الخليج تونلاين-
تمهّد التطوّرات الأخيرة في لبنان لفرض تسوية تلتقي من خلالها مصالح الرياض وتل أبيب، التي لطالما روّجت من خلال تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لوجود مساعٍ لتشكيل حلف مع الدول السنية المعتدلة بقيادة السعودية.
مسؤول كبير بالإدارة الأمريكية كشف عن وجود خطة سياسية إقليمية شاملة لتسوية القضية الفلسطينية خلال مفاوضات قصيرة الأمد، وضعها دونالد ترامب.
وستقدّم الخطة للإسرائيليين والفلسطينيين حتى نهاية ديسمبر المقبل، على أن تقضي بإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وتطبيع كامل للعلاقات ما بين تل أبيب والدول العربية، بحسب ما ذكرت صحيفة "يسرائيل هيوم" المقرّبة من نتنياهو، الثلاثاء 7 نوفمبر الجاري.
وتمهيداً لما وصفه المسؤول بصفقة القرن، فمن المرجَّح، بحسب الصحيفة، أن يقود ترامب عملية تطبيع علاقات بين إسرائيل والعالم العربي بقيادة السعودية، الأمر الذي سيشكّل رافعة دبلوماسية واقتصادية لإسرائيل، بينما سيمكّن ذلك الرئيس محمود عباس من اتخاذ قرارات تاريخية، وتقديم تنازلات بالتشاور والدعم من بعض الزعماء العرب، خاصة السعودية ومصر والأردن.
- عدوّ مشترك
المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية "ميتفيم"، أكد في تحليل نشره، في أكتوبر الماضي، حول تعيين الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد، أن إسرائيل والسعودية تتمتعان بتاريخ طويل ومشترك من التعاون السرّي بالمجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية.
واعتمد التحليل على تصريحات ومواقف واعترافات رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن، أفيغدور ليبرمان، ووزير المواصلات والاستخبارات، يسرائيل كاتس، التي كشفت المستور وأخرجت العلاقات بين البلدين للعلن، بزعم مواجهة عدوٍّ مشترك وهو إيران.
ولعل الأخبار التي تم تداولها حول زيارة سرية قام بها ولي العهد السعودي إلى إسرائيل، في سبتمبر الماضي، حتى تم نفيها من قبل البلدين، تشير إلى المضي قدماً لتأسيس وتطوير علاقات دبلوماسية، ما كانت لتتحقق، بحسب محللين إسرائيليين، لولا التقاء المصالح تحت ذريعة مكافحة "الإرهاب" وخطر مشروع النووي الإيراني، وهي المصالح التي عُبّر عنها من خلال التناغم والتنسيق بالمواقف بين تل أبيب والرياض حيال إيران وحزب الله، وهي وجهة النظر المطابقة لموقف الإدارة الأمريكية.
- التقاء المصالح
وفي تأكيد لحلف الرياض وإسرائيل، كتب محلل الشؤون العربية والشرق الأوسط، الصحفي عوديد غرانوت، قائلاً: إن "الملك سلمان بن عبد العزيز يسعى لتعزيز سلطة ولي عهده، محمد بن سلمان، الذي تتفق خطواته وسياسته مع المواقف الاستراتيجية للحكومة الإسرائيلية".
وأثنى غرانوت، في مقال له بصحيفة "يسرائيل هيوم"، على سياسة ولي العهد، لافتاً الانتباه إلى أنه خلال العامين الأخيرين من ولايته كوزير للدفاع، وولي ولي للعهد سابقاً، كان محمد بن سلمان بالواقع الحاكم الحقيقي من وراء الكواليس.
وأضاف أن بن سلمان قاد السعودية نحو تسونامي سياسي واجتماعي واقتصادي لم يسبق له مثيل، وشنّ حرباً شاملة باليمن، وقاد لمقاطعة وحصار قطر، وحدد إيران بأنها العدو الأول للمملكة، وهي الخطوات والإجراءات والاستراتيجية التي تحظى بدعم من الرئيس الأمريكي، وأيضاً فإن خطواته تتّفق مع المواقف الاستراتيجية لإسرائيل.
- ملامح الحلف
وخروجاً عن المألوف، وفي خطوة تكشف عن ملامح الحلف بين تل أبيب والرياض، أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية عن حملة دبلوماسية ضد تدخّل حزب الله في السياسة اللبنانية، وضدّ الدور الإيراني في المنطقة، وتدعم التحالف الذي تقوده السعودية بالحرب في اليمن.
وعمّمت تل أبيب توصيات وإرشادات لجميع سفاراتها حول العالم بدعم الموقف السعودي ضد حزب الله في لبنان، حيث طلبت من الدبلوماسيين والسفراء الإسرائيليين التوجه للمستويات العالية بالدول، وإيصال رسالة مفادها أن على دول العالم معارضة مشاركة حزب الله في السياسة اللبنانية.
