أحمد علي حسن - الخليج أونلاين-
يبدو أن رياح ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، تأتي بما اشتهى الرئيس الإسرائيلي السابق، شمعون بيريز، في رؤيته التي وضعها في كتاب "الشرق الأوسط الجديد"، والتي يسعى من خلالها إلى تحقيق التقارب مع دول عربية.
فتعاقب الحكومات والأنظمة العربية، رغم توافق بعضها مع منحى إسرائيل، إضافة إلى الأحداث التي شهدتها المنطقة نهاية القرن الماضي ومطلع القرن الحالي، حالت دون تحقيق رؤية بيريز.
من وجهة نظر الرئيس السابق فإن مشروع السلام في المنطقة لو قُدّر له النجاح فإنه سيكون بالنسبة لإسرائيل أفضل من الخوض في مواجهات جديدة، إذ يرى أن تركيز السلام والتنمية الاقتصادية والتعاون التكنولوجي أهمّ من الحروب.
ويطمح مشروع بيريز إلى ربط إسرائيل بالمنطقة، عبر سوق اقتصادي وتحالف عسكري، إضافة إلى إنشاء خط سكك حديدية سريع يمتد من المغرب إلى مصر ثم إلى تركيا عبر تل أبيب، وكذلك إنشاء خط كهرباء طويل لا يخضع لحدود.
أضف إلى ذلك إنشاء منطقة تجارية حرة بين إسرائيل والسعودية ومصر والأردن داخل البحر الأحمر، وهو ما يتحقق بـ"صفقة القرن" التي بدأ الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الترويج لها عبر نظيره المصري، عبد الفتاح السيسي.
اجتهاد السعودية في هذا الصدد ظهر من خلال إعلان ولي العهد السعودي، خطة إنشاء منطقة حرة تحت اسم "نيوم"، تقع في قلب مربع تديره تل أبيب، والرياض، والقاهرة، وعمّان.
أما الاجتهاد المصري لتمهيد الطريق أمام مشروع بن سلمان، فكان عبر جزيرتي "تيران" و"صنافير" اللتين وقعت مصر– هذا العام- اتفاقاً لإعطائهما إلى السعودية لربط المشروع بسيناء.
وبذلك "تصبح السعودية جزءاً من اتفاقية كامب ديفيد (1978)"، حسب وزير الحرب الإسرائيلي السابق، موشي يعالون، الذي قال في تصريح سابق (12 أبريل 2016) لصحيفة "هآرتس" العبرية: "إنها وقّعت على التزامها ببنود اتفاقية كامب ديفيد".
- رؤية بيريز ومشروع بن سلمان
التحولات الجذرية التاريخية التي تشهدها السعودية على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، مدعومة بصعود ولي العهد الجديد، تتلاقى بصورة ما مع مشروع بيريز "الشرق الأوسط الجديد".
التقاء رؤى الرجلين يبدأ من الناحية الاقتصادية، فبيريز زعم الحاجة إلى الاستقرار والتنمية في الشرق الأوسط الذي يرى فيه أنه منبع للموارد النفطية والمائية "الرهيبة"، إضافة إلى الأراضي الزراعية والثروات المعدنية والأيدي العاملة.
هذه الثروات بالنسبة لإسرائيل تتركز في السعودية البعيدة جغرافياً عنها، والتي يسعى إليها عبر بلدان التطبيع العربية مصر والأردن المجاورتين للأراضي الفلسطينية المحتلة، ليتمكّن من خلق تكتّل اقتصادي دولي للشرق الأوسط، تستفيد منه إسرائيل أولاً.
وفي كتابه "الشرق الأوسط الجديد" يدعو السياسي الإسرائيلي للانصراف إلى "اقتصاد السلام" بدلاً من الحرب، ولكي يتحقق ذلك فإنه يسعى إلى تحقيق السلام والخروج من مأزق الحرب بما يصب في مصلحة إسرائيل.
