مركز الجزيرة للدراسات-
أكدت ورقة تقدير موقف صادرة عن مركز الجزيرة للدراسات، أمس، بعنوان «أثمان التصويت على انفصال كردستان» أن هناك شخصيات مؤثِّرة في السعودية والإمارات، قريبة من مركز صناعة القرار، رحبت بإجراء استفتاء الانفصال، ما يشير إلى أن بعض الجهات في البلدين تُقدِّر أن انفصال الإقليم يُوقع أضرارًا فادحة بتركيا وإيران اللتين عارضتا الحصار المضروب على قطر. وتكشف الورقة عن موقفين متناقضين في السعودية والإمارات بوجود دعم للانفصال في الخفاء بينما الموقف الرسمي المعلن من البلدين يعارضه وظهر الموقف الرسمي في بيان لوزارة الخارجية السعودية على حسابها في تويتر، واتخذت الإمارات الموقف ذاته، وعبَّر عنه وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، على حسابه في تويتر أيضا.
وترصد الراية وفقا لما توصلت إليه الورقة توجهات دول الحصار المستمرة نحو زعزعة أمن واستقرار المنطقة وتفتيت دولها على عكس ما تدعو إليه كافة الأعراف الدولية بالحفاظ على وحدة وسلامة أراضي الدول.
ويتأكد بعد حصار قطر ودعم هذه الدول الخفي لانفصال إقليم كردستان العراق أن دول الحصار لا تكترث بوحدة الشعوب بقدر تمسكها بنهج المكايدة السياسية لمن يخالفونها الرأي.. كما يتضح أيضا أن كل ما يتفق عليه العالم من آليات لتسوية النزاعات بالحوار والتفاوض أو رفض المساس بوحدة وسلامة الأوطان تخالفه دول الحصار.
مواقف إقليمية حازمة ضد الانفصال
أكدت الورقة أن مشكلة بارزاني، وقيادة الإقليم الكردي، الكبرى ليست في حسابات عقد الاستفتاء؛ فالاستفتاء في النهاية ليس أكثر من إجراء؛ وفي ضوء انتشار قوات البشمركة الواسع في شمال العراق وشرقه، بفعل شراكة الحرب ضد تنظيم الدولة، لم تكن هناك من عقبات تُذكر أمام العملية الإجرائية للاستفتاء. المشكلة فيما بعد الاستفتاء، وما إن كانت حسابات قيادة الإقليم الكردي لمواقف القوى الإقليمية صحيحة أو مبالغًا فيها.
ونوهت بأنه في اليوم التالي على عقد الاستفتاء، علَّق الرئيس التركي على توجهات قيادة الإقليم الكردي العراقي بصراحة حادة وغير معهودة، فقال أردوغان إنه تصور في بداية الأمر أن بارزاني لن يقوم فعلًا بعقد الاستفتاء، معترفًا بأنه أخطأ التقدير. ولكنه قال أيضًا: إن الاستفتاء غير شرعي، وإن شمال العراق لا يخص الأكراد وحسب، بل والعرب والتركمان والسريان والأيزيديين، وغيرهم؛ وأن أحدًا لن يعترف بالاستفتاء إلا إسرائيل، وأن تركيا لن تسمح بقيام دولة إلى جوارها تتحول إلى قاعدة للجماعات الإرهابية.
مستقبل محفوف بالمخاطر والمواجهات المسلحة
حذرت الورقة من مستقبل محفوف بالمخاطر والمواجهات المسلحة مشيرة إلى أنه من المؤكد أن حكومة بارزاني، الذي سبق أن قال عشية معركة تحرير الموصل من تنظيم الدولة: إن حدود الإقليم مرسومة بالدم، لن تنسحب بدون مواجهة مسلحة من بعض المناطق، سيما كركوك. وكركوك بالذات ليس لأن ثمة ارتباطًا قوميًّا للأكراد بالمدينة وجوارها؛ حيث إن كركوك في الحقيقة لا تعتبر تاريخيًّا منطقة أغلبية كردية، بل تركمانية، ولم يتواجد الأكراد فيها إلا منذ الخمسينيات، عندما أخذت صناعة النفط العراقي في الازدهار وأصبحت المنطقة بؤرة جذب للعمالة والباحثين عن الرزق. وإن أهمية كركوك لمستقبل الكيان الكردي تقع في موضع آخر.