ووصف محللون إسرائيليون هذه التوجيهات بأنها استثنائية؛ لأنها تتطرّق لشؤون داخلية لدولة ثانية، وتدعم دولة لا تربطها بها علاقات دبلوماسية علنيّة، إذ تضمّنت الرسالة توجيهات لدعم السعودية في الحرب التي تخوضها باليمن ضد الحوثيين المدعومين من قبل إيران.
- صراع القوى
استقالة الحريري من الرياض في ظل الصراع السعودي الإيراني كانت تحت مجهر مراكز الأبحاث الإسرائيلية، حيث أصدر مركز "أبحاث الأمن القومي" بجامعة تل أبيب، في نوفمبر الجاري، تقدير موقف حول هذه التطوّرات وتداعياتها على إسرائيل.
ويرجّح المركز أن إيران كما حزب الله، يفضّلان عدم خوض حرب جديدة في ظلّ الفراغ السياسي بلبنان، عقب استقالة الحريري التي جاءت بقرار سعودي، وضمن سياق صراع القوى بين السعودية وإيران، وعلى أثر إنجازات إيران بسوريا والعراق، التي منحت طهران تفوّقاً ملحوظاً في الشرق الأوسط، لحين إعادة الاستقرار للنظام السياسي اللبناني، والحفاظ على المنجزات في سوريا، وتدعيم مكانة نظام الرئيس بشار الأسد.
وتتفق تل أبيب مثلما هو حال الرياض، على أن حزب الله، ذراع إيران في الشرق الأوسط، هدفه زيادة النفوذ الإيراني وإثارة القلاقل في الدول العربية، وهو الموقف الذي يتماهى مع الاستراتيجية الأمريكية التي تسعى للضغط على إيران وحزب الله، وقد تكون الخطوة السعودية جزءاً منها، بحسب مركز الأبحاث الإسرائيلي.
- علاقات سرية
وبحسب الرواية السعودية، كما وثّقها مركز الأمن القومي الإسرائيلي، فإن العلاقات الدبلوماسية العلنيّة مع إسرائيل في الوقت الحالي ستكون سلبياتها أكثر بكثير من إيجابياتها؛ ذلك أن السعودية وبعض دول الخليج تتمتّع بالعلاقات السرية مع تل أبيب، دون أن تضطرّ لدفع الفاتورة للرأي العام العربي، الذي يرفض التطبيع مع الاحتلال، وترى أنه من مصلحتها الحفاظ على علاقات سرية مع تل أبيب، إلى أن يتم إحداث اختراق في العملية السلمية مع الفلسطينيين.
ولتعزيز حلف تل أبيب - الرياض، والدول السنية المعتدلة، أشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن إسرائيل عملت على تليين سياسة تصدير الأسلحة إلى دول الخليج، والسعودية على وجه الخصوص، وتخفيف معارضتها، والتدخّل لتزويد واشنطن دول الخليج بالسلاح، وذلك في رسالة واضحة لها بأنه يمكن تعزيز التعاون، إضافة إلى التهديد المشترك؛ المتمثل بإيران ومشروعها النووي.
ونقلت تقارير إعلامية عن مصادر دبلوماسية إسرائيلية رفيعة المستوى، أن تحالف تل أبيب - الرياض، قطع شوطاً طويلاً في المجال الاقتصادي والتبادل التجاري.
وأشارت التقارير إلى أن الكثير من الشركات الإسرائيلية تنشط في السعودية وبعض دول الخليج، وتقدّم لها المساعدة والخدمات في الاستشارة الأمنية، وفي تدريب القوات الخاصة، وتزويدها بمنظومات تكنولوجية متقدمة في صناعات الأغذية والزراعة، إضافة إلى اللقاءات السرية المتواصلة بين المسؤولين الكبار من الإسرائيليين والسعوديين.
- المصالحة الفلسطينية
التقارب الإسرائيلي السعودي لا يقف عند حدّ العداء المشترك لإيران وحزب الله، إذ يعتقد الباحث في مركز "القدس للشؤون العامة والدولة"، يوسي كوبرفاسر، أن إسرائيل ماضية في تعزيز الحلف مع الدول السنّية المعتدلة؛ سعياً منها لمواجهة تغلل النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.
ورأى أن تل أبيب تسعى للتأثير في مسار المصالحة الفلسطينية عبر الحلف الذي تقوده السعودية، ضمن المصالح الأمنية الاستراتيجية لإسرائيل بمحاصرة حماس والمقاومة، ونزع سلاحها بإبعادها عن إيران.
وأوضح في مقال له بصحيفة "يديعوت أحرونوت"، أنه ينبغي على إسرائيل أن تكشف هذا التقارب والتدخّل الإيراني، وتمنع تطوره سوية مع مصر، وأن عليها أن توظّف تفجير النفق الأخير بغزة والتدخل الإيراني بالمصالحة كرافعة لتعزيز تعاون تل أبيب مع "الدول السنية المعتدلة"، ومن جهة ثانية العمل لتغذي إسرائيل العداء بين الدول السنية وإيران خدمة لمصالحها.