"نيويورك تايمز" الأمريكية-
"أبو ديس عاصمة للدولة الفلسطينية بدلاً من القدس"، كان هذا آخر مقترح سعودي سري تم الكشف عن تفاصيله بعد أسابيع من وضعه على طاولة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في إطار التحركات السياسية التي تجري في المنطقة لتحقيق تقدم بعملية السلام بتوجيه من الإدارة الأمريكية.
صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية كشفت عن فحوى اللقاء الذي جمع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالرئيس عباس، الشهر الماضي في الرياض، والذي بحث ما بات يعرف إعلامياً بـ "صفقة القرن" لتسوية القضية الفلسطينية وإنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي.
وبحسب ما نشرته الصحيفة نقلاً عن مصادر وصفتها بأنها مطّلعة على تفاصيل اللقاء، فإن السعودية عرضت "خطة سلام جديدة تتضمن اختيار ضاحية أبو ديس المجاورة لمدينة القدس المحتلة (شرقيها) لتكون عاصمة للدولة الفلسطينية بدلاً من القدس".
وبموجب هذه الخطة سيحصل الفلسطينيون على دولة خاصة بهم على أجزاء في الضفة الغربية وليس كلها، دون تواصل جغرافي، وبسيادة محدودة على تلك المناطق، مع بقاء غالبية المستوطنات الإسرائيلية، ودون الحصول على شرقي القدس عاصمة لهم، ولن يكون هناك حق لعودة اللاجئين الفلسطينيين، وفقاً للصحيفة.
- تفاصيل الصفقة
وفي السابع من شهر نوفمبر الماضي اجتمع عباس في الرياض بصورة مفاجئة مع العاهل السعودي ونجله، بُعيد ساعات قليلة من لقائه في شرم الشيخ بمصر الرئيس عبد الفتاح السيسي؛ ورافقه في زيارته للسعودية وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، وعضو اللجنة المركزية للحركة، ورئيس هيئة الشؤون المدنية حسين الشيخ، ورئيس جهاز الاستخبارات العامة اللواء ماجد فرج.
الرئاسة الفلسطينية، وعلى لسان الناطق باسمها نبيل أبو ردينة، سارعت إلى نفي ما نُشر على الصحيفة الأمريكية في تصريح مقتضب ودون الإدلاء بأي تفاصيل إضافية حول هذا الأمر، لكن عضو في اللجنة المركزية لحركة "فتح"، أكد لـ"الخليج أونلاين" أن "السعودية قد عرضت هذه المبادرة في السابق على الرئيس عباس".
وأضاف: "خلال الزيارة الأخيرة للرئيس للرياض، تم مناقشة العديد من الملفات السياسية الهامة، وكان على رأسها "صفقة القرن"، التي تعكف الإدارة الأمريكية على إطلاقها خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وكان من ضمن المقترحات المتعلقة بالصفقة اعتبار"أبو ديس"عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية بدلاً من القدس".
وأوضح أن هذا المقترح الذي قُدم من قبل رأس الهرم السياسي في الرياض في الأول من شهر نوفمبر الماضي، رافقه العديد من المزايا والمشاريع الاقتصادية والوعود بتحسين أوضاع السلطة المالية، ورفع الحصار عن غزة، وتوفير الأموال للموظفين، وسد ديون السلطة الخارجية جميعها.
ولفت القيادي "الفتحاوي" إلى أن الرئيس عباس "ضمنياً رفض هذا الاقتراح، لكنه لم يبلغ الرياض بقراره النهائي، وأعطى فرصة أخرى للبحث عن حلول عملية وواقعية يمكن قبولها، ولا تمس ثوابت القضية الفلسطينية وعلى رأسها قضيتا "القدس واللاجئين".
وذكر أن الرياض علمت برفض عباس لمقترح "أبو ديس" عبر جهات خاصة، وأبلغت واشنطن بذلك، وهو ما دفع بالأخيرة إلى اتخاذ خطوات عقابية ضد السلطة، وشملت عدم منح الترخيص لاستمرار عمل مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وإعادة الحديث عن نقل السفارة الأمريكية للقدس، وآخر تهديد كان باعتراف الإدارة الأمريكية رسمياً بأن "القدس عاصمة لدولة إسرائيل".
وكشف "الخليج أونلاين"، في السابق، عن ضغوط كبيرة تمارسها السعودية ودول عربية على الرئيس الفلسطيني، للقبول بـ"صفقة القرن" المزمع طرحها من قِبل الإدارة الأمريكية خلال الأسابيع القليلة المقبلة دون أي شروط فلسطينية.
وقال مسؤول فلسطيني: إن "دولاً عربية، على رأسها السعودية، تحاول من خلال الضغوط تارة، وتقديم الوعود تارة أخرى، إقناع عباس بقبول التعامل بكل إيجابية مع "صفقة القرن"، وإحياء مشروع التسوية مع إسرائيل دون أي شروط مسبقة".