النفط .. عقدة الكيان الجديد
ذكرت ورقة تقدير الموقف الصادرة عن مركز الجزيرة للدراسات أن الإقليم الكردي يُصدِّر حوالي 600 ألف برميل من النفط يوميًّا، وعندما كان سعر برميل النفط يفوق 100 دولار، كانت عوائده كافية لسدِّ حاجات حكومة الإقليم، بل وإطلاق مناخ من الازدهار الاقتصادي.
ولكن انخفاض سعر النفط إلى حوالي الخمسين دولارًا، وتوقع استمرار هذا المستوى من السعر لسنوات طويلة قادمة، بفعل المتغيرات الجوهرية في طرائق إنتاج مصادر الطاقة في العالم، يعني أن الإقليم لن يستطيع تدبير شؤونه الضرورية بمعدلات التصدير الحالية.
ولتوفير موارد كافية لوجود دولة مستقلة، لابد من السيطرة على كركوك، التي سترفع معدلات تصدير النفط في الكيان الجديد إلى حوالي المليون برميل يوميًّا. وهنا تقع عقدة الكيان الجديد وعلاقته بالعراق وجواره.
دعم دول الحصار للانفصال غير معلن
أشارت الورقة إلى أن الحسابات الإقليمية لرئيس إقليم كردستان العراق، مسعود بارزاني، كانت أكثر تعقيدًا؛ إذ تلقت أربيل دعمًا صريحًا من إسرائيل، حيث أعرب رئيس الحكومة الإسرائيلية طوال الشهور القليلة السابقة على موعد الاستفتاء عن تأييده لحق الأكراد في تقرير المصير ودعمه لبروز دولة كردية مستقلة في شمال العراق. ويبرز توافق الرؤية الإسرائيلية المعلنة مع الدعم الخفي من جانب دول الحصار لانفصال إقليم كردستان العراق.
وذكرت الورقة أن بارزاني ومؤيدوه تصوَّروا أن الموقف الإسرائيلي سيعمل على تغيير المقاربة الأمريكية من الاستفتاء ومن الدولة الكردية الموعودة؛ بل إن بإمكان أربيل، في كل الأحوال، استخدام الموقف الإسرائيلي، ومخاوف تركيا وإيران من تحول الدولة الكردية إلى منطقة نفوذ إسرائيلي كبير، للتأثير على موقفي تركيا وإيران. إضافة إلى ذلك، ثمة علاقات اقتصادية واستثمارية كبيرة بين كل من إيران وتركيا، من جهة، والإقليم الكردي، من جهة أخرى. وربما تصور معسكر بارزاني أن لا تركيا ولا إيران يمكن أن تضحي بعلاقاتها مع الإقليم، أو الاستثمارات الضخمة لشركاتها فيه.
خطة تركيا وإيران لاسترداد كردستان
أكدت الورقة أنه لا بغداد، التي يُفترض أن تتحمل مسؤولية حماية مواطنيها وثروات بلادها، ولا أنقرة، التي تعتبر نفسها الوصي على تركمان المشرق، يمكن أن تتسامح في مصير كركوك. وإلى جانب التهديد الذي تراه إيران وتركيا من قيام دولة كردية في قلب المشرق، فالأرجح أن أنقرة وطهران ستقومان بدعم بغداد وتأييدها إن اتخذت أي إجراء تراه مناسبًا لاسترداد كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها، سيما تلك التي تعتبر مناطق تداخل إثني.
بيد أن أنقرة وطهران تملكان وسائل وطرائق أخرى لحصار الكيان الكردي وخنقه، إن اختارتا فرض عقوبات على أربيل، بداية من إيقاف تصدير نفط الإقليم عبر تركيا، وإغلاق الحدود البرية والجوية، ووضع قيود على حركة المواطنين والمسؤولين الأكراد العراقيين. وبالرغم من أن المستبعد فرض مثل هذه العقوبات الثقيلة على الإقليم في المرحلة الحالية، فالأرجح أن ذهاب أربيل خطوة أخرى باتجاه إعلان الاستقلال سيقابَل مباشرة بعقوبات تركية وإيرانية. وحذرت الورقة في الختام من أن المسألة الكردية هي في طبيعتها عابرة للحدود، وإن تفاقم الخلاف بين بغداد وأربيل قد يشعل النار في المشرق برمته.