المملكة العربية السعودية، ومنذ إعلان رؤية بن سلمان الاقتصادية 2030، تحاول الخروج من الأزمة المالية التي تعيشها من جراء انهيار أسعار النفط، منذ سنة 2014؛ وهو ما يتحقق بالتقارب مع إسرائيل، بحسب تحليلات اقتصادية.
فرؤية الأمير الشاب تتوافق مع نظيرتها الإسرائيلية، من خلال تحقيق التقارب بين الدولتين، من أجل الوصول إلى وحدة سياسية واقتصادية تنهي الصراع مع الفلسطينيين بما يخدم دولة الاحتلال.
بيريز كان يسعى إلى التعاون الاقتصادي بين الدول الرئيسية في الشرق الأوسط، وإرساء العلاقات على اتفاقيات طوعية بين "شركاء متكافئين" كشرط لنجاح هذا التعاون. وقال: "إن بوسعنا الدخول في هذا النمط من الشراكة (مع هذه الدول)".
الهدف الذي سعى بيريز إلى تحقيقه يبدو أنه يتحقق بمبادرة بن سلمان، فقد ذكرت وسائل إعلام عبرية، أن رجال أعمال وشخصيات سعودية موزونة، زارت إسرائيل، بالتزامن مع الحديث عن مشروع "نيوم" الاقتصادي.
ويتشابه مشروع الأمير السعودي في كثير من محطاته مع أفكار بيريز التي رصدها في الكتاب، وربما يكون مدخلاً لتطبيع العلاقات بين تل أبيب والرياض، خاصة أن الأخيرة تمتلك مقومات تحقيق "نيوم" لكنها تفتقر إلى الخبرة التي لدى خبراء إسرائيليين.
- السلام الاقتصادي
الرؤيتان على الرغم من التقائهما في الأهداف وآلية التنفيذ، يتعارض تحقيقهما مع إيجاد سلام سياسي دائم في المنطقة، خاصة في ظل الاشتباك المتباعد بين السعودية من جهة، وإيران وحزب الله من جهة أخرى.
الحديث هنا عن إيران وحزب الله باعتبارهما يشكلان حلفاً داعماً (ولو ظاهرياً) لأطراف من المقاومة الفلسطينية التي هي في صراع مستمر مع إسرائيل، تحاول السعودية ومصر تبديده من خلال "صفقة القرن" التي يسعى ترامب إلى تحقيقها.
إذن فالوصول إلى مشروع الانفتاح السعودي الإسرائيلي، وخلق شرق أوسط جديد، لا يمكن أن يتحقق إلا بسلخ المقاومة الفلسطينية عن حزب الله وإيران الداعمتين، وسحب الفصائل الفلسطينية إلى مربع التسوية مع إسرائيل.
هذه التسوية تتحقق بإنهاء الانقسام الفلسطيني بين حركتي "فتح" و"حماس"، للوصول إلى اتفاق موحد يقدّم جسماً واحداً للتعاطي مع إسرائيل، وهو ما يخطط له ترامب لإبرام صفقته التي يصفها البعض بـ"التاريخية"، وفق محللين سياسيين.
وقد كشف عضو في اللجنة المركزية لحركة "فتح" عن ضغوط كبيرة تمارسها السعودية ودول عربية على الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، للقبول بـ"صفقة القرن" المزمع طرحها من قِبل الإدارة الأمريكية خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
ويقول المصدر، الذي تحدث لـ"الخليج أونلاين" شرط إخفاء اسمه، إن السعودية (التي يحركها فعلياً محمد بن سلمان) تضغط على عباس للقبول دون فرضه أية شروط، معتبراً أنها توجهات جديدة في المنطقة، بتوجيه مباشر من ترامب، على حد توقُّعه.
وهذا ما يؤكده بيريز الذي يرى أن المرحلة الثانية لتحقيق سلام في الشرق الأوسط، بعد توطيد العلاقات الثنائية تستدعي إقامة صناعات إقليمية، من خلال تعاون الهيئات العالمية والاتحادات المستقلة، بما يوحد الشرق الأوسط.
وكان عباس قد وصل إلى الرياض، الأسبوع الماضي، وأجرى لقاءات مع العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، ونجله ولي العهد.