الخليج أونلاين-
يبدو أن المملكة العربية السعودية، قد انتقلت من مرحلة السعي والبحث عن طرق لتوطيد علاقتها مع "إسرائيل"، إلى مرحلة اللقاءات المباشرة وعرض الأفكار والمناقشة الثنائية، بعد أن كانت في السابق هذه المرحلة خطاً أحمر في سياسة الرياض غير مسموح بتجاوزه.
هرولة الرياض لتحسين علاقتها مع "إسرائيل"، وتبنيها بعض المواقف السياسية والقضايا في المنطقة، تغنت به الصحف العبرية كثيراً، والتي أحدثت- بحسب المسؤولين الإسرائيليين- تحولاً بنسبة 360 درجة تجاه بلادهم، خاصة بعد تمسكها بـ"صفقة القرن" الأمريكية، وانفتاحها السياسي الجريء الذي تجاوز الحدود.
"الخليج أونلاين" كشف- نقلاً عن مسؤول رفيع المستوى في السلطة الفلسطينية- أن العلاقات بين السعودية والجانب الإسرائيلي قد شهدت خلال الأسابيع الأخيرة تطوراً لافتاً وجوهرياً، وقد يكون الأول من نوعه بتاريخ العلاقات بين الجانبين.
- تفاصيل اللقاءات السرية
المصدر أكد أن العاصمة المصرية القاهرة استقبلت، خلال الأسبوع الأول من شهر مارس الجاري، بأحد فنادقها الكبيرة، مسؤولين سعوديين وآخرين إسرائيليين على طاولة نقاش واحدة، بحضور مسؤولين مصريين رفيعي المستوى.
وأوضح المسؤول الفلسطيني أن القاهرة ترعى لقاءات سرية بين الرياض و"تل أبيب"، وخلال الفترة الأخيرة فقط جرى أكثر من لقاء ثلاثي (إسرائيلي-مصري-سعودي) على أراضيها، بصورة سرية.
وبسؤال "الخليج أونلاين" عن طبيعة الملفات التي بُحثت على طاولة اللقاء الثلاثي، أكد المسؤول الفلسطيني، أن المناقشات قد انقسمت إلى جزأين؛ سياسيٍّ ركز على كل ما يتعلق بـ"صفقة القرن" الأمريكية، ومحاولة توفير كل الأجواء في المنطقة لطرحها دون عقبات رغم خطورتها على القضية الفلسطينية بشكل خاص، ورفض الفلسطينيين التعامل معها.
والجزء الثاني، بحسب المسؤول، ركز على "المصلحة الاقتصادية" الثلاثية، وسبل تطويرها في المراحل المقبلة، وخاصة في منطقة "البحر الأحمر"، التي تستعد كلٌّ من الرياض و"إسرائيل" لإطلاق أكبر المشاريع الاقتصادية المشتركة فيها خلال الشهور القادمة.
ولفت إلى أن "الرياض قد فتحت صفحة جديدة في علاقتها السياسية والاقتصادية مع "إسرائيل" بلغة المصالح، وهذا بخلاف النهج الذي كانت تتبعه طوال السنوات الماضية"، مؤكداً أن "هذا يضر بفلسطين وقضيتها، ويظهر أن إسرائيل لم تبقَ العدو الرئيسي في المنطقة".
وشهدت الفترة الأخيرة تلميحات صادرة عن كبار المسؤولين الإسرائيليين عن وجود علاقة ناشئة مع المملكة العربية السعودية، ومع ذلك فإن مستوى هذه العلاقات ما زال سرياً، وإن كانت "صفقة القرن" عنوانها الأبرز.
وفي 3 مارس الجاري، تحدثت صحيفة "البايس" الإسبانية عن أن العديد من المصادر الإسرائيلية أشارت إلى التقارب السعودي الإسرائيلي في مجالات مختلفة، على غرار اللقاءات المنتظمة بين الجيش الإسرائيلي والسعودي.
وقد أكد وزير الاستخبارات الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، بحسب صحيفة "إيلاف" السعودية، أنه دعا ولي العهد محمد بن سلمان إلى زيارة "إسرائيل"، على اعتباره زعيماً للعالم العربي.
- ضرب القضية الفلسطينية
القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وصفي قبها، عبر عن رفض حركته القاطع لأي علاقات تطبيعية مع الاحتلال الإسرائيلي في ظل جرائمه المتواصلة التي ترتكبها بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته.
