أنشيل فايفر - هآرتس- ترجمة زياد محمد -
في يوم الخميس الماضي، أقلعت أول رحلة طيران هندية من نيودلهي إلى مطار «بن غوريون» بعد أن طارت فوق الأراضي السعودية والعمانية، لتكون أول رحلة مباشرة إلى (إسرائيل) تأخذ الطريق الأقصر بكثير عبر المجال الجوي السعودي.
وقد كان هذا الحدث، بالإضافة لحدث آخر، مهمين بالنسبة لمحبي الطيران، لكن الحدث الثاني كان يجب أن يتلقى اهتماما أكبر.
يتذكر الدبلوماسي الأمريكي السابق، «آرون ديفيد ميلر»، كيف أن السعوديين رفضوا في ذروة اتفاقية أوسلو -التي بدا فيها الإسرائيليون والفلسطينيون قريبين من عملية سلام- كل المناشدات الأمريكية بخصوص القيام بلفتة مشابهة، لكن يبدو أن هذا يحدث الآن، في وقت ليس له مثيل في ركود العملية الدبلوماسية.
كان الحدث المهم الآخر في الوقت ذاته، يجري في سماء اليونان، حيث كان هناك تأكيد علني آخر على سلوك ممالك الخليج نحو (إسرائيل)، في صورة تدريب دولي شاركت فيه مقاتلات «ميراج 2000» من الإمارات جنباً إلى جنب مع طائرات «إف 16» من سلاح الجو الإسرائيلي.
لم تُذكر مشاركة (إسرائيل) بشكل رسمي في موقع سلاح الجو اليوناني، ولكن لم تبذل أي جهود لإخفاء الطائرات ذات نجوم داوود الزرقاء، عن عدسات التصوير، حيث كان مجرد عمل معتاد.
التعاون أصبح قاعدة
قبل ذلك بأسبوع، كان كبار المسؤولين السعوديين والإماراتيين والقطريين والعمانيين يجلسون حول الطاولة مع نظرائهم الإسرائيليين، في قمة استمرت ليوم واحد في البيت الأبيض لمناقشة طرق تخفيف الوضع الإنساني في غزة.
وقد أصبح التعاون المفتوح بين (إسرائيل) والسعودية ودول الخليج الأخرى، على حساب الفلسطينيين، أصبح هو القاعدة لدرجة أننا بالكاد لاحظنا هذا التحول.
ففي السنة الماضية كانت هناك محاولات لإبراز حقيقة تقابل كل من رئيس أركان الجيش الإسرائيلي ونظيره السعودي في مؤتمر في الولايات المتحدة لقادة الجيوش الحليفة للولايات المتحدة، لكن هذا لم يعد شيئاً يلفت الأنظار في هذه الأيام.
ولكن، هل تغيرت سياسة السعودية وجيرانها الخليجيين تجاه (إسرائيل) فعلاً إلى حد كبير؟
في يوم الخميس، أثناء ظهوره في معهد بروكينغز في واشنطن، أصر وزير الخارجية السعودي «عادل الجبير»، الذي يرافق ولي العهد «محمد بن سلمان» في زيارته للولايات المتحدة لمدة أسبوعين، أن ذلك لم يحدث.
وقال إن السعودية متمسكة بخطتها الأصلية للسلام، وأن «الحوافز» المتمثلة في روابط دبلوماسية مع السعودية، لن تتحقق إلا بنهاية اتفاقية السلام مع الفلسطينيين، كما وصف اعتراف «دونالد ترامب» بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل) «بالنكسة».
إذن، ما هي الحوافز التي تعد السعودية مستعدة لتقديمها؟ وما الذي يعوقهم عن ذلك؟ وهل يمكن أن يؤخذ «الجبير» بجدية في ظل تبين عدم اكتراث السعودية بالظهور بمظهر المهتمة للقضية الفلسطينية؟ إليك شيء آخر مثير قاله «الجبير» في معهد «بروكينغز»، فقد قال: «المصالح المشتركة لا تعني أن يكون لدينا علاقات دبلوماسية».
كانت هناك أحلام لدى الإسرائيليين، مثل «شيمون بيريز»، أيام أوسلو، بفتح سفارات إسرائيلية في الرياض ودبي، لكن «بينيامين نتينياهو» يهتم بشئيء أكثر رغم أنه بدأ حياته كدبلوماسي.
فهو مهتم أكثر بعلاقات من نوع آخر مع السعوديين، وفي اجتماع مجلس الوزراء يوم الأحد، أشار إلى الرحلات المباشرة عبر المجال الجوي السعودي كحدث، قائلاً: «من منظور الزمن، فهذا يعتبر دون شك حدثا تاريخياً».
«ترامب» غيّر السعودية
عندما جاء «محمد بن سلمان» للمشهد قبل ثلاث سنوات، اعتقد الإسرائيليون رغم شبابه وقلة خبرته، أنه كان جادا بخصوص السعي في إصلاحات في المملكة وأنه سيكون مهتما بالتعامل مع (إسرائيل)، ولكنه ما يزال ينتظر تحولا كبيرا على الجبهة الفلسطينية قبل القيام بذلك بشكل معلن.
