وول ستريت جورنال-
تشترك السعودية و(إسرائيل) في عدو مشترك وهو إيران، وصديق مشترك وهو إدارة «ترامب» في واشنطن.
ولكن على الرغم من تزايد الأدلة على التعاون غير الرسمي، لا يزال أي تقارب مفتوح -وهو هدف إدارة «ترامب»- بين هذين الحليفين الأمريكيين بعيد المنال. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن كليهما لا يمكنه الحصول سوى على القليل جدا من المكاسب، ويمكنه خسارة الكثير من أي انفتاح في العلاقات من هذا القبيل.
وبالنسبة للحكومة الإسرائيلية الحالية، لا تستحق فوائد العلاقات الدبلوماسية مع المملكة العربية السعودية التنازلات الملموسة للفلسطينيين التي تتوقع الرياض أن تقوم بها (إسرائيل) في المقابل. أما بالنسبة للرياض، فإن سعر التخلي عن القضية الفلسطينية يبقى مرتفعا جدا مقارنة بما يمكن أن توفره المساعدات الأمنية الإسرائيلية، مثل الدفاع الصاروخي.
وقد أصبح ذلك واضحا -على وجه الخصوص- بعد أن اعترف الرئيس «دونالد ترامب» في ديسمبر/كانون الأول بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل)، مما حفز الاحتجاجات العاطفية في جميع أنحاء العالم الإسلامي، الأمر الذي أعاد تقديم الدعم للفلسطينيين، وأدى إلى توبيخ نادر من الرياض.
وتعد طموحات المملكة لقيادة العالم الإسلامي بأسره -أو على الأقل تحالف سني معارض لإيران- متأصلة في سيطرتها على أقدس المواقع الإسلامية في مكة والمدينة المنورة. وباعتبارها حاملا للواء الإيمان، لا تستطيع المملكة أن تجد مكانا في أجندتها للإسرائيليين في الوقت الذي ترتفع فيه المشاعر الغاضبة لأجل مستقبل القدس، موطن ثالث أقدس المساجد الإسلامية، المسجد الأقصى.
ولم تقتصر الاحتجاجات على إيران ووكلائها، الذين يسعون إلى تفكيك (الدولة الإسرائيلية). وكان الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» -الذي يسعى إلى تحدي سيادة السعودية في العالم الإسلامي- أعلى صوتا. وقال مسؤول سعودي كبير إنه في ظل هذه الظروف فإن أي انفتاح سعودي على (إسرائيل) قد يستغله منافسو المملكة، وربما يشمل مقاطعة الحج إلى مكة.
وقال المسؤول: «فلسطين ليست قضية سهلة. تسعى السعودية لتولي قيادة العالم الإسلامي، ولن تسمح بضياع هذا المسعى بسهولة. وإذا كنت بحاجة إلى (إسرائيل) في أي شيء، يمكنها فعل ذلك على أي حال، دون وجود علاقة».
وفي الواقع، تتعاون السعودية و(إسرائيل) بالفعل من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية وتنسيق جهود الضغط والأنشطة العسكرية التي تسعى إلى ردع نفوذ إيران في البحر الأحمر.
كما تقوم المملكة بدور للتواصل مع الجماعة اليهودية الأمريكية. وقد أرسل رجل الدين الكبير «محمد العيسى» -وزير العدل السابق فى المملكة ورئيس رابطة العالم الإسلامي- في يناير/كانون الثاني الماضي رسالة سعودية رسمية «غير مسبوقة» إلى متحف المحرقة (الهولوكوست) التذكاري الأمريكي.
وكتب فيها: «نعتبر أي إنكار للمحرقة أو التقليل من تأثيرها جريمة لتشويه التاريخ وإهانة لكرامة تلك الأرواح البريئة التي لقيت حتفها».
غير أن الاتصالات بين السعودية و(إسرائيل) اقتصرت على الاجتماعات غير الرسمية بين المسؤولين المتقاعدين في المؤتمرات. وقد اعترضت السعودية على المقترحات الأمريكية للسماح للطائرات المدنية الإسرائيلية بالتوجه إلى آسيا عبر أجوائها، كما رفضت في ديسمبر/كانون الأول السماح للاعبي الشطرنج الإسرائيليين بحضور بطولة دولية في الرياض.
ولا يزال الموقف السعودي الرسمي هو أن على (إسرائيل) أن تقبل مبادرة السلام العربية التي خرجت عام 2002 عن الجامعة العربية، واقترحها ولي العهد السعودي -آنذاك- الأمير «عبدالله»، الذي دعا إلى تطبيع علاقات الدول العربية مع (إسرائيل) مقابل الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى حدود عام 1967، مع الاعتراف بدولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين.
وهذا واقع ما يريده «غاريد كوشنر» -صهر ترامب ومستشاره في البيت الأبيض- في محاولة للتوصل إلى اتفاق سلام في الشرق الأوسط، كما أقر بذلك في إحدى فعاليات معهد بروكينغز في ديسمبر/كانون الأول.
وقال «كوشنر» إن دولا مثل المملكة العربية السعودية «تنظر إلى التهديدات الإقليمية وترى أن (إسرائيل) -التي كانت تقليديا عدوا لها- حليف لها اليوم أكثر مما كانت عليه قبل 20 عاما، وذلك بسبب إيران، وبسبب داعش، وبسبب التطرف». وأضاف أن «الكثير من الناس يريدون أن يرونهما معا، لكن علينا أن نتغلب على هذه القضية -القضية الإسرائيلية الفلسطينية- لكي يحدث ذلك».
ومع رفض الحكومة الإسرائيلية اليمينية لرئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» التوصل إلى حل وسط حول القدس، واستمرار بناء المستوطنات في الضفة الغربية، فإن قبول (إسرائيل) لمبادرة السلام العربية لعام 2002 أو أي تقدم آخر في العلاقات مع الفلسطينيين يبدو مستبعدا جدا في المستقبل المنظور.
وقد حذر «جوشوا تيتلبوم» -وهو أستاذ متخصص في شؤون الخليج في مركز بيجين السادات للاستراتيجيات- من أن الخطوات الأكثر تواضعا لمعالجة المظالم الفلسطينية التي قد تمنح السعودية الفرصة لتغطية الانفتاح على (إسرائيل) غير مستساغة من الناحية السياسية بالنسبة لـ«نتنياهو» وشركائه في الائتلاف».
وأضاف «تيتلبوم»: «يجب أن تكون التكلفة منخفضة. فلن تقدم (إسرائيل) أي تنازلات عن الأراضي أو أي تنازلات تتعلق بأمنها من أجل إقامة علاقات دبلوماسية مع السعودية».