرض بشأن الأوضاع في المسجد الأقصى والقدس يمضي كما هو دون أي تأثير على خطط الاحتلال.
وحتى إن صحت الأخبار المتداولة حول تدخل الملك «سلمان» لإعادة فتح الأقصى، فإن المسجد فتح في موعده المعلن من قبل الاحتلال منذ لحظة إغلاقه، ولم ترفع البوابات الإلكترونية بل على العكس روج موقع «إيلاف» -المقرب من السلطات السعودية- لضرورتها رغم رفض المقدسيين لوجودها كونها تمهد لسيطرة الاحتلال على الحرم وتقسيمه زمانيا.
وفي هذا الإطار، أصر رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» على إبقاء البوابات الإلكترونية، بينما رأى وزير الأمن الداخلي «جلعاد أردان» أنها تتسبب في اكتظاظ عند البوابات والساحات وقد تؤدي إلى احتكاكات خلال عملية الفحص، وكذلك تضع أفراد الأمن والشرطة في دائرة الاستهداف وعمليات الطعن وإطلاق النار.
وأكد «أردان» أن أجهزة الأمن والشرطة لن تزيل البوابات الإلكترونية وستبقى قبالة بوابات الأقصى، ما لم تتخذ قرارات مغايرة لدى المستوى السياسي الإسرائيلي.
كما كشف «أردان» النقاب عن أن سلطات الاحتلال نسقت مع دول عربية وإسلامية لنصب البوابات الإلكترونية قبالة المسجد الأقصى، لافتا إلى أن ذلك كان عبر اتصال مباشر مع بعضها أو عن طريق طرف ثالث مع الأخرى.
جاء ذلك، بعد أن كشف مصدر مطلع أن الملك «سلمان» تدخل شخصيا لحل أزمة المسجد الأقصى بعد إغلاقه من قبل «إسرائيل» عقب العملية التي نفذت قربه يوم الجمعة الماضي، حيث أفاد موقع «إيلاف» الإخباري نقلا عن المصدر، أن الاتفاق على إعادة فتح المسجد الأقصى أمام المصلين والسياح جاء عقب تدخل العاهل السعودي عبر طرف ثالث هو الولايات المتحدة.
وقال «أردان» في حديثه لإذاعة الجيش، مساء أمس الثلاثاء، إن القرار الذي اتخذته الحكومة الإسرائيلية بنصب بوابات إلكترونية وتشديد الإجراءات الأمنية قبالة ساحات الحرم القدسي الشريف، سبقه تنسيق مع دول عربية وإسلامية، وتم فور وقوع الاشتباك بساحات الأقصى.
ولم يوضح الوزير الإسرائيلي هوية الدول المعنية، لكن تصريحاته ترافقت مع ما نقلته وسائل إعلام إسرائيلية عن مصادر إعلامية أجنبية، حول وجود تفاهمات سعودية إسرائيلية حيال الإجراءات الأمنية ونصب البوابات الإلكترونية في الأقصى، وتفهم الرياض لمزاعم تل أبيب بأن ذلك يندرج ضمن ما يسمى مكافحة الإرهاب.
من جهتها، ذكرت صحيفة «هآرتس» العبرية أن الملك «سلمان» اتصل بالإدارة الأمريكية وطلب تدخلها لدى «نتنياهو» لإعادة فتح المسجد الأقصى، والذي بدوره استجاب للطلب مع تبليغ تل أبيب واشنطن بتحديث الإجراءات الأمنية وتوجه أذرع الأمن الإسرائيلية لنصب البوابات الإلكترونية، لكن دون المساس بالوضع القائم أو تغييره، وكان الأردن بصورة هذه الاتصالات، بحسب الصحيفة.
وبحسب موقع «ويلا» الإسرائيلي، فإن «نتنياهو» تعهد للملك «سلمان» عن طريق واشنطن بأن «إسرائيل» لن تغير الوضع القائم في الأقصى، وستحافظ عليه من خلال تغيير الإجراءات والترتيبات الأمنية لضمان أمن وسلامة المصلين، على حد تعبير الموقع.