لم يكن «محمد بن سلمان» الزعيم السعودي الأول الذي يتعامل بهدوء مع (إسرائيل)، فوفقاً لتقارير إعلامية سابقة، فإن هذا كان يحدث منذ سنوات في ظل مخاوف البلدين من السياسة الإيرانية في المنطقة، إذن ما الذي تغير؟
التغيير الرئيسي يكمن في انتخاب «ترامب» كرئيس، فإذا كان هناك شيء ثابت واحد في السياسة الخارجية للإدارة الحالية، التي تتسم بعدم الانتظام، فهو يتمثل في مغازلة «ترامب» التي لا تكل، للسعوديين.
كل ما عليك فعله هو إلقاء نظرة على الفيديو الخاص باجتماعه مع «محمد بن سلمان» الثلاثاء الماضي، حيث أشاد «ترامب» بحقيقة أننا «أصبحنا أصدقاء جيدين جداً خلال فترة زمنية قصيرة جداً» و«مئات المليارات من الدولارات» من الأموال السعودية القادمة إلى أمريكا في صفقات أسلحة.
يريد «ترامب» أن تترجم كل هذه الأرقام الكبيرة إلى مزعمه بأنه أفضل رئيس يولد الوظائف في تاريخ أمريكا، أما «محمد بن سلمان» فيريد أن يحسر بقايا محاولات «باراك أوباما» بخلق مزيد من التوازن في السياسة الأمريكية بين السعودية وإيران.
بالتأكيد فإن ولي العهد يريد هذه الأسلحة، لكن صفقات الأسلحة لا تتعلق بالمعدات فقط، فهي تستغرق سنوات غالباً ما تمتد إلى عقود لتزويدها بالكامل، ومن ثم هناك صفقات متابعة للتدريب وقطع الغيار والصيانة والترقيات.
يلعب السعوديون لعبة طويلة هنا، ويريدون أن يضمنوا أن خليفة «ترامب» يدرك الأشياء التي سيضعها على المحك في الاقتصاد الأمريكي إذا ما أراد العودة لسياسة «أوباما».
ولا تعد فلسطين جزءا من هذه المعادلة، و«محمد بن سلمان» يدرك بالفعل أن هذه الإدارة ليست مهتمة بتأسيس دولة فلسطينية وهذا لا يزعجه، ولكن لابد أن مستشاريه أخبروه بأنه قبل أربع سنوات من ولادته، تعرضت أول صفقة سلاح كبيرة للمملكة مع الولايات المتحدة للخطر، من قبل (إسرائيل) التي حشدت مؤيديها في واشنطن ضدها.
مرر «رونالد ريجان» الصفقة من خلال الكونغرس، ولكن لمذا يخاطر ولي العهد بحدوث مثل هذه الأحداث المزعجة ثانية؟
هناك شيء آخر يتذكره السعوديون، هو أن إيران قد تكون عدو (إسرائيل) اللدود اليوم، لكنها لم تكن كذلك خلال العقود الثلاثة الأولى من قيام (إسرائيل)، حتى حدثت الثورة الإسلامية في 1979، فقد كانت الحليف الاستراتيجي الوحيد لها في المنطقة.
وعندما يتم الإطاحة بأتباع «الخميني» في طهران، فإن الإسرائيليين والإيرانيين سيعودون للكثير من القواسم المشتركة، لكن العداء بين السعوديين ومنافسيهم الشيعة عبر الخليج سوف يبقى على حاله.
إرضاء حلفاء (إسرائيل)
يخطط ولي العهد الثلاثيني لحكم السعودية لمدة طويلة يتعاقب فيها العديد من الرؤساء في الولايات المتحدة، وفيما يواصل ما يعتقد أنها علاقات استراتيجية تمتد لعقود، فإنه يريد تقليل أي نغمات معارضة في الخلفية، وأن يبقي (إسرائيل) ومؤيديها سعداء، هذا أمر مفروغ منه بالنسبة له.
ويتمثل أكبر منافسيه في الخليج بعد إيران، في القيادة القطرية، وقد بدأت الأخيرة في فهم الموقف وفي الأشهر الأخيرة بدأت في لجم هجومها على القادة الأمريكيين اليهود، والذي تضمن تأجيلاً لسلسلة تحقيقات الجزيرة حول اللوبي الإسرائيلي في واشنطن.
ولكن في الوقت الحالي، تعد كل هذه التحولات تكتيكية، نعم؛ يتشارك السعوديون عدوا مع (إسرائيل)، وهو إيران، وطالما بقي «ترامب» المنتفخ بالغرور في منصبه، فإنهم سيسعون لإسترضائه، والأهم من ذلك، هو إرضاء مستشاريه الموالين لـ(إسرائيل)، بتنازلات مثل التحليق فوق أراضيها.
لكن من الخطأ أن نرى هذا كتحالف فعلي بين (إسرائيل) والسعودية، ولطالما كانت الدول العربية تتمسك بالورقة الفلسطينية، و«محمد بن سلمان» لا يستطيع التخلي عنها بعد.
الاستنتاج الوحيد الواضح هو أن الملك السعودي المقبل يبذل كل ما بوسعه لتأسيس المملكة كقوة مهيمنة في المنطقة، وهذا لم ينته بشكل جيد مع «عبدالناصر» من قبله، الذي حاول فعل ذلك مع مصر، و«صدام حسين» في العراق، والآن تمت التضحية بمئات الآلاف من السوريين دون نهاية في الأفق، بسبب أهداف مماثلة لدى إيران وتركيا.
قد يبدو ولي العهد بأنه الأكثر تأييدا للغرب والأكثر انفتاحا على (إسرائيل) من بين كل هؤلاء السادة المحتملين في الشرق الأوسط، ولكن المطلوب هو المزيد من الحذر في تقييم طموحاته.