ملفات » العلاقات السعودية الاسرائيلية

مشروع "نيوم" كعبة السعودية الجديدة

في 2017/11/07

مبارك الفقيه- خاص راصد الخليج-

ما بال مملكة الخير قد أصبح نصف أمرائها ووزرائها في السجون؟! ما بال مملكة السلامة وقد اتّشحت برداء الفساد الذي تبيّن أنه يظلّل معظم عباءات قادتنا؟! أمراء ووزراء حاليون وسابقون سقطت عنهم الأقنعة بضربة جريئة وموقف شجاع أعلنه الأمير الشاب محمد بن سلمان، وها هم يخضعون لإجراءات التحقيق، والوعد المأمول أن يتكشف المزيد من حقائق السرقات والاختلاسات ونهب ثروات الناس ومملكة النخيل والنفط المبارك.

حسناً فعلت يا ابن سلمان.. كنا ننتظر شاباً طموحاً يكسر كل المحرّمات التي كانت تكبّل العقول المتحجّرة التي صفّدت أيدي الناس على مدة عشرات وعشرات السنين، ولم يكن أحد يجرؤ حتى على الكلام أو التحرك، فكان كل القوم متواطئين ومتآمرين على لقمة الشعب وثروات الأرض، ووحدهم الناس كانوا يشدّون الصبر على حناجرهم المتيبّسة، ويصمتون ويبتسمون ويأتون فرادى وجماعات يتبرّكون بأصحاب السمو والجلالة، ثم يعودون إلى منازلهم يجترّون الحسرة.

حسنا تفعل يا ابن سلمان .. كنا ننتظر عقلاً متنوّراً يفتح المملكة على أبواب جديدة، وها نحن اليوم ندخل الألفية الثالثة بمشاريع اقتصادية وتجارية واعدة ومتطوّرة تأخذ بالعقل العربي خارج إطار الجدران الخرساء التي كتمت على أنفاس الناس بشعارات تظلّلت زوراً باسم الدين والشريعة، وكأن العالم دوننا أصبح كله كفر ونحن فقط الذين نفقه الحياة، بينما نحن في الواقع  نغور في عمق التخلّف والتصحّر الفكري والحضاري متمنطقين بتعاليم بالية جاءنا بها "شيخ أكبر"، ولكن عفا عليها الزمن.

سبق أن أعلنت يا ابن سلمان أنك لن تداهن ولن تساوم .. ونحن معك في مسيرة التطهير، فأقدِم ولا تدع فاسداً، أميراً كان أم وزيراً، واضرب بيدك الحديدية كل من تسوّل له نفسه الإبقاء على تخلّفنا، وانطلق إلى رحب الحضارة والتقديم مع "مستقبل جديد" (NEOM) وهو عنوان مشروعك الحالم، فما ضير أن يكون التمدّن بعنوان أمريكي أو أوروبي أو حتى إسرائيلي؟! فالعلم لا دين له ولا طائفة ولا انتماء، وأنت رائد العلم والتفوّق وأنت أمل السعوديين نحو الأبواب المفتوحة، فلا تدعنا نرمق العالم من نوافذ الانترنت وشاشات الفضائيات، بل خذنا معك إلى السحاب، وإلى ميادين الطاقة والسياحة وحتى إلى مدن الألعاب، ولا تدع الصدأ يغتال معادننا الدفينة، فنحن توّاقون إلى اعتلاء مراكبك الجامحة حتى لو رست في موانئ حيفا وأشدود.

أقدِم با ابن سلمان .. فقد هرمنا قبل أواننا وآن لروحك الشابة التي تماهت مع روح الغرب و"الحلم الأمريكي"، أن تنتفض على تقاليد الزمن الرديء الذي أثقل كاهل المملكة والسعوديين والعرب دهوراً، وخنق أجيالنا الصاعدة، وآن الأوان لأن نبرئ شبابنا من تهمة البيسي كولا والفيسبوك والماكدونالد، ونتحوّل إلى عوالم جديدة نتمنّاها في السرّ، فيما الأمراء والوزراء من السارقين والمختلسين يعيشون في رغدها ومتعتها، فنحن أيضاً يحق لنا هذا الرغد والمتعة، ولا يمكن لنا أن نعيشها إلا معك.

ها هو مشروع "نيوم" يتراءى وترتسم معالمه المضيئة، وها نحن بدأنا نرى وفود الكون تحجّ إليه، ولا ضير إن قلنا أنه سيصبح للسعودية كعبتين، واحدة لمن يريد الحج وأداء المراسم السنوية المعتادة، وكعبة أخرى لمن يريد عيش الحياة السعيدة ولكلًّ دينه ومبتغاه. وكلنا أمل أن يأخذ هذا المشروع الحضاري المملكة إلى فلك آخر ليس فيه دعاة يهوّلون علينا بالنار والعذاب وليس فيه "رجال دين" يهدّدوننا بالتحقير والعقاب، بل فيه أصحاب الأموال والثروات، والواثقون بأن السعودية لن تبقى تلك الصحراء الجدبة، بل ستكون واحة الانفتاح والخيرات.