وأكد الموقع أن «نتنياهو» وجه دعوة للمسؤولين السعوديين لزيارة القدس والأقصى، لمعاينة الأوضاع على أرض الواقع، دون أن يعلن إذا ما كان الجانب السعودي قد أبدى استعداده لتلبية الدعوة.
وأطلقت الحكومة الإسرائيلية حملة دعائية وفيديوهات خاصة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، موجهة إلى العالمين العربي والإسلامي والمجتمع الدولي، بغرض الترويج للبوابات الإلكترونية والترتيبات الأمنية الجديدة في الأقصى، تظهر أن هذه الإجراءات الأمنية معمول بها في دول عربية وإسلامية.
كما تزعم الحملة أن أبواب الأقصى مفتوحة أمام الجميع، ويتم الاستعانة بأنظمة حراسة لضمان أمن وسلامة الجمهور وحرية العبادة في ساحات الحرم.
متممات السير نحو «التطبيع»
واعتبر المراقبون أن تداول الإعلام السعودي لتدخل الملك «سلمان» لحل أزمة الأقصى، ربما يدل على أن مكانة السعودية لدى الاحتلال باتت أكبر من تلك التي كانت مخصصة للأردن، وفق اتفاقية وادي عربة التي نصت على الاعتراف بمكانة مميزة للأردن في الحرم القدسي، مشيرين إلى أن صوت المملكة العربية السعودية يخفت كثيرا تجاه الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى، في لحظة سياسية تشير معالمها إلى تسارع الخطوات من المملكة نحو التطبيع مع «إسرائيل».
وأوضحت تقارير أن المملكة تجر حاليا قاطرة التطبيع بشكل متسارع، كما أن الإمارات والبحرين ينسجان علاقات سرية مع تل أبيب، كما أشارت تسريبات عدة وصحف إسرائيلية.
ووفق كثير من المحللين، تأتي تلك الموجه الإعلامية السعودية تجاه «إسرائيل» ضمن خطة من ولي العهد «محمد بن سلمان»، لتهيئة الشارع السعودي لأي اتفاق محتمل مع «إسرائيل».
وعلى الرغم من أن علماء المملكة العربية السعودية منعوا من التغريد عن الأقصى استمرارا لتعهدهم بعدم التغريد تحت تهديدات الديوان الملكي على خلفية الأزمة الخليجية ثم تعيين «بن سلمان» وليا للعهد، غرد الدكتور «عائض القرني» -المقرب من بن سلمان- ضمن محاولة الترويج لتدخل العاهل السعودي لإعادة فتح الأقصى، قائلا: «الملك سلمان يفتح أبواب الأقصى اللهم أيده بالحق، وانصر به الملة، ووفقه لنصرة الإسلام والمسلمين».
ورأى مراقبون أن تغريدة «القرني» جاءت في سياق التدليل على وجود حملة منظمة لاستغلال الموضوع في تلميع صورة النظام السعودي، كما أن نشر موقع «إيلاف» لتلك المعلومات عن مصادر وصفها بـ«المطلعة»، يعتبر جزءا من التمهيد الشعبي والإعلامي لما يسمى بـ«صفقة القرن» للتطبيع مع الاحتلال، والإقرار بشروطه.
وعمد الموقع -المقرب من السلطات السعودية- إلى الترويج إلى أن ما جرى لا يعد المرة الأولى التي تتدخل فيها المملكة لإنقاذ الفلسطينيين والقضية الفلسطينية، مشيرا إلى أن الملك الراحل «فهد بن عبدالعزيز» تدخل في العام 1982 لدى الرئيس الأمريكي آنذاك «رونالد ريغن» شخصيا وأنقذ بذلك ما تبقى من المقاومة الفلسطينية في لبنان وتم عبور الرئيس الفلسطيني الراحل «ياسر عرفات» بسلام من بيروت إلى تونس.