وفي تصريحات خاصة لـ"الخليج أونلاين"، أكد أن "هناك الكثير من الدول العربية التي فتحت قنوات اتصال سرية وعلنية مع إسرائيل، وتجري لقاءات شبه دورية مع مسؤوليها، وذلك لكسب ودهم ومحاولة لإرضاء حاكم البيت الأبيض".
واعتبر قبها أن اللقاءات "العربية- الإسرائيلية" لا تخدم القضية الفلسطينية، "بل تضرها وتحاول إظهار الطرف الإسرائيلي بأنه يمكن أن تجلس معه وتحاوره وتقيم معه علاقات سياسية واقتصادية وتجارية، في حين أن إسرائيل هي دولة احتلال وغاصبة للأرض الفلسطينية وتحاول سرقة الحقوق والاعتداء بالقتل والضرب والأسر لسكانها".
ودعا القيادي في حركة "حماس" الدول العربية إلى "التوقف عن اللهث وراء إقامة علاقات مع إسرائيل وفتح باب التطبيع على مصراعيه"، مؤكداً أن تلك المحاولات "تقدم طوق نجاة لإسرائيل للهروب من جرائمها".
والخميس (8 مارس) كشفت صحيفة إسرائيلية عن وجود ما قالت إنه "تنسيق سعودي إسرائيلي يتعلق بالتعامل مع إيران وملفات أخرى في المنطقة، من بينها القضية الفلسطينية، في ظل الحديث عما يعرف بـ"صفقة القرن".
وتنقل صحيفة "إسرائيل اليوم" عن مصدر مصري وصفته بـ"الكبير" ولم تسمه، قوله: إن "تبادلاً للرسائل بين السعودية وإسرائيل جرى بوساطة مصرية خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى القاهرة".
وكان ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وصل إلى القاهرة الأحد (4 مارس)؛ وذلك في مستهل أول جولة خارجية له منذ تقلُّده ولاية العهد في يونيو من العام الماضي.
- تحول ما بعد الربيع العربي
الكاتب والمحلل السياسي ثابت العمور، رأى أن العلاقات بين إسرائيل والسعودية ستشهد تطوراً هاماً وانفتاحا جوهرياً خلال المرحلة المقبلة، معتبراً الحديث عن لقاءات سرية بين الجانبين أمراً "غير مستبعدٍ" حدوثُه نظراً للظروف الراهنة.
وفي تصريحات خاصة لـ"الخليج أونلاين"، يقول العمور: "مواقف السعودية من إسرائيل لم تتغير، ولكن ما حدث الآن هو أن الأمر تحول من السرية إلى شيء من العلنية، وهناك أرشيف معلن للعلاقة والتواصل بين تل أبيب والرياض".
ويضيف: "بدأ الأمر بشكل علني منذ قمة بيروت العام 2002 عندما تقدمت السعودية بمبادرة سلام تقوم على التطبيع الكامل بين العرب وإسرائيل، وكان توقيت مبادرة السعودية هو حصار ياسر عرفات وتغول آريل شارون، وفي ظل أحداث انتفاضة الأقصى".
ويزيد: "بعد الربيع العربي بدت العلاقة أكثر تقرباً، وبدأت اللقاءات في أوروبا بين مقربين من النظام السعودي وأركان الاحتلال الإسرائيلي، وتطور العلاقات أصبح بذريعة مواجهة إيران، والمرحلة المقبلة ستشهد تقارباً مبنياً على المصالح الاقتصادية بين الطرفين".
ويشير المحلل السياسي إلى أن "إسرائيل تريد مكاناً تحت شمس الشرق الأوسط، والسعودية هي من ستوفر لها ذلك المكان"، مؤكداً أن "اللقاءات بين المسؤولين السعوديين والإسرائيليين ستتواصل لإقامة تحالفات وشراكات".
والجدير بالذكر أنه، وخلال سنة 2002، كانت الرياض ترعى ما يسمى مبادرة السلام العربية، التي كانت تهدف إلى الاعتراف بـ"إسرائيل" مقابل انسحابها من الأراضي التي احتلتها منذ سنة 1967. وبعد عقود من العداء، باتت مؤشرات التعاون بين البلدين جلية للجميع.