جيروزاليم بوست- ترجمة شادي خليفة -
«لماذا يجب على السعوديين شراء الأبقار إذا ما حصلوا على الحليب مجانا؟»..
هذا هو ما خلص إليه العديد من الخبراء بعد دراسة آفاق إقامة الرياض لعلاقات رسمية مع (إسرائيل) مقابل المساعدة العسكرية، مشيرين إلى التحديات الداخلية والخارجية العديدة التي يواجهها ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان» بالفعل.
وتساءل آخرون: لماذا يضيف عاملا آخر لزعزعة الاستقرار في هذا المزيج، من خلال الاعتراف بـ(إسرائيل).
وفي حين أن هذه التساؤلات منطقية إلى حد ما، غير أنها لا تخرج بالضرورة بالاستنتاج الصحيح.
وتفترض الحكمة التقليدية أن ما هو سيئ بالنسبة لإيران يكون بالضرورة أمرا جيدا لـ(إسرائيل) في هذه اللعبة الصفرية، لذا توفر (إسرائيل) للسعوديين كل الدعم الذي يطلبونه في معركتهم ضد طهران.
ولذلك، فإن الرياض ليس لديها الكثير من المكاسب لتربحها، بل لديها الكثير لتخسره أمام شعبها إذا بدت في صورة صديق (إسرائيل).
ولكن يتجاهل هذا المنطق العديد من الاحتمالات؛ أولا، أظهرت المملكة العربية السعودية بالفعل اهتماما عميقا بإرضاء الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، وقد أبدى «ترامب» تقاربا عميقا مع (إسرائيل)، حتى لو لم تتمكن (إسرائيل) من تقديم المزيد من الفوائد للسعودية أكثر مما تقدمه حاليا، فمن الممكن أن تتقدم المصالح السعودية في أماكن أخرى من خلال إقامة علاقات دبلوماسية مع (إسرائيل).
ثانيا، إذا كانت (إسرائيل) تنظر في العلاقات الرسمية مع السعودية كأولوية كبيرة، ربما تمنع بعض المساعدات عن المملكة قبل أن تمنحها الاعتراف الرسمي.
وثالثا، قد تكون المساعدات التي يمكن أن يحصل عليها السعوديون دون الاعتراف رسميا بـ(إسرائيل) محدودة.
وأخيرا، وبما أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الآن منخفض إلى حد ما على جدول أعمال المملكة، والشرق الأوسط في حالة اضطراب، فإن تكلفة الاعتراف بـ(إسرائيل) قد لا تكون مرتفعة جدا، على الرغم من الجهود الإيرانية أو القطرية الممكنة للاستفادة من هذه القضية في حرب الدعاية ضد الرياض.
ومن الجدير بالذكر أيضا أن تصور «بن سلمان» لمصالحه الشخصية قد لا يتماشى مع كيفية رؤية الخبراء لها.
وقد قام بالفعل بحملة عسكرية في اليمن، وحاصر قطر، وأجبر رئيس وزراء لبنان على الاستقالة، ويبدو أن أيا من ذلك لم يظهر كخيار جيد بالنسبة للمحللين والخبراء.
والسؤال هو ما إذا كانت هذه السلسلة من الأخطاء بسبب عدم الخبرة، أم أنها ناتجة عن بعض الجنون والتهور.
وبالنظر إلى أنه لا يبدو حريصا على التراجع عن أي من تلك القرارات، فإنه ليس من المؤكد ما إذا كان «بن سلمان» نفسه يرى سياساته العدوانية كخطأ، على الرغم من الحجم الكبير للتعليق السياسي حولها.
وسواء كانت أخطاء أو لا، فمن المحتمل أو حتى من المرجح أنه في المستقبل سوف يوظف سياسات تتناقض مع مجتمع خبراء السياسة الخارجية.
وهناك دلائل على أن التغيير قد يحدث في العلاقات السعودية الإسرائيلية.
فأولا، أرسلت مملكة البحرين مؤخرا - التي تتبع السعودية في سياستها الخارجية - وفدا إلى (إسرائيل) لتعزيز التسامح الديني.
ويبدو أن إرسال هذه المجموعة من البحرينيين كان اختبارا محتملا لردود الفعل المحتملة من العرب لزيادة وضوح العلاقات مع (إسرائيل)، خاصة أنها جاءت في الأسبوع الذي أعقب إعلان «ترامب» اعترافه بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل).
ثانيا، قد يعمل بناء «المدينة الذكية» السعودية المسماة بـ«نيوم» على التقارب بين المصالح الاقتصادية السعودية والإسرائيلية وإمكانية التعاون لتحقيقها.
وتفيد التقارير بأن الشركات الإسرائيلية تجري محادثات مع الديوان الملكي حول استثمار وتطوير مشروع «بن سلمان» الأخير الذي يسعى إلى تنويع الاقتصاد السعودي وتحويل المملكة الصحراوية إلى مركز تجاري.
ولكن مع هذه الخطوات البسيطة إلى الأمام، هناك أيضا حالات واضحة تقاوم تغيير الرياض لسياساتها طويلة الأمد، التي تجعل العلاقات مع (إسرائيل) متوقفة على اتفاق سلام مع الفلسطينيين.
وعلى سبيل المثال، منعت المملكة مؤخرا مشاركة (إسرائيل) في بطولة الشطرنج العالمية في الرياض.
ومن الممكن أن يقرر «بن سلمان» - الذي لا يمكن توقع تحركاته - التحايل على القضية الفلسطينية وبناء علاقات مفتوحة مع (إسرائيل)، إما تدريجيا أو في خطوة واحدة جريئة.
وعلى الرغم من أن هذا قد يعني مواجهة تحد آخر، في الوقت الذي ينشغل فيه ولي العهد بالفعل بالعديد من التحديات، لكن يبدو أن التحديات المماثلة لم تؤثر على حساباته وخططه في الماضي.