واستندت الصحيفة الأمريكية في تقريرها إلى مصادر فلسطينية وعربية مقربة من عباس وبن سلمان، مشيرة إلى أن عباس حصل على مهلة شهرين للقبول بالصفقة، وإلا فسيكون مجبراً على الاستقالة.
ونقلت الصحيفة عن مستشار للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أن المسؤولين الفرنسيين سمعوا عن الاقتراحات السعودية غير المقبولة للفلسطينيين.
- الوقوع في الفخ
القيادي البارز في حركة "حماس" في الضفة الغربية المحتلة، يحيى القرعاوي، عبر عن رفض حركته القاطع لأي مبادرات عربية أو أوروبية "تطلق وتمس بالثوابت الفلسطينية".
ويؤكد القرعاوي، لـ"الخليج أونلاين"، أن "أي مبادرة سياسية لا تعتمد في أساسها على أن القدس عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة، ستكون مرفوضة تماماً، وتجاوزاً للخطوط الحمراء ويجرم من يتعامل معها أو حتى يضعها للنقاش لكونها تمس أعظم الثوابت الفلسطينية وهي القدس".
ويضيف: "جميع المبادرات التي تُطرح منحازة للاحتلال الإسرائيلي على حساب الفلسطينيين، ونأسف أن نجد أطرافاً عربية وأجنبية تحاول التسويق لتلك المبادرات التي تخرج من البيت الأبيض، وهدفها الأول هو تقزيم القضية الفلسطينية وتنفيذ مخططات إسرائيل للتهويد والتهجير والقتل".
بدوره طالب جميل مزهر، عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية، الرئيس عباس برفض أي مبادرات سياسية تطلق وتمس جوهر وأساس القضية الفلسطينية والصراع مع المحتل الإسرائيلي.
ويقول مزهر، لـ"الخليج أونلاين": "ما يتم تناقله في وسائل الإعلام عن مبادرات وتحديد مدن كعواصم بدلاً عن القدس أمر في غاية الخطورة، ويجب على الفلسطينيين أن يتنبهوا جيداً للوقوع في الفخ، أو الاستجابة للضغوط الخارجية لتمرير سياسات تضر بالقضية والمشروع الوطني".
وشدد على أن القدس ستبقى العاصمة الأبدية لفلسطين، وكل المبادرات التي تبحث عن بديل للمدينة المقدسة ستكون فارغة المضمون والمحتوى، ولن يقبلها أي فلسطيني في الداخل والخارج، وستواجه بكل قوة وحزم.
وكانت تقارير صحفية غربية وعربية عدة ذكرت أن اللقاء الذي جمع عباس وبن سلمان في الرياض، تضمن طرح الرياض أفكاراً بشأن عملية السلام بعد تنسيق مع الإدارة الأمريكية، وعن تدخل سعودي وضغط قوي يقوده بن سلمان لدفع الفلسطينيين للقبول بمبادرة أمريكية تنتقص كثيراً من حقوقهم، وفي مقدمتها قضية حق عودة اللاجئين، وحدود دولتهم المستقبلية.
ووفق التقرير، فإن خطة ترامب تتضمن سلاماً بين إسرائيل والفلسطينيين على أساس حل الدولتين، مقابل دعم سخي من الدول العربية، وعلى رأسها السعودية والإمارات، للسلطة الفلسطينية.
وبشأن الحدود النهائية لحل الدولتين، تسعى الولايات المتحدة لأن تضمن "أمن إسرائيل" مقابل "حرية التنقل للفلسطينيين وحرية التصدير والاستيراد"، لكنها مع ذلك تشمل مطلباً إسرائيلياً صريحاً؛ وهو أن يبقى الجيش الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية والمناطق الحدودية في غور الأردن.
وبخصوص ملف اللاجئين الفلسطينيين، يرى الجانب الأمريكي أنه يجب تسوية هذه المسألة عبر "منح مواطنة" وحقوق كاملة للفلسطينيين في الدول التي يعيشون فيها اليوم، بينما يساهم المجتمع الدولي بتمويل التعويضات للاجئين الفلسطينيين.
وكان بن سلمان استقبل، شهر أكتوبر الماضي، بشكل سري، مبعوثي الإدارة الأمريكية لعملية السلام؛ وهما كبير مستشاري الرئيس الأمريكي غاريد كوشنر، والمبعوث الخاص للرئيس الأمريكي للسلام في الشرق الأوسط جيسون غرينبلات.
وجرى وقتها الكشف عن أن هذه الزيارة هي الثالثة للفريق الأمريكي هذا العام للسعودية، وأنها جاءت بعد أربعة أيام من زيارة هذا الفريق لتل أبيب.
هذا الأمر أثار العديد من التساؤلات عن الدور السعودي المرتقب في المنطقة لدعم التوجه الأمريكي الذي ينادي بـ"صفقة القرن"، وأحد أهم بنودها التطبيع العربي مع إسرائيل، قبل إنجاز التسوية الكاملة مع الفلسطينيين.